وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة كربلاء كلية التربية للعلوم الإنسانية  
          ماجستير التاريخ الاسلامي





مقالة
                                                         كربلاء قبل واقعة الطف
إعداد الطالب
علاء محمد غانم
                                             






1446 هـ                                                                                                                                                      2024 م 
 
كربلاء لغة واصطلاحاً ‌‌‌كَرْبَلاءُ بالمدّ: وهو الموضع الذي قتل فيه الحسين ابن عليّ، رضي الله عنه، في طرف البرّيّة عند الكوفة، فأما اشتقاقه فالكربلة رخاوة في القدمين، يقال : جاء يمشي مكربلا، فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسمّيت بذلك، ويقال: كربلت الحنطة إذا هذّبتها ونقيتها، وينشد في صفة الحنطة، يحملن حمراء رسوبا للثقل … قد غربلت وكربلت من القصل فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدّغل فسمّيت بذلك، والكربل: اسم نبت الحمّاض، وقال أبو وجرة يصف عهون الهودج:
وثامر كربل وعميم دفلى … عليها والندى سبط يمور
  فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسمّى به، وقد روي أن الحسين، رضي الله عنه، لما انتهى إلى هذه الأرض قال لبعض أصحابه: ما تسمّى هذه القرية؟ وأشار إلى العقر، فقال له: اسمها العقر، فقال الحسين: نعوذ بالله من العقر! ثم قال: فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها؟ قالوا: كربلاء، فقال: أرض كرب وبلاء! وأراد الخروج منها فمنع كما هو مذكور(). ‌‌‌كربلاء بالمدّ: هو الموضع الذي قتل فيه الحسين بن علىّ رضى الله عنه ، فى طرف البرية، عند الكوفة، على جانب الفرات(). ‌‌‌كربلاء: بفتح أوّله، وإسكان ثانيه، بعده باء معجمة بواحدة، ممدود: موضع بالعراق من ناحية الكوفة، مذكور فى رسم العذيب().
أصل اسم كربلاء : في الواقع إنّ كربلاء اسمٌ قديمٌ في التاريخ ، يرجع إلى عهد البابليّين ، وقد استطاع المؤرّخون والباحثون التوصّل إلى معرفة لفظة ( كربلاء ) من نحت الكلمة وتحليلها اللغويّ ؛ فقيل : إنّها منحوتةٌ من كلمة ( كور بابل ) العربيّة ، وهي عبارةٌ عن مجموعة قرىً بابليّةٍ قديمةٍ ، ومما لا شك فيه أن كربلاء كلمة بابلية في الأصل فان علم الآثار القديمة أثبت بأن هذه الكلمة من أصل بابلي قديم، إذ ” ذهب الأثريون المبرزون أن كربلاء قديمة العهد وكان البابليون قد أقاموا فيها هيكلا لآلهتهم ودعوها ” حرب إيل ” أي محراب الإله فالكلمة إذن هي ” كلدانية معناها ” حرم الله ” وهذا القول هو أقرب الى الصحة من غيره، لأنه كان في تلك الديار معبود وله حرم فسمي المحل باسم الهيكل (). ( نينوى ) التي كانت قريةٍ عامرةً في العصور الغابرة ، تقع شمال شرقيِّ كربلاء ، وهي الآن سلسلة تلولٍ أثريّةٍ ممتدّةٍ من جنوب سدّة الهنديّة حتّى مصبّ نهر العلقميِّ في الأهوار ، وتُعرف بتلول نينوى . ومنها ( الغاضريّة ) وهي الأراضي المنبسطة التي كانت مزرعةً لبني أسد ، وتقع اليوم في الشمال الشرقيّ من مقام أو شريعة الإمام جعفر الصادق ( ع ) على العلقميّ بأمتار ، وتُعرف بأراضي الحسينيّة . اما الغاضرية: بعد الألف ضاد معجمة، منسوبة إلى غاضرة من بني أسد: وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من ‌كربلاء()، ثمّ ( كربلاء أو عقر بابل ) وهي قريةٌ في الشمال الغربيّ من الغاضريّة، وقال الفرزدق:       لقوا يوم عقري بابل حين أقبلوا … سيوفا تشظّى جامعات المفارق، وكانوا يقولون: ضحّى بنو حرب بالدّين يوم ‌كربلاء، وضحّى بنو مروان بالمروءة يوم العقر، يعنون قتل الحسين بكربلاء()
 
وبأطلالها أثريّاتٌ مهمّة، ثمّ ( النواويس ) وكانت مقبرةً عامّةً للنصارى قبل الفتح الإسلاميّ ، وتقع في أراضي ناحية الحسينيّة قرب نينوى . أمّا الأطلال الكائنة في شمال غربيّ كربلاء تُعرف ب – ( كربلاء القديمة ) يستخرج منها أحياناً بعض الحباب الخزفيّة ، وكان البابليّون يدفنون موتاهم فيها()
أسماء كربلاء: يحدثنا التاريخ ، كانت تطلق عليها هذه الاسماء دون أي فرق او تمييز ، فكان يطلق عليها كما سبق اسم الغاضرية ، ونينوى ، ومارية ، وعمورا والنواويس ، وشط الفرات ، وشاطيء الفرات ، والطف ، وطف الفرات ، والحائر ، والحير ، ومشهد الحسين ، وكربلاء . ولم يكن الاسم الاخير غير أحد تلك الاسماء المختلفة الكثيرة التي في عدادها كان يطلق منذ القديم على هذه البقعة()، 
الحائر لغة واصطلاحاً : لغة اسم فاعل من حار ، يحير ، حيرا ، من تحير الماء اذا اجتمع ودار ، ومن تحيرت الارض بالماء اذا امتلأت ، جمعه حوران وحيران على الأشهر ، وهو الموضع المطمئن الوسط المرتفع الحروف كما وصفه اللغويون ، او بعبارة اخرى هو محل منخفض مستور تعلو جوانبه واطرافه على شكل حوض ذي حور()، يجتمع اليه المياه كلما نزلت الامطار من السماء أو فاضت عن الزروع، وسمي الموضع حائرا لأنه كلما هب النسيم على سطحه تموجت المياه المحصورة فيه على شكل حلقات تتوسع الواحدة تلو الأخرى حتى تنتهي الى أطراف الغدير فيتردد الماء ويتحير كأنه لا يدري كيف يجري أو أين يسير وحيرة الماء بين الجوانب والاطراف ورجوعه بهذا النحو من أقصاه الى ادناه في مجتمعه هي التي منحته اسم الحائر، ولعل كربلاء أو بعض اجزائها سميت بهذا الاسم منذ القديم لما كان في ارضها من المنخفضات التي يسيب اليها مسيل ماء الامطار، وقد اتفق الرواة والمحدثون ، والمؤرخون والجغرافيون ، وأهل اللغة على تسمية كربلاء بالحائر بصورة مطلقة . وعلى ما يظهر من الاخبار والروايات فان كربلاء منذ الصدر الاول كانت تعرف بهذا الاسم . فقد ورد ذكرها في تاريخ للطبري والذين يخدمون قبر ‌الحسين بْن علي في ‌الحير() ، والحير عند أهل اللغة هو مخفف لفظ الحائر بلغة العامة لاستحسانها التخفيف عادة في الأسماء قيل الحائر لهذا الذي يسميه العامة حير وجمعه حيران وحوران، قال أبو القاسم: هو الحائر إلا أنه لا جمع له لأنه اسم لموضع قبر الحسين ابن عليّ()، فصار ياقوت يميز بذلك بين الحائر والحير بأن الأول أخص وهو اسم للقبر وما حوله ، بينما – في نظره – اسم المدينة كربلاء وهو الصحيح() .
الطَّفُّ: بالفتح، والفاء مشددة، وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق، قال الأصمعي: وإنما سمي طفّا لأنه دان من الريف، وقال أبو سعيد: سمي الطف لأنه مشرف على العراق من أطفّ على الشيء بمعنى أطلّ، والطف: طف الفرات أي الشاطئ، والطف: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل الحسين ابن علي، رضي الله عنه()
قداسة كربلاء قديماً : كما يظهر من التاريخ كانت من البقاع المقدسة قديماً عند الكلدانيين والبابليين، إذ كان فيها هيكل قديم أقيم لآلهتهم هناك فسميت البقعة كلها بهذا الاسم المقدس. ويجد هذا التعليل الحديث في إشتقاق إسم كربلاء كل التأييد في الدين لما ورد بهذا المعنى عن الامام الصادق عليه السلام ما نصه حرفياً : ” ويحك أما تعلم أن الله اتخذ بفضل قبره كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتخذ مكة حرماً، حيث العموم هو أن هذه البقعة التي كان مقدراً لها أن تنال الشرف فيما بعد بأن يكون مدفناً لابن بنت نبي الاسلام، كانت أرضاً مقدسة إتخذها الله بزمن بعيد قبل وقعة الطف فيها حرماً له قبل أن يرفع ابراهيم واسماعيل القواعد من البيت فتنال مكة هذا الشرف العظيم، وبهذا المدلول كما يظهر، تتفق هذه الرواية وعلم الآثار القديمة في إشتقاق لفظة كربلاء من اصلها البابلي بانها بمعنى حرم الله، ويستلزم من ذلك أن الأئمة الاطهار في الصدر الأول من الاسلام كان لهم علم بما يكتشفه لنا العلم الحديث في هذا اليوم. وهذا التعليل على كل حال يعيد إلى الذهن ما يؤيد قدسية كربلاء عند الأقدمين. اما كيف أن كلمة ” حرب إيلا ” البابلية تحتت منها كربلاء الحاضرة وكيف أن الحاء في ” حرب ” قلبت كافاً في اللغة العربية، فتلك أمور لا بد من التحقيق فيها. أما النحت فله قرائن كثيرة قريبة منه جدا فمنها اسماء بابل وإربيل والمقطع الثاني في كل واحد منهما بمعنى الإله، فان كلمة ” بابل ” منحوتة في الاصل من كلمتي ” باب إيلو “() ولم تنل كربلاء منذ العصور القديمة – على ما يظهر – تقديس البابليين والكلدانيين لها فحسب، هذا التقديس الذي إمتد مع الاجيال فاقترن وامتزج بمثله أو بأعلى منه في عصر الاسلام، لان الفرس القدماء على ما يرويه صاحب كتاب ” دبستان المذاهب” كانوا يشتركون ايضاً مع الأمم والشعوب الأخرى في تقديس هذه البقعة وتعظيمها من الناحية الدينية زعما منهم بأن كان لهم فيها المعابد وبيوت النار في الأزمنة القديمة. ولذلك فانهم يعتقدون أن لفظة كربلاء فارسية بالأصل ومركبة من كلمتين : ” کار + بالا ” بمعنى العمل العلوي والسماوي فعربتها العرب بلفظة كربلاء، والى ذلك يشير العقاد في مقارنته بين الحوادث في عصر الاسلام وفي عهد المجوسية في هذه الديار حين يصور بريشته الفنية الدقيقة ما مثل على ساحة هذه الأرض من صراع بين النور والظلمة أي بين الحسين ويزيد، هذا الصراع الذي لم يكن حديثاً في هذه البقعة وكان يرجع دوماً الى ما شاهدته واختبرته كربلاء في القرون والاجيال السالفة من نضال مستمر دائم بين أورمزد إله الخير وبين أهريمن إله الشر يوم كان فيها معابد الأورمزد وبيوت النيران قائمة لمكافحة أهريمن والظلام، ويصفها في كتابه ” أبو الشهداء ” وصفاً دقيقاً حين يقول (): فجيرة كربلاء كانت قديمة من معاهد الايمان بحرب النور والظلام وكان حولها أناس يؤمنون بالنضال الدائم بين أورمزد واهرمان، ولكنه كان في حقيقته ضرباً من المجاز وفناً من الخيال().
تاريخ كربلاء قبل واقعة الطف : خضعت هذه البقاع في فجر التاريخ للأقوام السومرية التي شقت طريقها من الشمال الشرقي الى سهل “شعار ” في جنوب العراق. وكان سهل شنعار كما كان يسمى قديما يمتد على ضفتي الفرات الى دجلة من كربلاء قبل الإسلام في العصور القديمة . أعالي بغداد إلى الخليج، وكان الخليج متقدماً في الجنوب فكانت تقع عليه أور الناصرية الحالية يوم كانت أراضي البصرة والمنتفك الحاليتين لازالت مغمورة بمياه البحر فلم تظهر بعد على اليابسة، فأسس السومريون حضارتهم في جنوب هذا السهل وامتد نفوذهم بالتدريج إلى الشمال منه فدخلت كربلاء وما جاورها من طف الفرات الاوسط بالطبع تحت الحكم السومري()، 
      تميزت بجودة أرضها وخصب تربتها ، تقدمت عمرانيا في هذا العهد السحيق لما إمتاز به السومريون من الإتقان في أنظمة الري والزراعة بحفر الترع والجداول وتسليط المياه على المزارع والحقول حتى اذا ما تدفقت على العراق في الألف الرابع قبل الميلاد موجة سامية وهي أول موجة سامية في هذا الإتجاه قذفت من الجزيرة العربية بالقبائل الأكدية من العنصر السامي الى القسم الشمالي من سهل شنعار فاستوطنوا هذه البقاع الواقعة ما بين بغداد والديوانية الحالية، والأكديون وان كانوا بطبيعتهم بدوا رعاة إلا أن إتصالهم واحتكاكهم بالسومريين دربهم شيئاً فشيء على إقتباس الحضارة الزراعية منهم. فزاد على عهدهم إنتعاش هذه الجهات ومنها كربلاء التي كانت تقع على حدود البادية فكانت بطبيعة وضعيتها الجغرافية بمثابة همزة وصل بين المناطق الزراعية والمناطق البدوية بين حياة الريف وبين حياة بدو الرعاة().
لم تكن كربلاء كما أسلفنا حرماً آمناً وبيتاً من بيوت الله فحسب، بل وكانت في نفس الوقت مهبط الوحي، ومهد الأنبياء والرسل، وأرض الله المختارة تزخر بالأولياء والأوصياء في تلك الأزمنة الغابرة، قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) :شاطي الوادي الأيمن الذي ذكره الله تعالى في كتابه هو الفرات ، والبقعة المباركة هي كربلاء(). وكأني انظر إلى بقعته ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال :خرج أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) يسير بالناس حتى إذا كان من كربلاء على مسيرة ميل أو ميلين تقدم بين أيديهم حتى صار بمصارع الشهداء ، ثم قال : قبض فيها مائتا نبي ومائتا وصي ومائتا سبط كلهم شهداء باتباعهم (وفي الإسلام يذكر حادثة سعد بن ابي وقاص عن السبب الذي بعث على اتخاذ موقعه معسكرا ، قال : على أثر الفشل الذي مني به القائد الاعلى سعد بن أبي وقاص والموفقية التي حازها خالد بن عرفطة في فتح ساباط أولا ، ثم استتبعه فتح البقية من المدائن عاصمة الدولة الساسانية ، وتكلل فوز المسلمين بأكاليل النصر ، وتم لهم الغلبة  أرغم يزدجرد الملك بالانسحاب والتقهقر مقهورا إلى اصطخر فارس ، عطفوا عندها باتخاذ قاعدة تكون معسكرا لهم على تخوم الجزيرة ، فاختاروا كربلاء ولتمنع ساكنيه من التسليم والخضوع لإرادتهم قصدهم خالد بن عرفة وفتح كربلاء عنوة وسبى أهلها ، وقسم سعد أرياضها بين أصحابه ، ونزل كل قوم في الناحية التي خرج سهمه بها ، فأحيوها ()، وفي مبدأ الفتح في عهد خلافة أبو بكر ، عندما هادن أهل الحيرة دهاقين الفرات الاوسط – خالد بن الوليد ، شكا عبدالله بن ونيمه النصري ذباب كربلاء ، وقال رجل من أشجع : 
لقد حبست في كربلا مطيني      وفي العين حتى عاد غناً سمينها  
إذا رحلت من منزل رجعت له       لعمري وأيها إنني لأهينها
 ويمنعها من ماء كل شريعة     رفاق من الذبان زرق عيونها(
وتناقلت الألسن أنباء الشكوى والشعر وأحيط بعلم الخليفة عمر بن الخطاب في حينه فعند وصول كتاب سعد يخبره بما قام به ، لم يرتضه للمسلمين معسكرا . وأمر سعد بتحويلهم ونقلهم منها ، فحولهم سعد من كربلاء الى سوق حكمه، ويقال الى كويفة ابن عمر دون الكوفة(). فأغفل ذكر كربلاء بعدها . الى أن ولي أمير المؤمنين علي سلام الله عليه الخلافة فوردها عند مسيره لحرب معاوية في سهل صفين . فوقف عندما بلغ هذه الأرض وأخبر عما سيكون لولده الحسين (ع) من الحوادث() .
 

شارك هذا الموضوع: