لكاف بين الاسمية، والحرفية.
تأتي الكاف عاملة، وغير عاملةٍ، فغير العاملةِ تكون ضميرَ نصبٍ، أو ضميرَ جرٍ، أو حرف خطابٍ، والعاملة تأتي جارةً ().
واختلف النحويون فيها إذا كانت عاملةً، أحرفٌ هي أم اسمٌ؟ فنشأ عن هذا الاختلاف أربعة آراء هي:
الرأي الأول: إنَّ الكاف تكون حرفَ جرٍّ في فصيح الكلام، ولا تكون اسمًا إلا في الضرورة، هذا رأي سيبويه، إذ قال: ((وَمثلُ ذلكَ: أَنتَ كَعبدِ اللهِ، كَأَنَّهُ يَقولُ: أَنتَ كعبدِ اللهِ، أيْ: أنتَ في حالٍ كَعبدِ اللهِ، فأُجري مُجرى بِعبدِ اللهِ. إِلَّا أَنَّ ناسًا مِنَ العربِ إِذا اضطرُّوا في الشّعرِ جعلوها بِمنزلةِ (مِثْلٍ))) ()، ومنْ ذلكَ قولُ الأعشى الكبيرِ:
أَتَنْتَهُونَ؟ وَلَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ كَالطَّعْنِ يَذْهَبُ فِيْهِ الزَّيْتُ وَالفُتُلُ ()
فالكافُ في: كالطَّعنِ، أسم في محلِّ رفعٍ فاعل للفعلِ (ينهى)، التَّقديرُ: مِثلُ الطَّعنِ، ولا يجوزُ أَنْ تكونَ حرفًا؛ لأَّنَّ ذلكَ يلزمُ منهُ أَنْ تجعلها صفةً لموصوفٍ محذوفٍ، تقديرهُا شيءٌ كالطعنِ، فإذا كانت كذلكَ بقيَ الفعلُ من دونِ فاعلٍ، والفاعلُ لا يحذف ()، وأخذَ بهذا الرَّأْيِ جماعةٌ مِنَ البصريّين ().
الرأي الثاني: إنَّ الكاف تكونُ اسمًا في الشعرِ، وفي فصيح الكلامِ، نسب هذا القول إلى الأخفش()، وتابعهُ ابن جني على هذا، وذلك قوله: (( واعلمْ أَنَّهُ كما جازَ أَنْ تجعلَ هذهِ الكافَ فاعلةً في بيتِ الأعشى، وغيرهِ، فكذلكَ يجوزُ أَنْ تُجْعَلَ مبتدأةً، فتقولُ على هذا: كزيدٍ جاءني، وأنتَ تُريدُ: مثلُ زيدٍ جاءني، وكبكرٍ غلامٌ لمحمدٍ، فإن أدخلتَ (إنَّ) على هذا قلتَ: إنَّ كبكرٍ غلامٌ لمحمدٍ، فرفعتَ الغلامَ؛ لأنَّهُ خبرُ (إنَّ)، والكافُ في موضعِ نصبٍ؛ لأنَّها اسمُ (إنَّ)))()، وأنكرَ الضَّرورةَ الَّتي وُسمتْ بها، وعدَّ ما وردَ منها اسمًا يحملُ على الشُّيوعِ والاطراد، لا الضَّرورةِ والاستقباحِ().
وأخذَ بهِ مكِّيُّ بنُ أبي طالبٍ، واستشهدَ على صحَّةِ مجيءِ الكافِ اسمًا في فصيحِ الكلامِ، بقولهِ تباركِ وتعالى: ﴿أَنِّيٓ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيَۡٔةِ ٱلطَّيۡرِ﴾ ()، فالكافُ نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ في موضعِ نصبٍ، التقديرُ: خلقًا مِثلَ هيأةِ الطَّيرِ ()، وعندَ الأخفشِ في محلِّ نصبٍ مفعولٌ لــِ(أَخلقُ)، والتقديرُ: أنِّي أخلقُ لكم من الطينِ مِثلَ هيأةِ الطَّيرِ، وذلكَ يقضي اسميَّةَ الكافِ في ظاهرِ الأمرِ ()، ووافق على هذا المذهبِ كثيرٌ من النَّحويِّين ().
الرأيُ الثالثُ: نُقلَ عن ابنِ مضاءٍ أنَّ الكافَ عندهُ اسمٌ مطلقًا؛ لأنَّ معناها معنى (مِثْلٍ)، وما كانَ بمعنى الاسمِ فهو اسمٌ، وفي ذلك قالَ المرادي: ((ومذهب الأخفش والفارسي، وكثير من النحويين، أنه يجوز أن تكون حرفاً واسماً، في الاختيار. فإذا قلت: زيد كالأسد، احتمل الأمرين. وشذ أبو جعفر بن مضاء، فقال: إن الكاف اسم أبداً، لأنها بمعنى مثل)) (). ونقل ذلك السُّيوطي بقوله: ((وَقَالَ أَبُو جَعفَر بن مضاء هِيَ اسم أبدا لِأَنَّهَا بِمَعنى مثل وَمَا هُوَ بِمَعنى اسم فَهُوَ اسم)) ().
الرأي الرابع: ذهب ابن أبي الربيع إلى أنَّها أكثر ما تكون اسمًا في الشعر، وأقل ذلك في الكلام وذلك قوله: ((قال سيبويه: وإذا قُلْتَ: أنتَ كعبدِ الله فقد أضَفْتَ إلى عبد الله الشبه بالكاف، وتوجدُ اسماءٌ في الشعرِ، وفي قليلٍ من الكلام؛ لأنَّها على حرفٍ واحدٍ ولا يوجد اسمٌ ظاهرٌ على حرفٍ واحدٍ فدلَّ على أنَّ أصلَ الكاف الحرفيَّةُ واستعمالها اسمًا اتساعٌ لمَّا فُهِمَ منها ما يفهم من مِثْلِ)) ().
وما ذهب إليه ابن أبي الربيع هو الأرجح؛ لأَنَّ الكافَ تكونُ حرفًا محضًا في مواضع معينةٍ، وتتعيَّنُ اسميَّتهُ المحضةُ فــي مواضعَ أُخرَ يكونُ أَكثرها في الشعرِ، وأقلها في النثرِ من دونِ وصفها بالضَّرورةِ، والاستقباحِ استنادًا إلى كثرةِ الشَّواهدِ الواردةِ في هذا الموضعِ.ِ