مؤتمر فينّا والخارطة السياسية الأوربية …
م.م. إسراء محمدعلي عبدالكريم كسّاب
جامعة كربلاء- كلية التربية للعلوم الإنسانية
كان من الضروري بعد إنتصار الحلفاء أن يجتمعوا لتثبيت مصالحهم وتحجيم التيارات القومية والجمهورية التي أوجدها حكم نابليون خارج فرنسا لذلك نصت معاهدة باريس الأولى ضرورة عقد مؤتمر عام للتسوية النهائية للمصالح الدولية وقد أختيرت مدينة فينا لعقد المؤتمر وجاء ذلك الأختيار نتيجة عدة عوامل أبرزها التضحيات التي تحملتها النمسا منذ قيام الثورة الفرنسية ومشاركتها في جميع الأعباء العسكرية حتى سقوط نابليون وتعويضا للنمسا عما الحقه نابليون بها من هزائم متلاحقة تسببت في إهانتها والحاق الضرر بها بفقدانها نفوذها السياسي في إيطاليا وألمانيا وخسارتها أراض واسعة كانت تحت سيطرتها ولاشك إن موقع فينا الذي يتوسط الدول الأوربية ساعد ايضا في إختيارها مقر للمؤتمر.
ومؤتمر فيينا عبارة عن مؤتمر لسفراء الدول الأوروبية ترأسه رجل الدولة النمساوي كليمنس فون مترنيش عقد المؤتمر في فيينا في الفترة الممتدة من سبتمبر (أيلول) 1814 إلى يونيو (حزيران) 1815 كان هدفه تسوية العديد من القضايا الناشئة عن حروب الثورة الفرنسية والحروب النابليونية وتفكك الإمبراطورية الرومانية المقدسة. أسفر هذا المؤتمر عن إعادة رسم الخريطة السياسية للقارة، ووضع حدود لفرنسا ودوقية نابليون في وارسو وهولندا وولايات نهر الراين والمقاطعة الألمانية في ساكسونيا في الأراضي الإيطالية المختلفة وإنشاء مناطق نفوذ لكل من فرنسا والنمسا وروسيا وبريطانيا تتوسط فيها تلك الدول في حل المشاكل المحلية والإقليمية، حيث كان الهدف الأساسي من المؤتمر هو توطيد السلام الأوربي على أسس ثابتة ومتينة وبشكل مستمروشارك في المؤتمر القوى الاربعة العظمى التي تمثلت بالنمسا ، المملكة المتحدة، روسيا، بروسياوكانت فرنسا القوة الخامسة متمثلة بوزير خارجيتها تاليران.
أهم الأسس التي استند عليها المؤتمر كانت كالآتي :
1- التخلي عن مبدأ القوة كقاعدة للتملك، حيث إن مبدأ السيادة على بلد ما لا يكتسب بالفتح ، والإستناد الى مبدأ الحقوق المشروعة الذي إرتبط بالمبدأ القائل إرجاع القديم إلى قدمه.
2- أما المبدأ الآخر والمهم فيتعلق بجانب فلسفة السلطة والعلاقات الدولية ،حيث يقضي بوجوب خضوع العلاقات الدولية الى قواعد العقل والعدل والحكمة والإحترام والإعتدال في الأطماع،أي ، أي ايجاد فكرة التوازن واحلال حكم الحق محل حكم القوة وتطبيقا لذلك المبدأ وجدت الدول الفاصلة وهي دول وسط تقع على حدود الدول الكبرى أو فيما بينها مثل إنشاء مملكة الأراضي المنخفضة. .
3- والمبدأ الأخير كان مبدأ التعويضات أي تعويض الدول الكبرى عما لحق بها من خسائر خلال حروب الثورة الفرنسية ونابليون وكان ذلك على حساب الدول الصغرى وحقوقها القومية ، فكانت، فلسفة المؤتمر مناقضة لفلسفة الحق القومي والغيت فلسفة الحدود الطبيعية ولم يؤخذ بعين الإعتبار بالروابط والتقاليد التأريخيو إرادة الشعوب ،جاء مبدأ التعويضات مشابها لمبدأ إقتسام الإرث وكانت قاعدته (المساحة-المورد- السكان وتطبيقا للمبدأ فقدت بروسيا ثلاثة ملايين ونصف من السكان بتنازلها لروسيا عن بعض الأراضي في بولونيا وعوضت عن هذا العدد من النفوس بإعطائه كل من
بوسنانيا ومناطق على الضفة اليسرى لنهر الراين ووستفاليا وساكس.
قرارات مؤتمر فينّا:
1- منحت روسيا دوقية وارسو البولندية كما حصلت على فنلندة السويدية في البلطيق وعلى بسارابيا العثمانية الواقعة على نهر الدانوب.
2- ضمت بروسا قسما من سكسونيا ويوميرانيا السويدية وميناء دانزيك وإقليم بوزنان في فنلندا وغيرها من الأراضي التي أنتزعت من فرنسا.
3- حصلت النمسا على لمبارديا ، ميلانو، البندقية وأسندت إمارات توسكان، بارما، مودينا الإيطالية الى امراء نمساويين وضمت جنوة الى بيدمونت وأعيدت أسرة بوربون الى حكم
.(مملكة الصقليين)نابولي
4- قرر المؤتمر إرجاع أسرة اورانج الى عرش هولندا تطبيقا لمبدأ الحقوق المشروعة وضم بلجيكا اليها رغم ارادة البلجيكيين .
5- تمكين بريطانيا من السيطرة على مناطق استراتيجية هامة مثل : جزر هلكولاند في بحر الشمال وجزيرة مالطة وجزر أيونان في البحر الابيض المتوسط وسيلان جنوب الهند والكاب جنوب افريقيا
6- أحيطت فرنسا بنطاق من الدول الصغرى لضمان عزلتها وانتزعت اجزاء من اراضيها والف الاتحاد السويسري.
7- تم تنظيم الملاحة الدولية بأوربا والغي الرق ووضع نظام جديد للسلك الدبلوماسي.
8- قرر المؤتمر تأليف إتحاد الماني صوري تحت نفوذ النمسا من 39 ولاية يتمثل في مجلس الديت وجعل مقره مدينة فرانكفورت وليس له صلاحيات تنفيذية .
الإنتقادات الموجهة للمؤتمر ، إيجابياته ))
على الرغم من الإنتقادات التي وجهت للمؤتمر لاسيما من قبل الأحرار الذين اطلقوا عليه مؤتمر العصابات ومؤتمر الرجعيين والسراق لأنهم عارضوا مبادئ الثورة الفرنسية والروح القومية والأفكار الحرة ولم يعترفوا بحقوق الأمم المظلومة فأستمرت سيطرة الدول الكبرى على الشعوب الصغيرة وعلى اراضيها وعادت الأوضاع الى ماكانت عليه عام 1792 ومنعوا الدول الصغرى من الحضور وازدروها فأصبحت حقوقها عرضة للضياع، وعلى الرغم من الإنتقادات العديدة التي وجهت للمؤتمر إلا أن الباحثون والمؤرخون وجدوا أن هناك نتائج وظواهر إيجابية تمخضت عن قرارات المؤتمر منها حل المشكلة البولندية التي كانت مثار حروب وخلافات طيلة القرن ال 18 بين كل من روسيا وبروسيا والنمسا في محاولة إخضاعها لكل من الدول الثلاث وحل النزاع القائم بين بروسيا والنمسا حول الزعامة بين الولايات الألمانية, فضلا عن تنظیم درجات السلك الدبلوماسي والأعراف السياسية والإستقرار النسبي الذي عم اوربا بعد هوجة من الحروب والصراعات وقيام مبدأ التوازن بين القوى الكبرى في اوربا زيادة على ذلك محاولة الغاء تجارة العبيد بمساعي انجلترا والقرارات العامة المتعلقة بالأنهار و الممرات الدولية..