مبادرة روجرزعام 1970 “إنعكاساتها على (الصراع العربي – (الإسرائيلي) ) والموقف السوفيتي من منظمة التحرير الفلسطينية “.
م.م. إسراء محمدعلي عبدالكريم كسَّاب 
جامعة كربلاء- كلية التربية للعلوم الإنسانية. 


شهد عقد الستينيات في نهاياته ومطلع السبعينيات تغييراً كبيراً في الإستراتيجيات السياسية للدول الكبرى ولمخططاتها وأهدافها في منطقة الشرق الأوسط ، فكان التقارب السوفييتي – الأمريكي المفاجئ الذي توج بزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون للإتحاد السوفييتي والتي استمرت من(22-30ايار)1972هو التغيير الأبرز الذي حدث نتيجة التطورات السياسية الداخلية فيهما ، مما له أثر كبير على الأحداث التي كانت دائرة في المنطقة، ومحاولة الرئيس الأمريكي من خلالها التأثير على الأحداث الدائرة في الشرق الأوسط، مثل استمرار حرب الاستنزاف الذي قادها الرئيس جمال عبد الناصر ، وتواصل الدعم للعمليات الفدائية والانجازات المحققة من قبل التنظيمات الفلسطينية الفدائية في الأردن ولبنان بعد تطبيق اتفاقية القاهرة ، لذلك بادرت الولايات المتحدة بإطلاق مشروع يهدف إلى التخلص من العمل الفدائي الفلسطيني وتشجيع الدول التي كان الفلسطينيون يعملون ضمن حدودها  لتحجيم العمل الفدائي ومن ثم قيام هذه الدول بالتخلص من المنظمات الفدائية ، وربما التأثير على الاتحاد السوفييتي  بإيقاف شحنات الأسلحة إلى مصر لاسيما شحنة صواريخ سام3SAM 3) ) المضادة للطائرات التي كانت مصر بأشد الحاجة إليها للتصدي للغارات الجوية (الإسرائيلية )، التي كان من المزمع حصول مصر عليها بعد زيارة الرئيس جمال عبد الناصر إلى موسكو في كانون الثاني (يناير)1970.
      فضلاً عن أن التغير السياسي الذي حصل في كل من السودان و ليبيا في أيار وأيلول عام 1969، اللتين أطاحتا بحكومتين مواليتين للغرب ، وهما تحيطان بمصر بحدود برية طويلة ، مبعث قلق للإدارة الأمريكية ، فكانت من العوامل الرئيسة في تغيير الإستراتيجية الغربية إزاءمصر، فصبت الولايات المتحدة كل جهودها عليها  بكونها أكبر دولة عربية مؤثرة في الصراع العربي -(الإسرائيلي) ، وطبقا لما ذكر أطلقت الولايات المتحدة مشروعها المعروف باسم “مشروع روجرز”. 
وتضمن المشروع عدة نقاط أهمها ” تنفيذ قرار مجلس الامن242القاضي بانسحاب (إسرائيل) من الأراضي التي احتلتها لعام 1967والاعتراف بــ (إسرائيل)ووقف إطلاق النار لمدة ثلاثة شهور, فضلا عن تناول المشروع بعض النقاط المتعلقة في الوضع الأردني منها وضع خطة زمنية لانسحاب القوات (الإسرائيلية)كليا من الضفة الغربية والتزام الأردن بحالة السلم ومنع أي أعمال تنطلق من أرضها ضد دول أخرى” أي منع عمليات الكوماندوز الفلسطيني غير النظامية” .
وقد وافقت مصر على هذه المبادرة في الثالث والعشرون من تموز(يوليو) 1970 ثم تلتها الأردن ومن ثم (إسرائيل) في السادس والحادي والثلاثين من الشهر ذاته. واستغل الرئيس المصري جمال عبد الناصر التقارب السوفيتي – الأمريكي للضغط على السوفييت من اجل تزويده بالأسلحة لتحقيق حالة التوازن مع (إسرائيل) تحت مبرر خلق أرضية مناسبة للتفاوض على المشروع المطروح من باب(التفاوض من موقع القوة)، إلا أن التغييرات الحاسمة غيرت  من مسار الأحداث.
ويعزوالبعض أن لجوء الاتحاد السوفيتي لتنسيق المواقف مع الولايات المتحدة هو من اجل تقليل خطر المواجهة السوفيتية مع الغرب فضلا عن أن التسوية طبقا لمشروع روجرز ستدفع بعملية الوفاق قدما ويضمن للسوفييت قدرا من النفوذ في المنطقة نتيجة ازدياد مكانتهم لدى الدول العربية .
في خضم هذه الأحداث كانت لبنان تخوض دورتها الانتخابية لرئيس الجمهورية إذ أجرى مجلس النواب في السابع عشر من تموز(يوليو) 1970 انتخابات فاز بها سليمان فرنجيةبعد رفض شارل الحلو الترشيح لمدة رئاسية  ثانية .وكانت المرة الأولى في تاريخ لبنان يستطيع من خلالها ممثل للعشيرة تسلم رأس الهرم في السلطة التنفيذية ، حيث شبه بالانقلاب الأبيض ، وشهد عهده أزمات اقتصادية، فضلا عن جهوده المستمرة بإقصاء واسع في صفوف ضباط الجيش المحسوبين على االرئيسين فؤاد شهاب وشارل الحلو وفي مقدمة هؤلاء رئيس المكتب الثاني غابي لحود.
أما (م.ت.ف) فقد رفضت مشروع روجرز وعدته مشروع لإنهاء العمليات الفدائية ونشاط المنظمات الفلسطينية وجاء ردها على قبول الأردن للاتفاقية بأنها ستستلم السلطة في البلاد لحسم ازدواجية نظام الحكم، وكانت محاولتي الاغتيال التي تعرض لها العاهل الأردني الملك حسين في التاسع من يونيو (حزيران)1970 من قبل رجال عرفات في شهر سبتمبر(أيلول)من العام ذاته في قلب العاصمة الأردنية عمان الأثر الكبير في ازدياد حدة التوتر بين الجانبين .
ومن الجدير بالذكر ان الاتحاد السوفيتي كان قد أصدر في مؤتمره الرابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي في اذار1970، بيان أوضح فيه دعمه للعرب “م. ت.ف” في صراعهم مع العدو الصهيوني على الرغم من رغبته في إنهاء هذا الصراع لمصلحتهم وقد جاء فيه” أن الاتحاد السوفيتي سيدعم القضية العربية العادلة لاستعادة تفوق الدول العربية وحماية الحقوق المنزوعة لعرب فلسطين واستمر الاتحاد السوفيتي في مواقفه من القضية الفلسطينية التي تدور حول الحل السلمي المبني على القرار رقم 242مع تبني  الموقف العربي القاضي بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة وكذلك الاستمرار في دعم مهمة المبعوث الخاص بالأمين العام للأمم المتحدة “.
فضلا عن ذلك تزايدت الاستفزازات العسكرية(الإسرائيلية) للبنان حيث شنت غارات بطائراتها الحربية على الأراضي اللبنانية في ايار 1970 مما دفع لبنان الى تقديم شكوى إلى مجلس الأمن وتحدث مندوب الاتحاد السوفيتي عن العدوان الصهيوني على لبنان بالطائرات الأمريكية الصنع وعدها خرقا لقواعد القانون الدولي وتحديا للإنذار الموجه للكيان الصهيوني من قبل مجلس الأمن 
نتيجة لاستمرار الاعتداءات (الإسرائيلية)على مصر والدول العربية الأخرى صدر بيان سوفيتي  مصري مشترك في السابع عشر من تموز 1970 في ختام زيارة عبد الناصر لموسكو، عبر فيه الطرفان عن استمرار خطورة الوضع بسبب الاعتداءات الصهيونية ضد مصر وغيرها من الدول العربية’ موضحا ان الكيان الصهيوني لم يكن قادر على الاستمرار في انتهاج سياسته العدوانية لو لا الدعم الذي تقدمه له الولايات المتحدة الأمريكية والأوساط الاستعمارية الأخرى، داعيا إلى اتخاذ الإجراءات العاجلة لوقف الاعتداءات الصهيونية، وسحب قواتها من جميع الأراضي المحتلة على وفق مبدأ عدم شرعية اكتساب الأراضي عن طريق الحرب وتنفيذ قرار مجلس الأمن 242،وبعد كثرة الضغوطات التي تعرضت لها المنظمات الفلسطينية منها (فتح، الجبهة الشعبية و الجبهة الديمقراطية، والصاعقة)لاسيما الإجراءات التي اتخذت ضدها من قبل الحكومة الأردنية والمضايقات التي جعلت كل فلسطيني يتسلل عبر نهر الأردن المتعرج يواجه عدة عناصر من الجيش (الإسرائيلي).
فجاء رد المنظمات عنيفا حين شنت الجبهة الشعبية في السادس من أيلول (سبتمبر)1970أحد أضخم عملياتها,فخطفت أربع طائرات من نوع”T.W.A” في رحلتها من فرانكفورت, واقتيدت إلى مدرج في وسط الصحراء الأردنية قرب الزرقاء وفي ذات اليوم خطفت كذلك طائرة سويسرية الجنسية في طريقها من زيورخ إلى نيويورك واقتيدت إلى المكان نفسه  .
شكلت هذه الأحداث مبررات كافية للنظام الأردني، الذي كان يواجه تزايد المنضمين والداعمين من الشعب الأردني إلى تلك المنظمات فجعل من هذه التطورات مبررات كافية لحسم الأمر، على العكس من لبنان الذي خرجت بعض الأمور عن سيطرته ، وعلى وفق ذلك تشكلت حكومة من اجل حسم الموقف وتصفية الفصائل الفلسطينية في الأردن، وقد قصف الجيش الأردني معاقل رئيسية للمنظمات الفلسطينية راح ضحيتها الآلاف بين قتيل وجريح فضلا عن الخسائر المادية المتمثلة بالأسلحة والأعتدة ومخازن الذخيرة حيث قدرت باثني عشر مليون دينارأردني،حتى أنها وصفت عند البعض بالمذبحة وعرفت عند الفلسطينيين بأحداث أيلول الأسود .
وبعد أحداث ومواجهات عدة بين الجيش الأردني والمنظمات والفصائل الفلسطينية مثل أحداث جرش، جلعاد وأحداث عمان، أصبح الجنوب اللبناني من أكثر الجبهات العربية اشتعالا وتحول في العقود الثلاثة الأخيرة أي بين سنتي 1968– 1998وهي خارج فترة مادة البحث باستثناء حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية سنة 1968 – 1969وحرب تشرين الأول(أكتوبر) 1973،حيث تحول إلى ميدان عسكري يكاد ان يكون الوحيد بعد تحول الفصائل الفلسطينية من عمان إلى لبنان كما ترى الباحثة للصراع اليومي المتواصل من دون استئناف بين جبهات الدول العربية و(إسرائيل),وقد مهد ضعف الحكومة اللبنانية والتناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الساحة اللبنانية إلى ان تحكم (م . ت . ف) سيطرتها داخل لبنان حتى أنها سميت “دولة داخل دولة” أو “دولة الفاكهاني”  نسبة إلى الحي الفقير من بيروت الغربية الذي استقرت فيه مؤسسات المنظمة.
من خلال حوادث أيلول وما تبعتها من تصاعد الهجمات ضد المنظمات الفلسطينية أصدرت حكومة فرنجية أوامرها للجيش، دعته فيها إلى مجابهة الفدائيين مما حدا بالشعب اللبناني المؤيد للفلسطينيين بالخروج بالمظاهرات، حيث ابتدأت في صيدا ثم امتدت إلى طرابلس وبيروت مما أدى إلى وقوع العديد من القتلى والجرحى، وما كان من رشيد كرامي إلا أن قدم استقالة حكومته محتجًا على ما حدث. أما حكومات الجزائر وسوريا والعراق وليبيا فقد تشابهت مواقفها من الهجمات التي تعرضت لها المنظمات الفلسطينية إذ اتسمت بالرفض, كما تشابهت مواقف هذه الدول من قبول مصر لمبادرة روجرز الأولى والثانية عام 1971التي نفذت بعد أن اخذ الدبلوماسي السويدي وممثل الأمين العام لمجلس الأمن يوثانت على عاتقه القيام بمبادرات الوفاق بين الدول الكبرى والدول العربية لتسوية الصراع العربي(الإسرائيلي)وإنهاء حرب الاستنزاف، التي شنها الجيش المصري على (إسرائيل).
والجدير بالذكر أن لبنان تعرض في هذه الفترة عوضا عن الضغوطات العربية و(الإسرائيلية) للضغوطات الأمريكية الشديدة عندما زار جوزيف سيسكوبيروت مرافقا لوليم روجرز سكرتير الدولة وأبدى انطباعاته حول لبنان متمثلة بانعدام امتلاك لبنان لأية قوة داخلية حقيقية لفرض النظام الحكومي، مشيرا إلى ضرورة الضغط على الفلسطينيين قبل فوات الأوان ،
ولإستمرار الأزمة المارونية – الفلسطينية جاءت الوساطة الناصرية لحلها واحتوائها، حين دعا عبد الناصر إلى عقد مؤتمر عاجل في القاهرة في الحادي والعشرين من ايلول1970،بدأت بمناقشات حادة بين عرفات والملك حسين وبحضور مندوبي سوريا والعراق وليبيا التي مثلها العقيد معمر القذافي الذي طالب بإرسال قوات مسلحة عربية مكونة من( ليبيا ، العراق، سوريا )، للدفاع عن هذه المنظمات ضد الهجوم الأردني ، ولكن عبد الناصر رفض هذا الرأي محاولا حل الأزمة سلميا عن طريق احتوائها  ، اختتمت أعمال المؤتمر في السابع والعشرين من الشهر نفسه وتم تشكيل لجنة عليا لتضع اتفاق يرضي الطرفين ومواصلة عمل الفدائيين مع احترام سيادة الأردن . وضعت اتفاقية تفصيلية لتنظيم أصول التعايش بين الطرفين عرفت ببروتوكول عمان في الثاني والعشرين من تشرين الثاني 1970.
كان لاستمرار الغارات (الإسرائيلية) وموت الرئيس المصري جمال عبد الناصر في الثامن والعشرين من أيلول(سبتمبر)1970واصرار(إسرائيل) بإدانة الصواريخ المصرية المستوردة من السوفييت ، فضلا عن عدم التعاون والخلاف المستمر بين وزارة الخارجية الأمريكية المتمثلة في جوزيف سيسكو والبيت الأبيض متمثل بريتشارد نيكسون وإفشاله لمهمة المبعوث غونار يارنغ، الأثر الكبير في فشل مبادرة روجرز الثانية والجهود التي بُذلت من اجلها .

شارك هذا الموضوع: