‏ مذاهب الانحلال (المذهب الرمزي أنموذجاً ) :
 تعد بداية عهد جديد ، عهد يأتي ليمثل مرحلة جديدة بعد أن جرب المجتمع الغربي الكلاسيكية وهيمنة العقل ، ومن ثم استنفدت طاقتها ليحل محلها القلب بما فيه من ميول و رغبات وشفقة ، وبعد أن وجدها لا تحل مشاكله المتفاقمة ، وميوله المستجدة والمتحولة جرب الواقعية وما تحمله من دمج بين الاثنين ، إلا أنهم وجدوا أن هذا المذهب لا يحل مشكلة التدهور الاجتماعي الناتج من التزايد السكاني واختلاف الرغبات ، واستغلال الشعوب ، والشعور بانهيار الحضارة ، وسيطرة راس المال البشع ، ونشوء الكوارث والجريمة ، مع ازدياد الظلم والفساد والخوف من الحكومات حتى المنتخبة باسم الحرية و العدالة الاجتماعية ؛ لذا بدأ الانهيار والانحلال و الحنين إلى الماضي الكلاسيكي والرومانسي ، والشعور بالرغبة لتدمير كل شئ بما فيها التدمير الذاتي ، وهذا يفسر مقولة بودلير ) فكل شئ مليئ برعب غامض ، يقودنا إلى حيث لا نعلم )
وأظن أن الشعور بالفشل المتراكم دفع بالإنسان الى محاولة تجريب اللاعقل و اللاقلب ، عله يحظى بالأفضل . وهذا ما يفسر لنا شعور الانسان بالإثم ، وتمرده على العقل ، والاغتراب عن المجتمع وقول أحدهم ( أن الحب أساس كل رذيلة وهو محرم وعنوان سقوط الانسان ، و أن ممارسة الحب يعني ممارسة الشر )
هذا بالضبط ما نطلق عليه سنوات الانحلال أو سنوات ومذاهب ما بعد الواقعية . هو الهروب بالفن و الأدب من كل ما هو معقول ، الهروب من المجتمع ، والحياة باتجاه المجهول ، هي الهروب من المألوف ، من المعنى ، من حياة لا ينتمون لها في ضوء نرجسيتهم الجديدة ، وهكذا نشأ البوهيميون : وهم عصبة من المشردين والخارجين عن القانون ، تسيطر عليهم خيبة الأمل والفوضى و البؤس ومن أمثال هذه الحركة ) بودلير ، فرلين و رامبو ) وقضى أغلبهم حياته في المستشفيات وبيوت الدعارة وصالات الرقص وقارعة الطرقات ، لقد حطموا انفسهم بأنفسهم وانكروا كل ما يمت للمجتمع بالفائدة ، يقول رامبو في احدى قصائده ( إنني أقتل نفسي لأني عديم الفائدة و خطر على نفسي ).
المذهب الرمزي :
يعد المذهب الرمزي أول المذاهب الانحلالية بعد الواقية و أكثرها رقيا واحتراما من النقاد . و هو أول مذهب انحطاطي يرفع شعار ( الفن من أجل الفن ) ، وهي أول رسالة فنية تحاول تسفيه الفن وخروجه عن دوره الاصلاحي و التنظيمي للحياة بأسرها ، والرجعية تكمن في جبنه ومحاولته تجنب الاحتكاك المباشر بالسلطة الحاكمة . ومن أهم سماته هي :
 رفضه للواقع البرجوازي ، ومحاربته لرأس المال التشاؤم ، وعدم التفاؤل ومحاربته للحياة ،وابعاد الانسان عن محيطه الاجتماعي، والتقوقع على مشاكل ذاتية مبهمة لا يصرح عنها إلا بالرمز تجنباً للموضوعات السياسية وكل ما يرتبط بهوية المجتمع ومصالحه.
وكان رامبو و فرلين من أهم أدبائه ، وقد صرحوا في البداية بمحاولة محاورة العالم بيد أنهم اتجهوا إلى مخاصمته و الابتعاد عنه.
وهكذا وجدنا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كيف تحول المذهب الرمزي إلى تيار واسع ابتعد عن المجتمع ، وانسحب الفن فيه إلى كل ما هو ذاتي عميق يصعب فهمه
وكان لعدد من القصائد و الدواوين الدور الأبرز في تطور ونمو المذهب الرمزي من أمثال : فيرلين في قصائده ( الفن الشعري ) و ( إعياء ) . وسلسلة من المقالات مثل مقالات ( الشعراء المنبوذون ).
لقد أنكر الرمزيون الواقع المعيش و الحياة المملة فاتجهوا نحو الحياة الأخرى أو الميتافيزقيا فتجهوا نحو الدين مرة ثانية والأوهام و الصوفية ، وكان الغموض سبيلهم من أجل اقناع الناس بما لا يؤمنون به.
ولأول مرة تدخل الألوان في الفن عموما صورة و معنى ، كما تدخل الموسيقى ودلالتها ، وحاولوا اضعاف سيطرة العقل على الفن من أجل الوصول إلى فن عفوي لا يخضع لسيطرة الاخلاق أو الدين أو السلطة ، فشربوا المخدرات لأول مرة في سبيل الفن الذي لا يهدف سوى للفن .
 
 
 


شارك هذا الموضوع: