تمر المدن خلال مدة نموها وتطورها بمراحل متميزة من حيث المساحة والشكل والوظيفة وهذه المراحل هي كما يأتي :
مرحلة الظهور والنشأة :
وتعتبر هذه المرحلة من اطول المراحل المورفولوجية التي تمر بها المدينة العربية على وجه العموم كون يشوبها كثير من الغموض والابهام لعدم توفر المورثات المادية على مستوى التخطيط والتشكيل ،و لا يمكن لأية مدينة أن تظهر بدون أن يكون لواحد أو أكثر من العوامل سواء كان دينيا او اداريا او تجاريا دوراً بارزاً وهنا فتجدر الاشارة الى أنه يندر أن يستمر العامل الأساسي باحتكار سبب التطور اذ ما أن تنشأ المدينة لعامل ما حتى تظهر الى جانبه وتتفاعل معه عوامل أخرى مما يعكس الطبيعة العضوية للمدينة العربية شأنها في ذلك شأن أية مدينة أخرى .
يترجم أثر عامل النشوء الى اقامة وحدة تخطيطية أو معمارية كأن تكون قصراً و مسجداً أو سوقاً ، تلعب دور الوحدة أو النواة المركزية ، تتوسع المدينة باستعمالات أرضها ومنشآتها المختلفة حولها. وفي هذا الدور فلا يزيد عدد المنشآت وبالتالي حجم المستوطنة عن حد معين يمكن مقارنته بالقرية Village العصرية وينسحب الأمر ذاته على كثافة السكان والمسكن، وهنا فتبدأ الوحدات المعمارية المنشأة وما تقدمه من وظائف بالتفاعل بشكل أو آخر مما يسبغ على المستوطنة مستوى معينا من الكفاءة كمكان مركزي Central Place من مرتبة واطئة Lower Order يخدم اقليماً صغير .
مرحلة النمو :
تتخذ المستوطنة في هذه المرحلة بالاتساع نتيجة لازدياد سكانها وما يتبعه من ازدياد في عدد المنشآت المعمارية وتوفير ما يتطلبه ذلك من خدمات عامة Public ومجتمعية Community بما في ذلك الجانب الدفاعي . أن سبب نمو عدد السكان هنا هو طبيعي وميكانيكي بدافع الهجرة نحو مثل هذه المستوطنة مما يستدعي زيادة العاملين نسد مختلف الحاجات للسكان فيها وفي أقاليمها المتوسعة بالتبعية نسبياً ومن جملة الأمور التي تسعي هذه المستوطنة لتوفيرها هو ضمان وجود العدد الكافي من المؤسسات الادارية لتنظيم الحياة الاجتماعية للسكان الذين أصبحوا غير متجانسين Heterogenous مقارنة مع سكان المستوطنة في المرحلة السابقة حيث يغلب أن يكونوا متجانسين Homogeneous ويمكن اعتبار المستوطنة في هذه المرحلة بلدة Town
مرحلة النضج
تعد هذه المرحلة من المراحل المهمة في حياة المدينة وسكانها وخدماتها لان بنيتها تكاملت عمرانيا وبرزت خدماتها العامة الى حيز الوجود والتخطيط بعد ان عانت كثيرا من الاهمال ، حيث ان على ضوء النمو الطبيعي والميكانيكي للسكان في المستوطنة تزداد عدد منشآتها المعمارية وتتسع رقعتها المبنية وتتعقد صيغ التفاعل بين أجزائها ويزداد تنوع سكانها مما يزيد من أهمية تطوير الخدمات العامة والمجتمعية وزيادة الكفاءة الوظيفية لاستعمالات الأرض المختلفة ليس من أجل خدمة سكانها فحسب بل من أجل خدمة سكان الأقاليم المتوسعة للمدينة وهكذا فتمثل المستوطنة التي يمكن تسميتها بالمدينة City مرتبة متقدمة ضمن مراتب المستوطنات Settelment Hierarchy في المنطقة المعنية وقد تصل بعض المستوطنات في هذه المرحلة إلى أوج ما تستطيعه من نمو وتطور .
مرحلة الاكتمال :
قد تحتل المستوطنة المدينة في هذه المرحلة المرتبة الأولى (1) Grade بين المستوطنات الأخرى مما يؤهلها لأن تكون عاصمة الدولة بسبب تزايد سكانها عن حد معين ونمو وتشابك وظائفها ذات الوجهين المحلي وغير المحلي مما يحول القطر كله اقليماً واسعاً وتابعاً لها . وعند هذه الحال فلا بد من توفير كل ما يضمن سلامة الحياة الاجتماعية لسكان المدينة وزيادة كفاءة استعمالات أرضها وخدماتها . ومن هنا يمكن تفسير الرقعة الواسعة جداً للمدينة والعدد الكبير للسكان وارتفاع الأنواع المختلفة للكثافة السكانية والسكنية وتعقد استعمالات الأرض . الأمر الذي جعل العامل التخطيط دوره الكبير في تنظيم أمور الحياة لمثل هذه المدينة ، وبالإمكان ، على ضوء اعتماد هذه المراحل التي يمكن زيادة عددها ، أن نصف مستوطنات الوطن العربي حسب المرحلة التي تقع فيها اذ سيظهر أنه بالوقت الذي وصلت فيه مستوطنات الى مرحلة الاكتمال هناك أخرى لا زالت في مرحلة النشوء وأخرى في مرحلة النمو بينما أخرى في مرحلة النضج مما له علاقة بالمرحلة الحضارية التي تجتازها المستوطنة وطبيعة مبررات اقامتها .
مرحلة الاستدامة
وهي المرحلة التي تستطيع المدينة ان توفر كل احتياجات سكانها دون أن تمس حصة الاجيال القادمة من الثروات المتوفرة فيها كالمياه والتربة والمعادن والثروة الحيوانية والغابات والآثار …. الخ.
مرحلة الذكاء
وهي المرحلة التي وصلت فيها المدينة الى حالة من التطور البشري والتقني والبيئي وانماط النقل بحيث يتم تحويل كل تعاملات سكان المدينة ومؤسساتها رقميا ، ويكون ذلك في حال توفر الرغبة لدى السلطة البلدية فيها في أن تكون مدينة ذكية ، ولا نعلم فيما اذا كانت هناك مراحل لاحقة تصل اليها المدينة بعد هذه المرحلة سوى ان يتم بناء مدن المستقبل في الفضاء كما في محاولة سلطة بلدية دبي .
المصادر /
رياض كاظم سلمان الجميلي ، مدينة كربلاء (دراسة في النشأة والتطور العمراني ، ط1 ، دار الكتب والوثائق الوطنية بغداد ، 2012.
خالص الاشعب ، المدينة العربية ( التطور – الوظائف ، البنية والتخطيط ) كلية الاداب جامعة بغداد ، 1982.
صبري فارس الهيتي ، صالح فليح ، جغرافية المدن ، جامعة بغداد .
محمد صالح الربيع العجيلي ، المدن الذكية ، دار الاداب للطباعة والنشر، 2020