مشروع الإصلاح البرلماني البريطاني لعام 1911: دراسة تحليلية لتأثيره على النظام السياسي البريطاني
مقال بعنوان :مشروع الإصلاح البرلماني البريطاني لعام 1911: دراسة تحليلية لتأثيره على النظام السياسي البريطاني
اشراف : أ.د. عدي محسن غافل الهاشمي اعداد الطالبة : م.م. هناء سامي طالب محمد
جامعة كربلاء / كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم التاريخ
دكتوراه / تاريخ حديث ومعاصر
المقدمة
يُعد مشروع الإصلاح البرلماني البريطاني لعام 1911 أحد أهم المحطات في التاريخ الدستوري لبريطانيا، حيث شكل نقطة تحول جوهرية في العلاقة بين مجلس اللوردات ومجلس العموم، جاء هذا الإصلاح نتيجة صراعات سياسية بين الحزب الليبرالي والأحزاب المحافظة، وكان الهدف الأساسي منه الحد من سلطة مجلس اللوردات وتعزيز الديمقراطية البرلمانية، وقد ساهم هذا القانون في إعادة تشكيل المشهد السياسي البريطاني، مما كان له تأثيرات طويلة الأمد على التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. في هذا المقال، سنستعرض الأسباب التي أدت إلى إقرار القانون، ونناقش تفاصيله، ثم نحلل آثاره المباشرة والممتدة على النظام السياسي في بريطانيا.
اولا: الخلفية التاريخية والإصلاحات البرلمانية السابقة.
قبل عام 1911، كان النظام البرلماني البريطاني يتكون من مجلسين: مجلس العموم المنتخب من الشعب، ومجلس اللوردات الذي كان يتمتع بسلطة كبيرة في عرقلة القوانين التي يقرها مجلس العموم، كانت هذه الصلاحيات محل خلاف طويل الأمد بين القوى السياسية المختلفة، خاصة مع تزايد قوة الأحزاب الديمقراطية مثل الحزب الليبرالي.
خلال العقود التي سبقت قانون 1911، شهدت بريطانيا عدة إصلاحات برلمانية، مثل قانون الإصلاح لعام 1832 الذي وسع قاعدة الناخبين، وقوانين الإصلاح اللاحقة في 1867 و1884، والتي هدفت إلى زيادة التمثيل الديمقراطي، إلا أن المشكلة الرئيسية ظلت قائمة، وهي أن مجلس اللوردات، الذي كان يتألف بشكل أساسي من نبلاء ورجال دين غير منتخبين، كان يملك سلطة نقض القوانين التي يقرها مجلس العموم، مما عرقل عدة إصلاحات ليبرالية.
ثانيا: الأسباب التي أدت إلى الإصلاح البرلماني لعام 1911.
برزت الحاجة الملحة للإصلاح بعد الأزمة الدستورية التي حدثت بين عامي 1909 و1910، والتي عُرفت باسم “أزمة الميزانية”، في عام 1909، قدم رئيس الوزراء هربرت أسكويث Herbert Asquith ، ميزانية تتضمن ضرائب مرتفعة على الطبقات الثرية لتمويل برامج الرعاية الاجتماعية وتوسيع الخدمات العامة. إلا أن مجلس اللوردات رفض تمرير الميزانية، مما أدى إلى أزمة سياسية حادة.
لجأ حزب الاحرار إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات عامة في كانون الثاني 1910، حيث أعادوا التأكيد على شرعيتهم، لكن مجلس اللوردات استمر في عرقلة الإصلاحات. ومع إجراء انتخابات ثانية في كانون الاول 1910، أدرك الملك جورج الخامس George V أن الأزمة قد تؤدي إلى اضطراب سياسي واسع، مما دفعه إلى التلميح إلى إمكانية تعيين لوردات جدد يدعمون الإصلاحات في حال لم يوافق مجلس اللوردات على التغييرات المطلوبة، ونتيجة لهذا الضغط، وفي 10اب 1911 وافق مجلس اللوردات على مشروع قانون الإصلاح البرلماني لعام 1911، والذي قلل من سلطاته بشكل كبير،وفي 18 اب 1911 تمت المصادقة على قانون البرلمان البريطاني من قبل الملك جورج الخامس، وبذلك فان القانون لا يعتبر صحيحا ونافذا لا اذا اقترن بالمصادقة الملكية Royal Ratifcation وبهذا يكون للملك جورج الخامس دور وان كان هذا الدور لا يرتقي الى مرتبة الدور الذي تقوم به الحكومة باعتبارها مفتاح الحكم في بريطانيا.
ثالثا: بنود قانون الإصلاح البرلماني لعام 1911.
احتوى القانون على عدة بنود جوهرية هدفت إلى تقليص دور مجلس اللوردات وتعزيز سلطات مجلس العموم وهي:
تقييد سلطة الفيتو لمجلس اللوردات: أصبح بإمكان مجلس اللوردات تأجيل مشاريع القوانين التشريعية لمدة عامين فقط بدلاً من منعها تمامًا، وبعد هذه المدة يمكن لمجلس العموم تمرير القانون دون الحاجة إلى موافقة مجلس اللوردات.
تقليل مدة البرلمان: خفض القانون الحد الأقصى لمدة البرلمان من سبع سنوات إلى خمس سنوات، مما جعل الانتخابات أكثر تكرارًا وأتاح للناخبين فرصًا متكررة للتأثير على السياسات الحكومية.
تحديد دور مجلس اللوردات في الشؤون المالية: نص القانون على أن مجلس اللوردات لا يمكنه رفض أو تعديل مشاريع القوانين المالية، مما منح مجلس العموم السيطرة الكاملة على الشؤون المالية للدولة.
رابعا: التأثيرات السياسية والدستورية للإصلاح.
أدى هذا الإصلاح إلى تغييرات جوهرية في التوازن السياسي داخل النظام البرلماني البريطاني. فبعد إقراره، أصبح مجلس العموم القوة التشريعية العليا في البلاد، مما عزز من الديمقراطية البرلمانية وأضعف تأثير الطبقات الأرستقراطية في صنع القرار. كما أدى إلى جعل الحكومة أكثر استجابة لمطالب الناخبين، حيث لم يعد مجلس اللوردات قادرًا على إجهاض الإصلاحات التقدمية بسهولة.
ساهم قانون 1911 على المدى البعيد، في تطوير نموذج الحكم البرلماني الحديث، حيث أصبح مجلس العموم هو الهيئة التشريعية الفعلية، بينما تحول مجلس اللوردات إلى دور استشاري إلى حد كبير، كما مهد القانون الطريق لمزيد من الإصلاحات الدستورية في القرن العشرين، مثل قانون الإصلاح البرلماني لعام 1949، الذي قلص مدة تأجيل القوانين من عامين إلى سنة واحدة فقط.
الخاتمة
شكل مشروع الإصلاح البرلماني لعام 1911 نقطة تحول في التاريخ السياسي البريطاني، حيث عزز الديمقراطية وقلص نفوذ الأرستقراطية في الحكم، لم يكن هذا القانون مجرد تعديل تشريعي، بل كان خطوة رئيسية في تطور النظام السياسي البريطاني نحو مزيد من التمثيل الشعبي والعدالة السياسية. لقد أثبتت الأحداث التي تلته أن الديمقراطية تحتاج إلى إصلاحات مستمرة لضمان تحقيق توازن عادل بين السلطات المختلفة، وهو ما يجعل هذا القانون أحد أهم الإصلاحات في تاريخ بريطانيا الحديث.