مشروع مارشال (برنامج إنعاش إقتصادي أوربي أم إستراتيجية أمريكية لوقف المد الشيوعي)؟.
م.م. إسراء محمدعلي عبدالكريم كسَاب
جامعة كربلاء ــ كلية التربية للعلوم الإنسانية .
تميزت السنوات الأولى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية بالتوترات والتصاعدات الدولية الحادة،وما تمخض عنها من إستنزاف وإنهيار لإقتصاديات الدول المشاركة في الحرب،فضلا عن إنقسام الدول المتحالفة إلى معسكرين معاديين لبعضهما البعض نتج عنه ظهور دولتين كبرى ذاتا توجهات مختلفة إحدهما تتبنى الشيوعية كمنهج وآيديولوجية وتوجه تحاول من خلالهم بسط نفوذها في المنطقة متمثلة بالإتحاد السوفيتي ،والأخرى تتبنى الإمبريالية ذات التوجه الرأسمالي متمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية.وكانت الأزمات الدولية المسرح المناسب والفرصة الثمينة لكليهما لتزعم موازين القوى الدولية،فتبنت أمريكا مشروع إقتصادي يوحد إقتصاديات الدول الأوربية الغربية ويحول دون توسع النفوذ السوفيتي فيها،لاسيما بعد إنهيار إقتصاديات هذه الدول وفي مقدمتها ألمانيا التي قُسمت الى جمهورية المانيا الديمقراطية المدعومة سوفيتياوجمهورية ألمانيا الإتحادية المدعومة أمريكيا،فجاء مشروع مارشال الذي تبناه جورج مارشال والمسمى ب(برنامج الإنعاش الأوربي) وردا على سياسة الإحتواء التي تزعمتها أمريكا جائت سياسة الستار الحديدي التي تبناها ستالين من أجل ربط دول أوربا الشرقية بالإتحاد السوفيتي ولتوسيع المد الشيوعي فيها بعد أن رفض الإتحادالسوفيتي وأعترض بشدة على المشروع،عادًا إياه في غير مصلحة الدول الأوربية كونها تنتقص من سيادتها وإستقلالها،ولعرقلة تلك السياسة الأمريكية إستمرت الصحافة السوفيتية في إطلاق سيل متصل من النقد العدائي منددة بالمشروع ومهيأة الرأي العام السوفيتي والعالم لرفض مساعدات مشروع مارشال ،مستقطبا نتيجة ذلك العديد من الأحزاب الشيوعية حتى تلك التي في الدول الغربية ،فضلا عن عقده الإتفاقيات التجارية الثنائية مع العديد من دول أوربا الشرقية لتدور في فلكه كما هو الحال بالنسبة لبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها ،ومن مظاهر مواقف الإتحاد السوفيتي تجاه المشروع ،محاولاته المستمرة لِمدّ النفوذ الشيوعي وتثبيت دعائمه توحيد إقتصاديات دول أوربا الشرقية مع إقتصاده وما تبعه من تحالفات عسكرية وسياسية وجهت بالدرجة الأساس المحافظة على النتائج التي وصل اليها من جهة وعزمه على تزعم المواقف الدولية من خلال سياسة الإستقطاب الدولي من جهة أخرى.
وهكذا جاء مشروع مارشال كنتيجة ضرورية لمخلفات الحرب العالمية الثانية الإقتصادية من أجل إنعاش أوضاعها الإقتصادية ولذلك أطلق عليه (برنامج الإنعاش الأوربي) ،فقدم المشروع للدول الأوربية الغربية المتضررة المساعدات الإقتصادية والفنية المتنوعة وشكلت لهذا الغرض عدة لجان للإشراف على تنفيذ برنامج المشروع ومتابعة سيره وقد أوجد المشروع صيغة لنجاح العلاقات الأمريكية الأوربية وخلق إطار عام سياسي وإقتصادي يشمل الشراكة في حمل الأعباء وإستجابة أوربية مهمة في تاريخ الوحدة الأوربية ،فكانت السنوات الخمسة التي تلت الحرب العالمية الثانية مرحلة مهمة لتعزيز التعاون الوثيق بين الدول الأوربية من جهة وأمريكا من جهة أخرى ،إذا ما علمنا بإن الهدف الملح من وراء هذا المشروع الى جانب المساعدات الإقتصادية هو وضع حد للغزو الشيوعي في أوربا والعالم عموما ،فساهم بشكل أو بآخر بتحجيم دور الأحزاب الشيوعية وتقليل شعبيتها ،إلا إن السياسة السوفيتية نجحت الأخرى في تعبئة الرأي العام لاسيما في دول أوربا الشرقية وربطها بسياساتها العامة من خلال إنشاء الكومنفورم ، وماتبعه من حرب إعلامية تولتها صحيفة مجلس التعاون الإقتصادي(برادا) من خلال التنديد بالسياسة الأمريكية ومشاريعها الإمبريالية ، كما لجأ الإتحاد السوفيتي الى سياسية الأحلاف العسكرية والإقتصادية وتزايدت بحدة سياسية الإستقطاب الدولي بين أمريكا والإتحاد السوفيتي وظهر سبلق التسلح بينهما فكان أشبه بساعة البندول ماأن تتزعم إحداهما إستراتيجية وآيديولوجية معينة حتى تبادر بالرد الأخرى مباشرة وأخذ الدورالأخير بشكل واضح الإتحاد السوفيتي فضلا عن دعمه العسكري للحكومات الشيوعية في عدد من الدول أبرزها الصين وفيتنام وبلغراد وكوريا الشمالية مستغلا الحرب الدائرة هناك والتي شكلت أزمة حقيقية للولايات المتحدة الأمريكية وساهمت بالتعجيل في إنهاء المشروع ،لتكاليف الحرب الإقتصادية العالية التي أثقلت الميزانية الأمريكية بالإضافة الى المشروع الجديد الذي دمج المساعدات الإقتصادية والدعم العسكري، فأصبحت الحاجة منتفية الى مشروع مارشال مما عجل بإنهاءه عام 1952 ،فكان حلف شمال الأطلسي اللبنة الأساسية للتحالفات الدولية والتي كانت مظهرا من مظاهر الحرب الباردة بين القطبين الرأسمالي الإمبريالي والإشتراكي الشيوعي .