مظاهر حضارة اليمن العربية قبل الاسلام
تقع بلاد اليمن في الركن الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية، وهي تحتل مكانة بارزة من حيث الاهمية التجارية والاستراتيجية منذ اقدم العصور، فقد كانت تتوسط الطرق التجارية العالمية بين الشرق والغرب، ولعل كان طريق قوافل تجارة التوابل الذي كان يبدأ من جنوبي بلاد اليمن ويستمر شمالا الى بلاد الشام علامة بارزة على اهمية هذه البلاد، واهمية ما قام به سكانها في التجارة القديمة بين بلاد الهند والصين من جهة، وبين بلاد البحر المتوسط واوروبا من جهة اخرى.
كانت حضارة اليمن قبل الاسلام واحدة من اعرق الحضارات في الجزيرة العربية وتميزت بمجموعة من المظاهر الحضارية ومن اهم هذه المظاهر هي:
المظاهر الزراعية
كانت الزراعة عند اليمنيين تمثل عصب الحياة، حيث كانت ارض اليمن محطة آمال اليمنيين وعنايتهم، كما نظمت الحضارة اليمنية القديمة مجال رعي المزروعات، وذلك من خلال بناء السدود، ويعتبر سد مأرب من أشهر هذه السدود وأقدمها، حيث يعود تاريخ بنائه إلى الدولة السبئية في بدايات القرن السابع قبل الميلاد، والذي بني بهدف السيطرة على مياه وادي أذنة، وتخزينها لغرض الري بطول أربعة أمتار، كما تم تغليف جوانبه بأحجار منهدمة ضخمة، إلا أن ارتفاعه الحالي يصل إلى أربعة عشر متراً نتيجةً للإضافات التي حدثت له على مر الزمان؛ بسبب ارتفاع منسوب مائه.
المظاهر التجارية
اشتغل اهل اليمن بالتجارة بحكم موقعهم المتميز فأصبحت المورد الرئيسي للبلاد ولهذه خطره لان اعتماد الامة والدولة على مورد واحد فيه خطورة على مستقبلها فبعد تحول طرق التجارة عن بلاد سبأ ومعين الى بلاد حمير الساحلية ادى ذلك الى انهيار الدولتين بعد ان اهملتا امر الزراعة، وبعد ان انغمس اليمنيون بالتجارة اصبحت بلادهم رأسمالية وطغت عليهم ثروتهم المالية.
لقد افتتن التجار الاجانب بالتجار اليمنيين وسعوا الى التعامل معهم والارتباط مع حكومات الجنوب بصلات تجارية، وكان من عوامل اتساع العلاقات التجارية بين اليمن غيرهم من الامم ولعهم بالمنسوجات الغالية ورغبتهم في العطور والطيب، فسارع اليمنيون الى رفع اسعارها وخاصة اللبان، وكذلك زادت الحكومة اليمنية الضرائب والمكوس التي يتقاضونها على البضائع الاجنبية التي تمر ببلادهم.
كما ان الاسواق التجارية التي كانت تعرض بها مواد التصدير من المصنوعات والمزروعات، كانت تقع في اهم المدن اليمنية، منها سوق مدينة صعدة التي كان يقصدها التجار من مختلف البلاد، وكانت بها مصانع الادم والجلود والحديد، والسوق التي كانت قائمة في سحول التي التي كانت تعرض بها الثياب السحولية الثمينة، وكذلك سوق مرياط في حضرموت وهي من اضخم الاسواق لما كان يعرض فيها من اللبان.
ومما يدل على معرفة اليمنيين بفنون التجارة انهم كانوا يرسلون سفراء تجارين ليقيموا في البلدان الاجنبية، كما حدث في مصر مثلا وجد نقش على تابوت الجيزة مكتوب الخط العربي الجنوبي وباللهجة المعينية ومؤرخ سنة 261 ق.م ويدل هذا النقش على انه معينيا اسمه (زيد آل زيد) كان يشتغل بالكهانة في احد المعابد المصرية كان يستورد المر والطيب من بلاد اليمن ويصدر اليها على سفينة كان يملكها اثوابا جميلة من البز المصري.
ساعد اشتغال اليمنين بالتجارة على الانفتاح والاستفادة من خبرات غيرهم في مجالات التشريع والاقتصاد وغيرها ويدل على ذلك ان الدولة السبئية بدأت ثيوقراطية وانتهت علمانية، وحدث ذلك بالضبط لدولة معين، كما ساعدتهم التجارة والانفتاح على الثراء الذي عم البلاد، بالإضافة الى اكتسابهم بعض الفنون.
المظاهر العمرانية
تمكن اليمنيون القدماء من استخدام حجارة الجرانيت المتوفرة بكثرة في شبه الجزيرة العربية في بناء قصورهم ومقابرهم وقلاعهم، كما برعوا في هندسة الحجارة ونحتها، وخاصةً تلك الداخلة في بناء أعمدة المباني وواجهاتها، واشتهروا باستخدام الطابوق في تصميم تيجان المباني وسقوفها، ويعتبر معبد مدينة مأرب البيضوي أفضل مثال على ذلك، حيث يلتف بسور بيضوي، وتحاط واجهته بثمانية أعمدة بشكل المربع.
المظاهر الدينية
اشتملت القصور والمقابر التابعة للحضارة اليمنية القديمة على الكثير من النقوش الخاصة بالآلهة وأسمائهم وألقابهم، وتشكلت الآلهة لديهم من ثالوث كوني هو: آلهة الشمس، والقمر، والنجمة، أما ما تبقى منها فما هي إلا مظاهر ثانوية للآلهة الثلاثة الرئيسية، وكان اليمنيون القدامى يضعون كافة مبانيهم من معابد وقصور ومقابر في عهدة الآلهة، وتقع لعنتهم وعقابهم على من يدنسها أو يهتك حرمتها، كما احتل الكهنة ورجال الدين مكانة مهمة؛ إذ خُصصت مصادر دخل ثابتة لهم، كما خُصصت مصادر أخرى لتشييد المقابر، وتزيينها بالأثاث والحلي التي يحتاجها الميت في حياته الأخرى
المظاهر اللغوية
تكلم اليمنيون القدامى بلغة تعود في أصلها إلى مجموعة لغات شبه جزيرة العرب ولغة الرافدين والشام، والتي عرفت باسم مجموعة اللغات السامية، وهي قريبة جداً من اللغة الأكدية التي سادت بلاد الرافدين بعد اللغة السومرية، ولا تبتعد كثيراً عن لغة القرآن الكريم، كما تفرعت منها عدد من اللهجات القديمة التي لا زالت مستخدمة في بعض المناطق اليمنية إلى وقتنا الحالي.