م.م. سرى عمران نوح 
قسم الجغرافية التطبيقية
“معاملة الاسرى والجرحى في الاسلام ومقارنتها بمعايير حقوق الانسان الدولية
على مر التاريخ تشتعل الحروب بين البشر ولم تهدأ حتى يومنا هذا ومن المعضلات الرئيسية  التي تواجه الدول المتحاربة الاعداد الهائلة مكرن الاسرى الذين يقعون في قبضة اعدائهم  ، والمصير المجهول  الذي ينتظرهم ، فمشكلة الاسرى هي من اخطر المشاكل التي تنجم عن الحروب واكثرها تعقيداً ، فالأسرى هم جزء من مقتضيات الحروب على مر العصور لا مفر من حدوثة ، وهنا تأتي أهمية وضع قواعد للتعامل مع الاسير ،وقد مر وضعهم عبر التاريخ بمراحل من التطور الى ان وصل الى ما هم علية الان من هو الاسير ، جاء في لسان العرب الاسير هو الاخيذ ، وكل محبوس في سجن اسير، والاسير هو المشدود بالقيد ، ثم قيل لكل مأخوذ ومقيد.
وفي المصطلح هو من اخذ من مقاتلي العدو ، فقد جاء في الاحكام السلطانية للماوردي الاسر هم الرجال المقاتلون من الكفار ،اذا ضفر المسلمون المسلحون باسرهم احياءً ويصدق الامر على الرجال المقاتلين من المسلمين. وفي القانون الدولي الانساني  يعرف الاسير بانة من يؤخذ من رجال العدو سواء  كان من الافراد القوات المسلحة ام من الاشخاص الملحقين بها من اداريين وكذلك من يؤخذ من الثوار وفاراد الشعب المقاتلين . 
نجد ان مبدأ الشفقة قد يكون مناقضاً بالحرب ولا تعرف الرحمة في مسيرتها لمن ترجع الى صفحات التاريخ الاسلامي نلمس هذه الشفقة في حرب النبي محمد (ص) وحسن معاملته مع اعدائه ، فعند دراسة الاخلاق العسكرية التي تميزت بها سيرة النبي محمد الحروب والغزوات نجد ان التعامل مع الاسرى والجرحى كان مبنياً على اسس انسانية وقيم دينية تستند الى الرحمة  والعدالة . في الاسلام  ينظر  الى الاسرى والجرحى  على انهم اشخاص ينبغي معاملتهم بإنسانية واحترام كرامتهم ، مما يعكس  القيم التي ارسى الاسلام قواعدها في العدل والرحمة في اوقات الحرب .
فالقران الكريم يدعو الى التعامل الحسن مع الاسرى ، ويظهر ذلك في قولة تعالى:” ويطعمون الطعام على حبة مسكيناً ويتيماً أسيراً “(الانسان : 8) في هذه الآية الكريمة يشير القران الى العناية بالأسرى  كجزء من مسؤولية المسلمين ، حيث تبين الآية ان تقديم الطعام للأسرى يعكس اخلاقيات المسلم التي تقوم على الرحمة ، بغض النظر عن انتمائهم الديني او القومي وقد امر النبي (ص) بالإحسان الى الاسرى وكرامتهم ، وتروي السيرة النبوية ان النبي امر بتوفير الطعام والماء للأسرى ، بل واوصى المسلمين بان يطعموا الاسرى من طعامهم الخاص، مما يعكس مكانة الرحمة كقيمة اساسية في الاسلام .
معاملة النبي (صلى الله علية وسلم ) للأسرى في غزوة بدر  
في غزوة بدر هي من اولى الغزوات في الاسلام ، اتخذ النبي (ص) موقفاً مشرفاً في التعامل مع الاسرى . فبعد انتصار المسلمين ، وقع العديد من المشركين اسرى في ايدي المسلمين ، وامر النبي بعدم الاساءة اليهم ، كما اوصى بان يكون فدائهم مفيداً للامة حيث اشترط على بعض الاسرى تعليم عدد من المسلمين القراءة والكتابة مقابل اطلاق سراحهم ، مما يشير الى اهمية العلم ودور الاسرى في نقل المعرفة .
وهذا التعامل من النبي يظهر مبدأين مهمين :الرحمة بالأسرى وتحويل الحروب من وسائل للتدمير الى فرص للبناء والتطوير العلمي ، يتجلى ذلك بشكل واضح في حديث النبي الذي امر فيه المسلمين ” استوصوا بالأسرى خيرا” وقد نقل الصحابة ان الاسرى كانوا يحصلون على طعام  جيد بل كانوا يفضلون احياناً على المسلمين انفسهم في تقديم الطعام ، وفي القانون الدولي الانساني الحديث تعتبر معاملة الاسرى والجرحى باحترام وكرامة جزءاً اساسياً من قوانين الحرب وتضمنت اتفاقيات جنيف نصوصاً تفرض على الدول المتحاربة توفير الحماية للأسرى والجرحى ، وضمان احترام حياتهم . وتمنع الاتفاقيات أي نوع من انواع التعذيب او المعاملة القاسية ، وتفرض على الاطراف المتحاربة تقديم الرعاية الطبية اللازمة للجرحى.   

شارك هذا الموضوع: