مفهوم الأدبية وعلاقتها بالسيميائية في النص
أولاً: مصطلح الأدبية
تقوم الادبية كمصطلح نقدي معاصر على تشخيص قوانين الأدب، في أي خطاب لغوي، إذ إِنها تبحث عن البنية المجردة للنصّ الأدبي حيث تحدد هذه القوانين والكيفيات المتبعة في استنباطها، وذلك من حيث البحث عن الوسائل الأدبية الموظفة في ذلك الخطاب.()
ويُعدُّ جاكبسون أوّل من اصطلح الأدبية على الخصائص التي تميز الأدب عن غيره؛ اذ يقول: ((ليس الأدب هو ما يمثل موضوع الأدب، إن موضوعه هو الأدبية، اي ما يجعل من أثرٍ ما أدبياً)).()
وهي لفظ وليد النقد الحديث يُطلق به على تحول الكلام من خطاب عادي الى ممارسة فنية إِبداعية، ويختصُّ هذا المصطلح احياناً بصبغة علمية فَيطلق على وجه من المعرفة الانسانية ليكون موضوعها علم الأدب.()
ويمكن القول ان أدبية النصّ الإبداعي يتمّ البحث عنه داخل التداخل والانصهار والتضافر الحاصل بين دوائر ثلاث هي الذات المبدعة ومقصديتها الظاهرة والمضمرة، والنصّ الابداعي عبر مكوناته اللسانية والمتلقي او القارئ وما يطرحه من إِشكالات التأويل… حيث يكون التواصل التفاعلي هو الدائرة الأكبر للبؤرة المهيمنة داخل النصّ الإبداعي اذ يكون التركيز على الوظيفة الشعرية للغة دون استبعاد باقي الوظائف.
وتشير الأدبية الى وضع سيميائي نوعي للنصوص الأدبية، وقد شكلت مداراً لكثير من بحوث الشكلايين الروس الذين جعلوا منها موضوعاً لعلم الأدب، وهي بالتالي تعني الشعرية التي يتقصى عبرها الكيفيات الفنية التي تجعل من خطاب لغويٍ ما نصّاً أدبياً مميزاً.()
فالشعرية (Poetiqu) علم عام موضوعه الأدبية يروم القيام علماً للأدب، غايته استنباط الخصائص النوعية والقوانين الداخلية للخطاب الأدبي في شموليته الجنسية والكمية.()
ويمكن القول ان السيميائيات الأدبية هي ((مجالٌ من الأبحاث التي حددها التقليد الثقافي أكثر مما حددتها المعايير الموضوعية الشكلية، ولذلك لا يمكن تخصيصها بمحتوى خاص كما هي الحال بالنسبة لسيميائيات أخرى)).
ثانياً: سيميائية الصورة (العلامة المرئية)
لا يخفى على الناقد المعاصر ان السيميائيات تُعدُّ الأدب نظاماً للعلامات الذي يستندُ بدورِهِ الى نظام اللغة انطلاقاً من الصلة التي تقوم بين دال حاضر (الكلمة) ومدلول غائب (الصورة الذهنية).
ومن هنا أصبح علم العلامات او السيميائية هو المقاربة الموضوعية العلمية للعلامات بجميع انصافها وفق نظام منهجي خاص يبرز ويحدد صنف العلامة ودورها التواصلي، وكذلك يرصد طبيعة العلائق الدولية التي يكشف التحليل السيميائي عن وجودها وانماط عملها داخل النظام التواصلي.()
وتحتل الصورة مكانة هامة في المجال السيميائي، فهي علامة تعبيرية واتصالية معتمدة لتجسيد المعاني والأفكار والأحاسيس ولقد ارتبطت وظيفتها سواء أكانت إِخبارية أم رمزية أم ترفيهية بكل اشكال الاتصال والتواصل. والصورة بشكل عام هي بنية بصرية دالة وتشكيل تتنوع داخله الأساليب والعلاقات والأمكنة والأزمنة فهي: ((بنية حيّة تزخر بتشكيل ملتحم التحاماً عضوياً بمادتها ووظيفتها المؤثرة الفاعلة)).()
ومن المعروف ان الصورة في مفهومها العام هي تمثيل للواقع المرئي ذهنياً او بصرياً، أو إدراك مباشر للعالم الخارجي الموضوعي تجسيداً وحساً ورؤية، ويتسم هذا التمثيل من جهة بالتكثيف والاختزال والأختصار والتخييل والتحويل، ويتميز من جهة أخرى بالتضخيم والتهويل والتكبير والمبالغة، ومن ثم تكون علاقة الصورة بالواقع التمثيلي علاقة محاكاة مباشرة او علاقة انعكاس جدلي او علاقة تماثل او علاقة مفارقة صارخة .()
وتكون الصورة ذات طبيعة لغوية تارة ومرئية بصرية تارة أخرى، وتذهب (m.joly) الى ان الصورة وسيلة تعبيرية واتصالية تربطنا بتقاليدنا القديمة والفنية بثقافتنا.()
وعليه فالمنهج السيميائي يتعامل مع النصوص التي تكون لغتها مبدعة خالقة مجازية تجتاز وتعبرّ وتهاجر وترحل بين الدلالات المختلفة من حيث يستطيع الادباء ابداع عوالم خاصة بها، ويترتب على ذلك قراءة هذه النصوص من منظور سيميائي، وهي قراءة متعددة ومنفتحة اذ إن كل قراءة هي أرضية لقراءة اخرى، ولا وجود لنصّ ابداعي بنيته مغلقة دوالها على اقدار مدلولاتها.()
والمجال السيميائي كغيره من النشاطات الأخرى لا يرى نفسه إلا جزءً من الدراسات الثقافية، فيؤكد تأكيداً حاداً على اهمية المستقبل ولهذا يتصل بفقد استجابة لقارئ، والسيمولوجيا المرئية هي تعطي تحليلاً هائلاً للعالم الطبيعي.()