مفهوم القصيدة ذات البناء الهرمي في كتاب نازك الملائكة(قضايا الشعر المعاصر)
م.د مهند طارق نجم
في كتاب “قضايا الشعر المعاصر” لنازك الملائكة، يُشير مفهوم (القصيدة ذات البناء الهرمي) إلى تحوُّل جوهري في بنية الشعر العربي من الشكل التقليدي المُتماسك (كالقصيدة العمودية) إلى بنية حديثة تعتمد على التراكم الطبقي للصور والأفكار والعواطف، بما يُناسب روح الحداثة وتعقيدات الواقع المعاصر. توضّح الملائكة أن هذا البناء لا يعتمد على التسلسل الخطي أو الوحدة الصوتية التقليدية (كالقافية الموحّدة)، بل يُبنى بشكلٍ طبقي يُشبه الهرم، حيث تتكامل الأجزاء وتتفاعل لتشكيل وحدة عضوية متجانسة.
ان من أبرز خصائص البناء الهرمي عند نازك الملائكة:
1-التراكم الطبقي للصور والعواطف:
تنتقل القصيدة من فكرة أو صورة إلى أخرى بشكلٍ مُتداخل، بحيث تُكمّل كل طبقة سابقتها، وتُعمّق الإحساس بالمعنى الكلي، بدلًا من الاقتصار على التكرار أو الوصف المباشر.
2-الوحدة العضوية:
لا تعتمد القصيدة على وحدة البيت الشعري المنفصل (كما في الشعر الكلاسيكي)، بل على ترابط الأفكار والصور عبر القصيدة ككل، مما يُعطيها تماسكًا داخليًّا يعكس رؤية الشاعر الشاملة.
3-التحرر من القيود الشكلية:
يتجاوز البناء الهرمي الوزن والقافية الموحّدة، ليركّز على الإيقاع الداخلي النابع من طبيعة الأفكار وتناغمها، وهو ما ارتبط بظهور الشعر الحرالذي دعت إليه الملائكة.
4-التعبير عن التعقيد الوجودي:
يعكس هذا البناء تعقيدَ التجربة الإنسانية في العصر الحديث، حيث تُقدَّم الأفكار بشكلٍ غير مباشر عبر طبقات رمزية وانزياحات لغوية، مما يتطلّب تفاعلًا نقديًّا من القارئ لفكّ طبقات المعنى.
5-التوازن بين الشكل والمضمون:
يُركّز البناء الهرمي على توافق البنية الخارجية للقصيدة مع مضمونها الداخلي، بحيث لا يُهيمن الشكل على المعنى، بل يصبح الإطار البنائي تعبيرًا طبيعيًّا عن المحتوى.
6-مقابل البناء التقليدي:
في الشعر الكلاسيكي، تسيطر الوحدة الصوتية (كالوزن الواحد والقافية الموحّدة) على بناء القصيدة، بينما في البناء الهرمي، تسيطر الوحدة الفكرية والانزياحات الدلالية، مما يُعطي القصيدة مرونة في التعبير عن تناقضات الواقع وانزياحاته.
بهذا، تُعتبر نازك الملائكة من خلال هذا المفهوم قد ساهمت في تأسيس رؤية نقدية جديدة للشعر العربي، تواكب التحوّلات الفكرية والفنية في القرن العشرين.
وكمثال على القصيدة ذات البناء الهرمي بامكاننا ان نختار قصيدة الشاعر سعدي يوسف:
(صباح ما)، وهذا نصها:
المنفيون
يحبون ملابسهم
ونباتات الزينة والقطط
****
المنفيون
يحبون اللغة الاخرى
وقطارات مواعيد الليل
وفي هذا البناء الهرمي يبقى الشاعر لفظة (المنفيون) في اعلى الهرم وحيدة بالرغم من امكانية الحاقها بكلمة خصوصا اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان السطر الشعري الذي يليهامرتبط بالمفردة ذاتها ، لكنه يصر على ابقائهاوحيدة ، وهذا الافراد عزز من القيمة الدلالية لصفة (النفي)
واضاف للنفي جوا من الغربة والحزن فلذلك ابقى (المنفيون) وحيدة في اعلى الهرم مع مالهامن تقارب في البناء العضوي مع مايليها.