مفهوم المعرَّب
لغةً: الإعراب والتعريب : معناهما واحد هو الإبانة يُقال : أعرب عن لسانهِ وعَرَّب أي أبان وأفصح ، ويُقال : أعرب عمَّا في ضميرك أي أبنْ ومِن هذا يُقال للرجل إذا أفصحَ وأبان في الكلام فقد أعرب، وعَن ابْن الأعرابيّ أنَّهُ قَالَ: التعريب والتبيين في قَوْله: (الثَّيّب تُعرِب عَن نَفسهَا). قال: والتعريب: المنْع فِي قَول عمر: (ألا تعربوا) أي لا تمنعوا. وكَذَلِكَ قَوْله: (عن صِلاَح تعرب) أي تمنع. قال: والتعريب: الإكثار من شرب العَرَب، وهُو الماء الكثير الصافي»، وقَالَ الجَوهَرِيّ (ت393هـ) في صِحَاحِهِ: «تَعْرِيب الاسْمُ الأعْجَمِيّ أن تَتَفَوه بِهِ العَرَب عَلَى مِنْهَاجِهَا»، والمعرب «من الخيل الذي ليس فيه عِرق هجين، والأنثى مُعربة، وإبل عراب كذلك، وقد قالوا: خيل أعرب، وإبل أعرب»، ويسوق السيوطيّ (ت 911هـ) تعريفين للمعرَّب: «هو ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعانٍ في غير لغتها».
اصطلاحًا: إذا تتبعنا كتب اللُّغة التي عالجت موضوع التعريب، نجد أنَّها أعطت تعريفات مُتَعَدِدَة تضمنت هذه التعريفات في مستوياتها الاصطلاحية معانٍ تثير لدى القارئ بعض التساؤلات، في مدى القدرة على استيعاب حدود المعرَّب، فمنهم من اعتبره كل ما هو أعجميّ على الأطلاق، ومنهم من قيَّده بشروط وفيما يلي بيانها:
الاصطلاح الأول: يرى أصحاب هذا الرأي أن المعرّب هو كل ما نُقِل من لغةِ العجم إلى العربيَّة، دون قيد أو شرط، وهو «أن تتكلم العرب بالكلمة الأعجمية مطلقًا»، و«نقل الكلمة من الاعجمية إلى العربيَّة»، وهذه التعريفات تضم كل ما هو دخيل على اللغة العربيَّة، بخلاف غيرها من التعريفات.
الاصطلاح الثاني: شرع أصحاب هذا الرأي إلى ضبط التعريف وتقيده بشرط :« أن تتفوه به العرب على منهاجها ، تقول :عربتهُ العرب وأعربتهُ »، أي تنقل اللفظ من لغة غير لغتهم وتستعملهُ وفق أساليب ومنهاج العربيَّة، وهذا ما ذهب إليه مجمع اللغة العربيَّة في القاهرة، وصرَّحَ بِهِ في قراراتهِ في التعريب بأن يكون على طريقة العرب في لغتهم وعلى هذا النسق جاءت معاجم المجمع . ففي المعجم الوسيط أن التعريب هو «صبغ الكلمة بصبغة عربية عند نقلها بلفظها الأجنبيّ إلى اللُّغة العربيَّة».
إذ اشترطوا في التعريب إعطائها طابع عربيّ كتغيير في حروف اللفظ بالزيادة أو النقصان أو القلب أو الإبدال، وإلحاقها بالأوزان الصرفية العربيَّة وأبنيتها، وهو ما يميز هذا الرأي عن سابقهِ، فقد فرَّق بين المرَّب والدخيل في العربيَّة.
الاصطلاح الثالث: قيَّد أصحاب هذا الفريق بضابط آخر يحكم المعرَّب، فقالوا عليه أنَّهُ: «ما استعمله فصحاء العرب من كلمات دخيلة »، فخصوا التعريب وحَدُّوه بفئة الفصحاء من العرب الخُلَّص الذين هم حُجة في العربيَّة ، قالوا : المعرَّب هو اللفظ الاجنبيّ الأصل الَّذي استخدمه العرب قبل عصر الاستشهاد » ، فقد قيدوا المعرب بزمن وبفئة فصحاء ذلك العصر ، وما كان بعد ذلك فلا يعد معرَّبًا .
والواقع إذا تأملنا الآراء الثلاث التي قِيلت في المعرَّب نجد أنَّها تتفق في كون اللفظ المعرَّب هو لفظٌ أعجميّ، على أن أصحاب الرأي الثاني يعرِّبون الكلمة بشرط تغييرها أو إلحاقها بأحد الأوزان العربيَّة ، وهذا ما عناه جمال الدين الافغانيّ (ت 1315هـ) بقولهِ إذا أردنا استعمال كلمة أعجمية في اللغة العربيَّة ، فما علينا إلا أن نلبسها مشلحًا وعقالًا فتصبح عربيَّة ».
أما ما ذهب إلية الاصطلاح الثالث وإن توافق معهما في اعتبار معيار اللغة شرط في الحكم على اللفظ بالمعرَّب، إلا أنَّه تميز يشرط آخر وهو شرط التاريخ واعتبار معيار الزمن ضابطًا يحكم به على اللفظ المعرَّب ويفرقه عن باقي الدخيل، فالمُعرَّب لديهم هو لفظ أُدخِل إلى العَرَبِيَّةِ وَجَرى على ألسَنةِ الفُصحاء في كلامهم والشعراء في قصائِدهم بعد إخضاعهِ لمقتضيات لُغَتهم، ومخارج أصواتهم وأوزانهم الصرفية.
ويبدو أن الرأي الأول هو الأقرب إلى حقيقة اللفظ المعرب وهو رأي سيبويه وجمهور النحاة في عدم اشتراط التغيير والزمن وهو أَرفق باللُّغة وأَعون على حياتنا ، واتساع دائِرتِها ، ولاسيما زمنًا كزماننا انتشرت فيهِ اللغات الاعجمية بيننا ومَرِنت على النُطقِ بكلماتها ألسِنَتِنا «وأَمرُنا في التَّعريب على العكسِ مِن أمرِ العربِ :هم كانوا قَلَما يُبقون الكلمة الاعجمية على هيئتِها الاصلية ونحن قَلَما نُحَوِّلها إِلى أَوزان لُغَتنا »، فكأن سيبوه وأشياعهُ نظروا إلينا وإلى ما يطرأُ على عربيتنا بعين الغيب فلم يشترطوا في تعريب الالفاظ سوى استعماله ، ولو سلكوا في لك غير مسلك لضقنا ذرعًا بتلك الالفاظ الاعجمية التي تنهال على لغتنا لحاجة ومتطلبات عصرنا لتلك الالفاظ .
«على أننا مهما استحسنا رأي سيبويه في عدم اشتراطه رد الكلمة المعرَّبة إِلى مناهج اللُّغة وأَوزانها ـ ينبغي أَن نقف في ذلك عند ح محدود. وإلاَّ تكاثرت الكلمات الاعجمية ذات الاوزان المختلفة والصيغ المُتَباينة في لُغَتِنا الفصحى، وخرَجت على تمادي الأيام بذلك عن صورتها وشكلها. وعادت لغة خلاسية: لا عربيَّة ولا أَعجميَّة»، فالتعريب أمرٌ طبيعيّ وهو تغيير تدريجي في لُغَتِنا وفي غيرها من اللُّغات وقد خضعت له العربيَّة من أول نشأتها كما تخضع له الآن وبعد، وهذا لا يحط من قدر فصاحة الكلام العربي بل العكس هو نماء وحياة وتجدد لها.