أبو الهُذيل العلاف المعتزلي ونظرية الشك الديكارتي:
     يعد أبو الهُذيل محمد بن الهُذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي العلاف البصري (135-235هـ)  من أئمة المعتزلة الكبار وأحد أبرز منظري آراءهم التي تستند على الدليل العقلي وهو يقول: ” خَمْسُون شكّاً خيرٌ مِنْ يَقِينٍ واحد” وبهذا تكون مسالة الشك التي نادى بها ديكارت كانت موجودة في الفكر الاسلامي، ويعد المعتزلة هم أصحاب هذا المذهب في الاسلام وكانوا يستندون إلى الأدلة العقلية،  إذ يخضعون كل شيء للادلة العقلية ويشككون في كل ما ورد من التفاسير والاحاديث وحتى في تفسير القران لهم قول اخر يختلف عن باقي مدارس المسلمين الأخرى.
   وقد برز فكر أبي الهُذيل في التشكيك عن طريق المناظرات التي كان يجريها، و ما ” حكي أنه لقي صالح بن عبد القدوس، وقد مات له ولد وهو شديد الجزع عليه، فقال له أبو الهذيل: لا أعرف لجزعك عليه وجهًا، إذ كان الإنسان عندك كالزرع، قال صالح: يا أبا الهذيل، إنما أجزع عليه لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك فقال له: كتاب الشكوك ما هو يا صالح قال: هو كتاب قد وضعته من قرأه يشك فيما كان حتى يتوهم أنه لم يكن، ويشك فيما لم يكن حتى يتوهم أنه قد كان، فقال له أبو الهذيل: فشك أنت في موت ابنك، واعمل على انه لم يمت، وإن كان قد مات، وشك أيضا في قراءته كتاب الشكوك وإن كان لم يقرأه” ، وهنا تنطبق آراء أبو الهذيل مع ديكارت في الشك في كل شي. 
    و من أبرز آراء ديكارت  أنّه يجب الانطلاق من الشك المطلق الكلي، و ينتقد ديكارت المعرفة الموجودة ، وذلك بهدف البحث عن معرفة أكثر يقينية  يدفعه إلى ذلك، الإيمان بوجود مثل هذه المعرفة، فالشك عند ديكارت ، ليس إلا وسيلة لامتحان معارفنا وقوانا العارفة ، ومنهجًا للوصول إلى اليقين،  والمهمة الأساسية للمعرفة كما يراها ديكارت ، هي ضمان رفاهية الإنسان وسعادته ، بعد سلطانه على الطبيعة، وتستخير قواه لصالحه، ولهذا جهد ديكارت للوصول إلى منطلق يقيني عام ، ومنهج صحيح ، يؤدي به إلى المعرفة الحقه “أنا افكر إذن أنا موجود”. 
    ويمكن القول بأنَ الشك هو فعلًا يفتح آفاقًا للتفكير للوصول إلى الحقيقة إلا إن فكر الإنسان يبقى عاجزًا أمام حقائق الكون التي تكون خارج حدود المعرفة التي وصل اليها الانسان، وهنا تبدأ المشكلة في التشكيك في الأمور الغيبية والدينية  التي أحيانًا يجب التسليم بها، لذا تظل مثل هذه التفاسير عاجزة أمام حقائق الكون الكبرى، إلا إنها أغنت الفكر الإنساني، وفتحت أمامه افاقًا كثيرةً لإعادة النظر في المسلّمات التي اعتاد على الأخذ بها، وكذلك أعادة التفكير في الأساطير، والخرافات التي ورثها عن أسلافه، فهذه النظريات استفزت العقل الانساني لزيادة نتاجه الفكري واستمرار حركة الفلسفة بما يخدم الوجود الإنساني.


  المصادر والمراجع:
  1. الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، ت:255هـ،  الحيوان، تحقيق : عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، 1996.
  2.  ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم ، ت: 681هـ، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر ،  بيروت،1991.
  3. ديكارت ، رينيه، حديث الطريقة  ، ترجمة : عمر الشارني ، الحمراء، بيروت ، 2008م.
  4. ديكارت ، قواعد لتوجيه الفكر، ترجمة : سفيان سعد الله ، دار سراس  للنشر ،  تونس، 2001.
  5. صبحي ، أحمد محمود ، في فلسفة التاريخ  ، دار النهضة ،  القاهرة ، 1996.


شارك هذا الموضوع: