التأثيرات الانفعالية للون                                              
الأستاذ الدكتور علي عبد الكريم آل-رضا
هل يمكن أن نتصور عالمنا من دون الألوان ..؟  أن الإنسان يعيش في عالم زاخر بالألوان التي تتوزع بين زرقة السماء وخضرة الحقول وتنوع الورد والشجر وحتى الجبال والإجرام في أفلاكها كلها تضفي على العالم طبيعة غناء يزدان بها العالم  روعة وبهاء.
ولأهمية اللون وتأثيره على حياة الإنسان ، أتجه الباحثون إلى دراسة الألوان لأهميتها بالنسبة لجوانب حياة الإنسان المتعددة ليتسنى فهمها وتعميق الانتفاع منها ؛ فالإنسان يتأثر باللون بقوة خاصة وأن الألوان تساهم في تسهيل تميز الأشياء عن بعضها وتيسير رويتها ، وهذا ما تؤكده الدراسات الحديثة من إن الإنسان يستطيع النظر إلى الشيء الملون أطول مدة مما لو كان هذا الشيء غير ملون ، ولو نظرنا إلى صورة ملونة لأمكننا إدراك تفاصيلها بسرعة وسهولة اكبر من غير الملونة وللسبب نفسه نجد أننا أكثر ميلا إلى الأشياء الملونة ، كما أن كتب الأطفال وحاجاتهم تلون لجعلها أكثر ألفة وقربا منهم وليس بدافع الحصول على السعادة والمتعة كما كان يعتقد سابقا ، وعلى الرغم من هذه الآراء فأننا لا نستطيع الجزم بشكل قاطع بان تفضيل لون معين من قبل شخص يحدث بفضل تأثير هذا اللون أو غيره في الحالة النفسية ذلك لأن الاستجابة للون محدد قد تكون نتيجة متصلة بخبرة سابقة – كأن يكره الطفل لون بذاته لاقترانه بلون دواء غير مستحب المذاق أو بسبب شخصية غير مرغوب فيها ترتدي هذا اللون مثل نفور الأطفال من رؤية الرداء الأبيض لارتباطها بالطبيب أو الممرض – ولم تقتصر الأبحاث على الإنسان بل امتدت هذه الدراسات لتشمل تأثير اللون على الكائنات الحية الأخرى ، حيث وجد فريق من الباحثين أن سلوك النمل يظهر تميزا واضحا للألوان وحساسية عالية اتجاه اللون البنفسجي ، كما وجد أيضا أن الدجاج إذا تعرض إلى ضوء صناعي ملون فإنه يبيض بسرعة أكبر من سرعته المعتادة والفراشات تفضل اللون الأزرق والأخضر والبنفسجي ، كما لوحظ تأثير الأضواء المختلفة على النباتات من خلال سلسلة بحوث بهذا المجال فالضوء الأحمر يعمل على تثبيت الحبوب والبذور أسرع مما لو تعرضت لضوء بنفسجي اللون ولكن الضوء البنفسجي يساعد على الإسراع في نمو نبات العنب…وهكذا ، ولكن إدراك الإنسان لأهمية الألوان لم يكن وليد العصر الحديث بل يعود لمرجعيات قديمة ذلك أن الإنسان قد أدرك منذ بدايات تحضره تأثيرات الألوان على سلوكه ، أن ذلك كان بصورة بسيطة تركت أثرها في موروثنا ومعتقداتنا لحد اليوم مثل ارتباط اللون الأسود بالموت والحزن والحداد ، بسبب أن الأقدمين قد ربطوا بين سواد الليل ونزول ظلامه بنهاية النهار وتوقف الإعمال الذي يعني توقف الحياة والموت حتى بداية الحياة في اليوم التالي ، وهكذا بالنسبة إلى اللون الأحمر الذي ارتبط بالإثارة والخطر والحياة ، فالسائل الذي يملك هذا اللون ويملا جسم الإنسان والحيوان على السواء  إذا خرج بسب نزيف جرح كبير أو ضربة قوية ولم يتوقف كان سببا في موت ذلك الكائن وبالعكس أذا سيطر عليه وأوقف حافظ على استمرار الحياة وهكذا ارتبط المحافظة عليه بسر الحياة ، كما نتيجة لمثل هذه الموروثات الفكرية وتراكمها عبر القرون تحددت استعمال الألوان لغايات محدد ومقصودة ، فالألوان الداكنة والباردة { الأخضر، الأزرق ، النيلي } هي التي تهيمن في الأمور المحزنة وعلى ملبس المتقدمين في السن والأعمال التي تقتضي الظهور بمظهر الهيبة والوقار، خاصة وان هذه المجموعة من الألوان لها تأثير مهدئ وتبعث رويتها على الخمول والسكينة وتقليل الانفعال وبما يتماشى مع المظهر المطلوب اجتماعيا بينما في المناسبات السارة نجد أن الألوان الحارة { الأصفر، البرتقالي، الأحمر} هي المطلوبة لأن هذه الألوان تبعث في الفرد شعورا بالدف والنشاط والحيوية ، مما يدفع لتحريك الحالة الانفعالية للفرد والتي يعبر عنها بإظهار حالة الفرح والسرور وربما الغناء والرقص للتعبير عن الطاقة المتولدة والتنفيس عنها بأساليب مقبولة ، كذلك وجود الإنارة الملونة تعمل على بعث البهجة لدى الإنسان وعليه يكثر من استعمالها في المناسبات المفرحة والاحتفالات وأماكن التسلية .
إن علماء النفس يقدمون يوم بعد أخر دلالات لتأثير الألوان على مزاج الفرد وتصرفاته وارتباط هذه السلوكيات بالخبرات السابقة لهذا الفرد ولكنهم لا يعطون سبب شعورنا بالإثارة الانفعالية والدفء لرؤية الألوان الحارة والعكس من ذلك مع الألوان الباردة ، أما علماء الفيزياء والفيزياء الحياتية بشكل خاص فأنهم  يعللون التأثيرات المختلفة للألوان إلى الطول ألموجي الخاص بكل لون ، فاللون الأحمر يملك أكبر طول موجي بين الألوان الأخرى ، لذلك يرى من مسافة بعيدة كما يسبب إثارة أنّفعالة ، ذلك أن الإشارات التي ترسلها أعصاب شبكية العين نتيجة سقوط أمواج الألوان المختلفة الأطوال عليها إلى الدماغ هي المسبب لهذا الاستثارة المتنوعة لذلك ينصح الأطباء وعلماء النفس أن تكون جدران وسائر غرف النوم والراحة من تدرجات الألوان الباردة لعدم توليد استثارة انفعالية إضافية لما تلقاه الفرد أثناء عمله ، كما ينصح الشخص الذي يشعر بهبوط الروح المعنوية أو يمر بحالة إحباط أو يأس بارتداء واقتناء ملابس فاتحة الألوان ومن الألوان الحارة والزاهية لما تسببه من أثارة للانفعال والحيوية ونبذ لحالة الخمول ، لذا تقدم الزهور للمرضى كون ألوانها تكون باعثا للنشاط ولأنها تقترن بفكرة النمو لتبعث الأمل في نفس المريض.
والآن لو خيرت أيها القارئ لهذا المقالة في أن تنام في ظهيرة صيف بين غرفتين لأحدهما ستائر برتقالية وللأخرى زرقاء ؛ فانك ستختار ذات الستائر الزرقاء ..قائلا : أنها أبرد من الأخرى.           
 

شارك هذا الموضوع: