Ministry of Higher Education and Scientific Research
University of Karbala – College of Education for Humanities
Specialization: Educational Psychology
التفاؤل والتشاؤم في القران الكريم
أكد القران الكريم في أكثر من آية على التفاؤل وعدم التطير . فمن تلك الايـات القـرآنية والتي تناولت موضوع التفاؤل أو التشاؤم قوله((قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرنَا بِكُم)) (سورة يس : اية 18) ، ((قَالُواْ اطَّيّرنَا بِِكَ وَبِمَن مَعَك)) (سورة النمل : اية 47) ، وهي تستعمل للخير والشر ، فالحظ من الخير ومن الشر ، قال تعالى ((وَكُلَّ إنسانٍٍ أَلزَمنَاهُ طائرهُ فِي عُنًقِهِ)) (سورة الاسراء : اية 13) ، ((قَالَ طَائرُكُم عِندَ اللهِ)) (سورة النمل : اية 47) وقال تعالى ((وان تُصِبهُم سَيِئَةُُ يَطَّيرَّوُا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ)) (سورة الاعراف : آية 131) ، وقال تعالى ((هُم أَصحَابُ المَشئمَةِ)) (سورة البلد : اية 19) والمشئمة الميسرة ضدها الميمنة ، واليد الشؤمى ضد اليد اليمنى . (مصطفى،1934: 473،677) .
والقرآن الكريم يهدي الانسان إلى التوافق ، وينعم عليه بالامن الداخلي ويصلح قلبه فيمسح عنه القلق والتشاؤم ؛ لانه يحدد له الهدف من الحياة ، فلا يشعر بالفراغ النفسي الناتج من انقطاع الطموحات وعدم وجود هدف معين يصبوا اليه ويحرك سلوكه ليحققه بعمل متجدد ومستمر نشط يجعله في اعتدال عند التعامل مع كل الامور (لا افراط ولا تفريط) في العمل والعلاقات فيحصل على التوافق النفسي . (الشرقاوي،1986: 117-127) .
وقد أكد القرآن الكريم على التفاؤل وتيسير الامور ، فمن الآيات قوله تعالى ((فأنَ مَعَ العُسرِ يُسرَا ، إنْ مَعَ العُسرِ يُسرا )) (سورة الانشرح : الآية 5-6) ، وقوله ((يُريد اللهُ بِكم اليسرُ ولا يُريدُ بِِكم العُسر)) (سوة البقرة : اية 85) وقوله ((ويسرك لليسرى)) (سورة الاعلى : اية 8) ، أي إن كل شدة أو عسر معها يسر وفرج يهيؤه الله تبارك وتعالى للانسان العاقل الامل العامل ، وللعلماء قاعدة في هذا هي (( ان المشقة تجلب التيسير )) (الشرياصي،1981: 22-29) .
وفــي القرآن الكريم عدد من الايات التي تحث على فضل الرجاء في الحياة كقــوله تعالى : (( واما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسوراً )) (سورة الاسراء : اية 28) . وقوله عز وجل ((ان الذين امنوا والذين هَاجروُا وجَاهَدوا فِي سبيل الله اولئك يرجون رَحمَة اللهِ واللهُ غفورٌ رَحيِم )) (سورة البقرة : اية 218) ؛ لانه يبعث على القوة ويضاعف العزيمة ، اما اليأس فيميت العزيمة ويضعف الهمة ، فتؤكده آيات منها ((وقل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)) (سورة الزمر : اية 53) ولابد من لزوم الصبر لتحمل مشاق الحياة عند الشدائد بنفس راضية ، تقلل من احتمالات التوتر والشعور باليأس
تعريف التفاؤل والتشاؤم
التفاؤل
عرفه عاقل (1971 )
بأنه موقف للفرد نحو التنظيم الاجتماعي ، أو الحياة بصورة عامة يتشدد في أهمية النواحي الجيدة ويتسم بالأمل . .
* وعرفه رزوق (1977):
موقف من جانب الفرد حيال الحياة يميل أحياناً فيه الى حد مفرط نحو التركيز على الناحية المشرقة منها او الجانب المفعم بالامل والخير (رزوق ، 1977: 80-81) .
*و عرفه الحفني (1978):
بأنه اتجاه حيال الحياة وأحداثها تجعل الفرد لا يرى سوى الجانب المشرق منها فيؤمن بان عالمه خير العوالم الممكنة ، وإنه سينتصر في النهاية.
التشاؤم
عرفه شوبنهير (1965) Shopinhiwere
بأنه استلاب قوة الإرادة ، وقد يكون التشاؤم ليس اتجاهاً شخصياً ، أو مزاجياً بل هو إحلال التشاؤم المتمثل بالشر محل التفاؤل المتمثل بالمثالية (Shopnhiwer,1965:39)
*وعرفه وبستر (1970) : Webster
بأنه الميل نحو جعل الأحداث والأفعال المرغوبة أقل من غيرها موضع التطبيق الفعلي فعلياً يقول : إن الواقع يبلغ من الشر على قدر تصور الفرد له وإن شرور الحياة تفوق السعادة السائدة فيها (Webster,1970:1682) .
*ويرى عاقل (1971):
التشاؤم بأنه موقف من المنظمات الاجتماعية أو من الحياة عامة يتسم بالتشدد في إبراز المخالفة ، وقطع الرجاء من المنظمات الاجتماعية خاصة ومـن الحياة عامـة وعـدم الإيمان بجـدوى التطور الاجتماعي.
التفاؤل والتشاؤم في النظريات النفسية
يرى فرويد أن التفاؤل هو القاعدة العامة للحياة وان التشاؤم لا يقع في حياة الفرد الا إذا كونت لديه عقدة نفسية ، والعقدة النفسية ارتباط وجداني سلبي شديد التعقد والتماسك حيال موضوع ما من الموضوعات الخارجية أو الداخلية ، فالفـرد متفائل اذا لـم تقـع فـي حياته حوادث تجعل نشوء العقدة النفسية لديه أمـراً ممكنا ولـو حـدث العكـس لتـحول إلـى شخص متشائم
وفقا لمنظور البورت في السمات والتقسيمات الافتراضية التي وضعها للسمات فإنه يعد التشاؤم والتفاؤل ضمن السمات الثانوية لدى أكبر عدد من أفراد المجتمع ، إذ ان هؤلاء الافراد تكون لديهم هذه السمة بدرجة منخفضة أو معتدلة تبعا لعدد من المتغيرات التي تؤثر في ذلك مثل ثقافة الفرد ومستواه العقلي أو طبيعة الحضارة التي ينتمي اليها ، في حين ان التشاؤم يكون ضمن السمات العظمى أو المركزية لدى بعض الافراد ، أي انها استعدادات مصممة بشكل عال في انظمة حياة هؤلاء الافراد على كل جوانب حياتهم وهم يشكلون نسبة قليلة من المجتمع وغالبا ما يكونون مصابين ببعض الاضطرابات ومنها اضطراب الكآبة اذ تسيطر هذه السمة أي سمة التشاؤم على جميع هؤلاء الافراد .
ويذكر كاتل ان بعض السمات تنشأ من خلال البيئة وتأثيراتها ومواقفها وبعض السمات تتـأثر بشكل رئيس بثقافة الانسان ويسميها السمات الواسعة مثل الانطوائية ، الانقباض ، التفاؤل ، ويذكر كاتل ان هذه السمات الواسعة التي تتأثر بثقافة الانسان ممكن ان تتأثر وتتغير باختلاف استجابات الافراد فمثلا احد الافراد يكون متفائلا في احدى الاستجابات ولكنه يميل إلى ان يكون متشائما في موقف ما .
فيما توصل ايزنك إلى ثلاثة ابعاد أساس في الشخصية تنتظم بداخلها السمات المعروفة :
الانطواء – الانبساط Introversion-Extarversion
العصابية Neureticism
الذهانية Psychoticism
ويرى ايزنك ان الانبساطين والانطوائيين يختلفون في المواصفات النفسية، والعصبية والميول السلوكية الملحوظة ، فالانبساطي يكون اجتماعيا محتاجاً إلى الناس ومتفائلا ولديه القدرة على تادية الاعمال المكلف بها في مستويات عالية من الضوضاء ، اما الانطوائي ، فيحب الابتعاد عن الناس ويمتاز بالتشاؤم وتقل قدرته على العمل أو المطالعة في مستويات عالية من الضوضاء أو التشتت.
اما اصحاب نظرية العجز المكتسب وعلى راسهم سليجمان (Seligman) الذي يرى ان الآلية المسؤولة عن اكتساب العجز انما تعود لاسلوب التفكير الذي يمارسه الفرد في مواجهة المواقف المزعجة وهو ما يسمى بالتفسير الشخصي ، ويمكن قياسه وملاحظته بل وتعديله ايضا (Seligman , 1993 : 3) عندما يمر الانسان بموقف مزعج فهو يميل في معظم الاحيان إلى تبني تصور معين لسبب حدوث هذا الموقف المزعج ، كلما كانت الاسباب المدركة للموقف قريبة من قدرة الشخص على الضبط والتحكم ، ازداد احتمال مواجهته للموقف بطريقة فاعلة ، وهذا هو بالضبط التفاؤل .
وعرف سليجمان Selgmam (1993) التفاؤل ، قائلاً بأنه : كيفية تفسير الناس لانفسهم في نجاحاتهم واخفاقاتهم ، فالناس المتفائلون يرون الفشل أن سبب يعود إلى شيء ما بالامكان تغيره لكي يتمكنوا من النجاح في المرة الآتية ، في حين يلقي المتشائمون باللوم على انفسهم ويرجعون الى خاصية دائمية يعجزون عن تغييرها في انفسهم ، ولهذه التغيرات المختلفة مدلولات ومضامين عميقة لكيفية استجابة الناس للحياة . على سبيل المثال يميل المتفائلون في رد فعل لاحباط نتيجة لعدم حصولهم على وظيفة إلى الاستجابة بصورة فعالة وبصورة توحي بالامل من خلال صياغة خطة عمل ، أو البحث عن المساعدة والنصيحة انهم يرون النكسات على انها شيء يمكن علاجه ، في حين يستجيب المتشائمون لمثل النكسات بالافتراض عدم وجود شيء بامكانهم فعله لجعل الامور افضل في المرة الآتية ؛ لذا يرون أن المشكلة تعود إلى عجز شخصي يعيشون به على الدوام.
العوامل المؤثرة في التفاؤل والتشاؤم :
هناك مجموعة من العوامل البايولوجية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لها أثر كبير في التفاؤل – التشاؤم يمكن ايجازها بما يلي :
اولاً : العوامل البايولوجية .
تعتبر المحددات الوراثية أو الاستعدادات الموروثة ذات أثر كبير في نشأة وتكوين حالة التفاؤل أو التشاؤم ، ولقد عزز علماء الانثروبولوجيا الرأي المؤيد لأثر الوراثة في التفاؤل الفمي والتشاؤم الفمي المتمثل في غزارة الرضاعة وما يليها من فطام متأخر أو في شحة الرضاعة وما يليها من فطام مبكر ، وكثيرا ما ينشأ التفاؤل عن نشاط الشخص وقوته العقلية والعصبية ، فقد تعود ان يزود نفسه بالافكار الصحيحة السارة ، وينشأ التشاؤم من ضعف النشاط وضعف القوة العصبية ووهن الرقابة العقلية في الانسان فيسمح لنفسه أن يسبح في جوء مظلم من الاوهام إذ إن ضبط النفس والنظر إلى الناحية السارة دائما يزيل من التشاؤم والهموم والاحزان التي تسيطر على نفوسهم . .
والمتفائل لدى استبشاره بالنجاح مسبقا كأنه حاصل على قدرة معينة لاحالة المستقبل إلى حاضر يرضى به ، فأنه يوافق على مطالبة المخ له بإصدار الأوامر وإعداد الطاقة اللازمة بدءا من إنجاز الأعمال إلى ما يصدر عنه من أحكام ، اما إذا تشاءم الفرد منذ البداية فإن فكرة التشاؤم نفسها تسيطر على جزء من تفكيره وتستحوذ على قدر من طاقته المخصصة للانجاز اللازم ، فتقل تدريجيا ويصيبه الفتور والفشل في انجاز مهماته وهذا ما يؤكده من يتشاءم وصدق تشاؤمه
وقد كشف فريق علمي من جامعة ستانفورد الامريكية ، ان هناك بعض التغيرات البائنة (المختلفة) في طريقة عمل الدماغ يمكن ان تعطي مؤشرات تسمح بالتفريق والفصل بين الشخصية المتفائلة وتلك المتشائمة ، وغطى البحث مجموعة من النساء المختلفات كانت اعمارهن بين تسعة عشر واثنين واربعين عاما ، وقسمت النساء إلى قسمين من خلال استجوابهن عن مجموعة من الاسئلة ، القسم الاول النساء المتفائلات والثاني المتشائمات والعصابيات القلقات ، وعرض العلماء على القسمين صورا لمشاهد مفرحة ، مثل حفلات ، اعياد ميلاد ، وصور اخرى كئيبة حزينة مثل اجنحة مستشفيات ، وفيما كانت عملية عرض الصور مستمرة ، قام العلماء بقياس نشاط النساء في عدة اماكن من الدماغ ، ولاحظ الفريق العلمي ان المراة المتفائلة استجابت بشكل اقوى للصور السعيدة مقارنة بالنساء القلقات المتشائمات والعكس كان صحيحا ايضا اذ وجد نشاط غير عادي في ادمغة النساء القلقات العصابيات عندما عرضت عليهن صور كئيبة ومحزنة.
ويشير (اسعد) في هذا الصدد ويقول إلى أن البيئة والوراثة هما اللتان تعملان على توجيه الارثات إلى ما يتفائل به أو ما يتشائم منه ، فتعمل التربية على اخراجها إلى حيز الوجود جميعا ولكن بقوتين غير متساويتين ، فقد يجد نفسه اكثر ميلا إلى التفاؤل من ميله إلى التشاؤم ، ولكن في الحالتين فان مجرد وجود تلك المقومات الموروثة لا تكفي لجعل الشخص متفائلا أو متشائما ، فلابد من تغذية الموروث وتنميته ؛ ليتفاعل مع المقومات والموضوعات البيئية حتى يستميل مالدى الانسان بالقـوة إلـى وجود بائن وفعلي في الحياة .
ثانيا : العوامل الاجتماعية :
وهي تتمثل بالتنشئة الاجتماعية من لغة وعادات وقيم واتجاهات سائدة في المجتمع ، ولها دور في نشاة المفهوم ، فالمواقف الاجتماعية المفاجئة تجعل الفرد يميل في الغالب إلى التشاؤم والعكس صحيح إلى حد بعيد . .
أن أساليب التربية الخاطئة ، كالجوء إلى العقاب من أجل إسكات الرغبات التي تريد الاستمتاع بمباهج الحياة واحباط سعي المراهق الذي يحاول الاستقلال عن أسرته ، ومعاملة الراشدين وضعف الامكانيات المادية مما يؤدي إلى سوء استغلال أوقات فراغهم والاضرار بهم وبمجتمعهم ..
إن للعوامل البيئة والثقافة دورا كبيرا في تحديد التفاؤل والتشاؤم بين الجنسين ، فللذكور مجال أكبر في التعبير عن ارائهم واتجاهاتهم وهذا مما لاشك فيه يخلق لديهم نوعا من الامل والتفاؤل نحو المستقبل لاسيما الشباب العربي من الذكور يتمتعون بفرص ، وخيارات أكثر من تلك التي تتمتع بها الاناث ، لانهم يمتلكون القرار في تحديد مصيرهم سواء من ناحية استمرار التعليم واختيار المهنة المناسبة او حتى اختيار الزوجة ، اما الاناث فما زالت التقاليد الاجتماعية تحد من ذلك عندهن لكن لا يعني انخفاض التفاؤل بدرجة كبيرة لديهن ، لكن التفوق يظهر لدى الذكور .
ثالثا : العوامل الاقتصادية والسياسية :
يشير روشيل Resseel (1989) بان التراجع الاقتصادي المستمر الذي يقلل من امكانات الاستخدام أو العمل في معظم الدول الغربية منذ اواخر السبعينيات من القرن العشرين قد أثر بلا شك على اهداف الحياة ، التي يضعها صغار الشباب لحياتهم ، ونظرا للشك في المستقبل فمن المتوقع بوجه عام ان يطور صغار الشباب اتجاهاتهم متأثرة بهذه الظروف فيصبحون مترددين جدا بشان وضع خطط لحياتهم ، لاسيما في مجال العمل مما يؤثر بلا ريب على معدلات التشاؤم والتفاؤل لديهم . .
كما أن التطاحن والحروب النفسية والعسكرية وماتخلفه من عوامل الصراع والاضطراب النفسي وهيمنة دول على غيرها وانواع الاستعمار المباشر وغير المباشر كل ذلك يؤدي إلى فقدان التوازن النفسي فيشعر الفرد انه عاجز ضعيف مهدد لا يجد من يحميه فيقع فريسة الهم والقلق النفسي مما يؤدي إلى صراعات نفسية لا تلبث ان تصبح مظاهر سلوكية لدى الفرد كالخوف من المستقبل والتشاؤم والشعور بالنقص والتردد والشك . .
المصادر .
القرآن الكريم .
اسعد ، يوسف ميخائيل ، ( 1973 ) : الشخصية القوية ، القاهرة ، دار غريب للطباعة .
ــــــــــــ ، ( 1986 ) : التفاؤل والتشاؤم ، القاهرة ، النهضة المصرية .
الأنصاري ، بدر محمد ، ( 1998 ) : التفاؤل والتشاؤم المفهوم والقياس والمتعلقات ، ط1 ، الكويت ، جامعة الكويت .
بركات ، مطاوع ، ( 2001 ) : التفاؤل والتشاؤم واثارهما في الأداء المدرسي في ضوء نظرية العجز المكتسب ، بحث في مجلة الرسالة التربوية المعاصرة ، ع 2 ، السنة الأولى .
البستاني ، محمود ، ( 1988 ) : دراسات في علم النفس الإسلامي ، ط1 مجلد 1 ، بيروت ، دار البلاغة للنشر والتوزيع .