يعيش الفرد في عالم معاصر سريع التغيير تتنوع فيه المعرفة و تتسع فروعها بحيث بات من الصعب عليه أن يتناول موضوعاً معيناً فيها بهدف دراسته أو تقديم المساعدة للآخرين من دون أن يكون لديه احتياطي من الخبرات أو معرفة مخزونة في خزان الذاكرة يوظفها في ذلك , وربما تزداد صعوبة الموقف حينما يكون الفرد معلماً لتلامذته في الصف الدراسي الذي قد يكون مستوى معرفته بالمحتوى المقرر لتخصصه و المؤهل لتدريسه محدوداً , وفي ذلك يصبح أحد أسباب انخفاض تحصيل تلامذته الدراسي و مقيداً لتفكيرهم .
وقد حددت نتائج الكثير من البحوث و الدراسات في مجال طرائق التدريس و الإدارة الصفية أدواراً للمعلم في كونه أنموذجًا يتعلم منه التلاميذ و مصدراً موجهاً لمصادر المعرفة العلمية و منظماً للمناخ الاجتماعي و النفسي في الصف , و مصدراً للثقافة العلمية و مرشداً للتعليم و التدريب على مهارات التفكير و الاتجاهات العلمية .
فهي أمور تبرز الدور المؤثر للمعلم على تلاميذه يستوجب أن يكون لديه حداً من الخبرات العلمية و المعرفية و قدراً من المهارات المتعددة و قاعدة من الاتجاهات و القيم , وأن ينعكس كل ذلك على تصرفاته كمواطن أولاً و كمعلم يؤدي رسالته الانسانية ثانياً و أن يستكمل ذلك بقدر من التنور في مجال تخصصه , فعلى سبيل المثال لا الحصر معلم العلوم في المدارس الابتدائية يعد طبيباً و مرافقاً للحملات الصحية , وبذلك ينبغي أن يكون قادراً على إسعاف التلاميذ ممن يتعرضوا إلى حوادث آنية نتيجة اللعب في ساحة المدرسة , ويستطيع أن يضمد الجروح و يطهرها و يعالج المواقف الآنية الأخرى و يشغل الأجهزة الكهربائية أو التقنية و يكون لديه فهم للبيئة التي يعيش فيها التلاميذ باعتماده على الدراسة العلمية للطبيعة , كما ينبغي أن يكون الأفضل في فهم التطور التاريخي للمفاهيم العلمية ذا قدرة على حل المشكلات العلمية و اتخاذ القرارات المناسبة , و يكون حريصا على إظهار القيم و الاتجاهات العلمية في مواقف التعلم الصفي من خلال التركيز على أخلاقيات العلم كي تتم ملاحظتها من قبل التلاميذ وتقليدها بالسلوك.
ويشير (الأغا و جمال ، 2000) إلى رأي (محمد عبد السلام ، 1989) إلى ضرورة تحسين نوعية حياة الأفراد و أساليب معيشتهم من خلال نشر الوعي العلمي و الثقافي على المستوى الشعبي من خلال المؤسسات التربوية و الإعلامية المختلفة لذلك لابد من خلق بيئة صالحة لقبول العلم و التكنولوجيا و نموها بشكل طبيعي و لأجل ذلك لابد من إعادة النظر في البرامج التعليمية و لاسيما فيما يتعلق بالعلوم الطبيعية و الرياضيات بحيث يجعل أهدافها الأساسية إعداد المواطن المثقف علمياً بدلاً من التركيز على حفظ المعلومات العلمية و التهيؤ للامتحانات .
ومما سبق يبرز مفهوم التنور العلمي كمطلب حضاري يهدف إلى تخطي الانسان حاجز الجهل فيما يمتلكه من المعارف والأدوات والاتجاهات والمهارات التي يجب أن يمارسها بكفاءة واقتدار في المواقف اليومية، ونرى ذلك لا يمكن تحقيقه ما لم تتهيأ الفرص التعليمية المناسبة كإعداد المعلم المتنور علمياً ووجود منهج علمي تبنى عليه المؤشرات السابقة.
وكما كان تحصيل المعرفة والتفكير العلمي من عناصر التنور العلمي فأنه لا بد أن يكونا مترابطين بأي موقف تعليمي يدرس فيه التلميذ فهما عنصران يستكمل فيهما التنور العلمي بشكل واسع، لذلك فمن المهم أن يكون المعلم قادراً على بناء قاعدة معرفية علمية لدى التلاميذ ويعمل جاهداً على تنمية تفكيرهم العلمي ومعاونتهم على مواجهة المشكلات واتخاذ القرارات المناسبة باستخدام ذلك التفكير.
المصادر والمراجع
الاغا احسان خليل , و جمال عبد ربه الزعانين (2000) : مدى توفر بعض عناصر التنور العلمي في كتاب العلوم للمرحلة الابتدائية في محافظة غزة ,المؤتمر العلمي الرابع ,التربية العلمية للجميع كلية التربية جامعة عين شمس من(21يوليو _3اغسطس)القاهرة الجمعية المصرية للتربية العلمية.
2. أبو جادو ، صالح محمد علي (2000) : علم النفس التربوي ، ط2 ، دار المسيرة، عمان .
بخش, هالة طه عبد الله (2004): مستوى التنور العلمي لدى عينة من طلاب التعليم قبل الجامعي بالمملكة العربية السعودية , مجلة العلوم التربوية والنفسية , المجلد 5 العدد1 كلية التربية جامعة البحرين.
الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس (1990) :مستويات التنور لدى الطلاب المعلمين في مصر (دراسة مسحية )، المؤتمر العلمي الثاني ،أعداد المعلم ، التراكمات والتحديات ، الإسكندرية .
سليم , محمد صابر(1989) : التنور حقيقة تفرض نفسها على خبراء المناهج ,مجلة دراسات في المناهج وطرق التدريس العدد5 يناير.