الثقافة النفسية 
تعد الثقافة في العصر الحديث دلالة على الرقي والفكر الأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات ، والثقافة ليست مجموعة أفكار فحسب ولكنها نظرية في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالاً وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي يتطبع به شعب من الشعوب ، وهي الوجهة المميزة لمقومات الأمة التي تتميز بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب ، فأن الثقافة هي الكل المركب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والاخلاق والقوانين والعادات . إن ثقافة أي مجتمع عبارة عن جزء من تراثه تتوارثه الأجيال المتعاقبة ، وتتفاعل تلك الثقافة مع جميع المتغيرات الأخرى بالمجتمع من خلال عملية التنشئة الاجتماعية وتشتمل الثقافة على الاتجاهات والقيم والعادات والمفاهيم والعقائد التي يتناولها الأفراد على مر الأجيال ، حيث نلحظ أن المخزون الثقافي لمجتمعنا ملئ بالمفاهيم والقيم التي تؤكد على أهمية الثقافة النفسية   . 
 والعلاقات الإنسانية ، وليس بمفهومها الإداري فحسب بل بمفهومها ومدلولها الأخلاقي ، وهناك قاعدة تبنى عليها قواعد التعامل الأخرى وهي قاعدة حسن الخلق وقد أكد عليها ديننا الحنيف ، فلو شاعت الأخلاق في مؤسساتنا وكانت هي أساس التعامل بين الرئيس والمرؤوس وبين المدرس والطالب وبين الزميل والزميلة لنتج عنه أجواء من الثقة والتفاهم والألفة والإنتاجية ، لأن صاحب الأخلاق ذو ثقافة نفسية عالية يعمل بدافع ضميره ورقابة الله تعالى عليه  .
 وتعد الثقافة من أهم عوامل تشكيل السلوك الإنساني إذ عن طريق هذه العوامل المتمثلة في القيم والعادات والمعتقدات الاجتماعية يتم اكتساب الفرد سلوك مجتمعة عبر عمليات التنشئة الاجتماعية المتواصلة التي يمر بها في حياته وتكسبه المهارات والخبرات اللازمة التي تهيء له سبل التواصل مع أبناء مجتمعه وتحقق له التوافق النفسي والاجتماعي ، كما تمده بمعايير السلوك وتحدد له دوره في المجتمع ، ولقد وجد أن سلوك الأفراد يتأثر بنوع الثقافة وأساليب التنشئة الاجتماعية التي يتعرض لها الأفراد في مجتمعهم ، فالأفراد الذين اعتادوا على ممارسة النموذج المثالي في مجتمعهم يتشكل سلوكهم على غرار هذا النموذج سواء في البيت أو المدرسة   . وتأتي الثقافة النفسية في مقدمة أنواع الثقافات الأخرى لكونها تعد من الأمور الأساسية اللازمة لتدريب المدرسين وتأهليهم ، لأنها تزودهم بالأسس والمبادئ النفسية الصادقة التي تتناول طبيعة التعلم ، إذ أنها تزود المدرسات بحصيلة من المبادئ الصحيحة التي تساعدهم على ترشيد العمل التربوي وجعله أكثر حكمة وكفاية ، وكذلك تساعدهم على دراسة العوامل المرتبطة بالنجاح والفشل في التعلم المدرسي والتنبؤ بالسلوك وضبطه ، ومن هذه العوامل شخصية المتعلم ومستوى نضجه ، والعوامل الوراثية والظروف الاجتماعية المحيطة ، والدافعية ، والجو الأنفعالي المصاحب للتعلم ، خاصة بعدما شهده الوقت الحاضر من ثورة هائلة في نتائج البحوث التي تفيد في تحديد العوامل المؤثرة في التعلم سواء داخل الصف أو خارجه ، ولما كان تفاعل المدرس مع المتعلم يتأثر بالحالة الأنفعالية والجو النفسي والاجتماعي السائد في الصف والمدرسة عموماً ، فقد نادي باستالونزي ( Pestalozzi ) بأن تكون العلاقة والصلة بين المدرس والمتعلم علاقة أبويه يعمل فيها المدرس على ابداء عطفه وتشجيعه للمتعلمين مع تحريك بواعث النشاط الذاتي لمحبة العمل   .
ويتفق العديد من الباحثين على أن العامل الأساس في نجاح المتعلم في المدرسة أو فشله ، يعود بالدرجة الأولى إلى نوع معاملة المدرس لمتعلميه ، ومدى تفاعله معهم . وللتربية دور هام في تطوير وتقدم المجتمعات البشرية ..وللتربية أهمية بالغة في تغيير سلوك الأفراد وتنشئتهم واكسابهم القيم الملائمة للمجتمع الذين ينتمون إليه ، وتعد التربية الركن الأساس وحجر الزاوية في عملية التغير الاجتماعي فضلاً عن بناء الشخصية وتكاملها ، وتعمل العملية التربوية جاهدة على تحقيق فلسفة الدولة في بناء الشخصية بناء سليما يتماشى مع ثورة المعلومات والتقنيات التكنولوجية الحديثة ، وتتولى المدرسة دوراً كبيراً في النهوض بالمجتمع ولاسيما في العصر الحديث ، فهي مؤسسة اجتماعية متعددة الوظائف منها الإعداد العلمي ، والتثقيف والتوعية ، وتزويد المتعلمين بطرائق الحياة المفيدة في المجتمع ، وهي أمور لم يعد من الممكن أن يحصل عليها الفرد إلا من المدرسة التي يسودها مناخ ايجابي يجعل الطلاب يشعرون بارتياح لحضورهم إليها كما يشعر المدرسين بارتياح لتدريسهم بها ، حيث أثبتت الكثير من الدراسات أن المتفوقين لديهم اتجاهات إيجابية نحو كل ما يدور داخل المؤسسة التعليمية التي يلتحقون بها   . وعلى ضوء أهمية دور المدرسة في تطور وتقدم المجتمع فأنه من الأهمية الاهتمام بالمدرسات العاملات فيها ، لأن المدرسة تعد أحد أهم محاور العملية التعليمية والركيزة الأهم في نجاحها ، فهي تؤثر في طالباتها بأقوالها وأفعالها ومظهرها وسائر تصرفاتها التي تنقلها الطالبات عنها ، كما تعد المسؤلة الأولى عن توصيل المعلومات والخبرات التربوية للطالبات وتوجيههم وإرشادهم ، فهي تقع على عاتقها عبء إعداد القوى البشرية الخلافة البناءة ، ولكي تتمكن المدرسة من القيام بجميع الأدوار بطريقة سليمة فإنه من الضروري التركيز على حالتها النفسية . إن الاهتمام بالمدرسة وتنميتها وتأهيلها ماهو إلا أنعكاس لأهمية الدور الذي تقوم به في العملية التعليمية ، هذا الدور الذي أكد أن المدرسة هي من أهم المحاور الذي لاغنى عنها في العملية التعليمية ، فمنذ القدم والنظرة للمدرسة نظرة تقدير وتبجيل لكونها صاحبة رسالة مقدسة وشريفة على مر العصور ، فهي مربية الأجيال ، وإذا أمعنا النظر في معاني هذه الرسالة المقدسة والمهنة الشريفة خلصنا الى أن مهنة التعليم الذي اختارها المدرس وأنتمي إليها هي مهنة أساسية وركيزة هامة في تقدم الأمم وسيادتها .
 
ویری ( بركات ) أن مهنة التعليم لها أهمية خاصة ، لأن المدرسين ( المدرسات ) من خلالها يجددون ويبتكرون وينيرون عقول طلابهم ويهيئون الظروف التعليمية التفاعلية في الغرفة الصفية ، كما يملكون القدرة على أحداث التغيرات المرغوبة في سلوك طلابهم ، ويسهمون في رفاهية مجتمعاتهم ، وذلك من خلال تشكيلهم لشخصيات الشباب والفتيات منذ بداية أعمارهم فمهنة التعليم مهنة لها أصولها وعلم له مقوماته وخصائصه   . ولكي يتحقق هذا ينبغي أن يكون المدرس ( المدرسة ) بمثابة آلية للتواصل الفعال والتفاهم بين طلبة المدارس وأن يكون على معرفة جيدة بطلابه من حيث أنماط تعلمهم ، وجوانب القوة والضعف لديهم ومعلوماتهم السابقة ومهاراتهم وكيف يتعلمون على نحو أفضل ، ويملك القدرة على تخطيط دروسه بمرونة وعلى مستويات متعددة حتى يصل لكل متعلم وفقاً لقدراته وميوله ، وينظم وقته ويستخدم أساليب التدريس والتقويم المناسبة  . وهذا ما يؤكد عليه أناييف ( 2011.Ananiev ) أن المدرس ذو الخبرة يحقق ذروة الفعالية في العملية التعليمية من خلال المعرفة العميقة لطلابه بخصائصهم وسلوكهم الاجتماعي وسماتهم الشخصية ودوافعهم  . وتعد المرحلة المتوسطة من المراحل الدراسية المهمة في حياة الطلبة كونها مرحلة اساسية ومهمة وهي مرحلة انتقالية هامة في حياة الطالب إضافة الى كونها أساساً لدى الكثير من الطلاب للعبور نحو المرحلة الأعدادية وقد تكون بالنسبة للبعض الآخر مرحلة نهائية تعدهم لاستقبال الحياة العملية والنهوض باعبائها فور تخرجهم وحصولهم على الشهادة ، وتضع الأسس اللازمة لمراحل التعليم اللاحقة ، وفي مرحلة المتوسطة يصل الفرد الى مرحلة المراهقة وفيها يعتري الفرد … فتى أو فتاة …. تغيرات أساسية واضطرابات شديدة في جميع جوانب نموه الجسمي والعقلي والاجتماعي والانفعالي ، وينتج عن هذه التغيرات والاضطرابات مشكلات كثيرة متعددة تحتاج الى توجيه وإرشاد من الكبار المحيطين بالمراهق سواء الأبوين أو المدرسين أو غيرهم من المحتكين والمتصلين به ، حتى يتمكن من التغلب على هذه المشكلات وحتى يسير نموه في طريقه الطبيعي  . ولقد أكد الكثير من العلماء على مرحلة المراهقة ومن بينهم ( أريكسون وستانلي هول ) على أهمية وخطورة هذه المرحلة لأنها مرحلة ازمات نفسية وصراعات حادة إذا ما نجح الفرد في
اجتيازها بشكل سليم بمساعدة مرشداً يعاونه على مواجهة تلك الأزمات والصراعات فسيكون فرداً غير متوافق في المجتمع  . ومن هذا المنطلق فأن الواقع التربوي يحتاج الى ادخال العنصر العاطفي في العملية التعليمية الى جانب التربية والتعليم وتفعيل الموارد الشخصية للمشاركين فيها ، وتعد الثقافة النفسية آلية اجتماعية نفسية للتكيف الفعال داخل المجتمع ، فهي تيسر التفاعل الاجتماعي والثقافي ، وتلعب دوراً هاماً في الحفاظ على الصحة النفسية وجودتها للجميع . ويشير بوداليف  أن من صفات المدرسين ذوي الثقافة النفسية أن لديهم القدرة على التعاطف مع طلبة المدارس والأنفتاح والشعور بهم في نجاحهم وفشلهم ، فأن هذه الصفات هي الأساس الذي يقف عليها المدرس ( المدرسة ) وهي شرط أساس لإقامة علاقات طيبة محترمة مع الطلبة ، وهو يواجه مواقف عديدة بعضها سعيدة وبعض آخر بحزنه أو حتى يزعجه ، مواقف يومية عادية ، أخبار ترده ، قرارات صغيرة عليه اتخاذها ، ضغوطات يمر بها ، علاقات واشخاص مشكلات صغيرة  .

شارك هذا الموضوع: