الذكاء الاصطناعي السيادي (الذكاء الاصطناعي الوطني)
ما حدث في المنطقة العربية خصوصا، وفي بلدان العالم المتفرقة، من مخاطر جسيمة جراء استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض عسكرية وتدميرية كما حدث لأخوتنا في لبنان من استهداف أجهزة البيجر دفعني للحديث عن مفهوم الذكاء الاصطناعي السيادي ومدى أهميته والدعوة الى وضع خطوات لتنميته على مدار المستقبل القريب ووضع الخطط الاستباقية للاستثمار في مجاله.
التأثير العالمي، المخاطر، وفوائد الذكاء الاصطناعي السيادي
يُحدث الذكاء الاصطناعي (AI) تحولات كبيرة في مختلف جوانب المجتمع البشري، مثل الجوانب الاقتصادية، والرعاية الصحية، والتعليم، والأمن، والثقافة. ومع تطور قدرات الذكاء الاصطناعي وانتشاره، تسعى العديد من الدول إلى بناء إمكاناتها الوطنية في هذا المجال، عبر استثمارات ضخمة، لتعزيز التنافسية العالمية وتأثيرها الاستراتيجي.
وفقًا لتقرير ديلويت، هناك أكثر من 1600 سياسة واستراتيجية متعلقة بالذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، حيث وصلت الاستثمارات إلى 67.9 مليار دولار أمريكي في عام 2022. تشمل قائمة الدول الرائدة في سباق الذكاء الاصطناعي الاتحاد الأوروبي، والصين، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ولكل منها رؤيتها ونهجها الخاص لتطوير وتنظيم الذكاء الاصطناعي.
ما هو الذكاء الاصطناعي السيادي ولماذا هو مهم؟
يشير الذكاء الاصطناعي السيادي إلى طموح الدول في تطوير ذكاء اصطناعي يتماشى مع قيمها الأساسية، مع الحفاظ على سيادتها الرقمية وأمنها. ونشأ هذا المفهوم نتيجةً لانعدام الثقة المتزايد بين الدول فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، وسط هيمنة الشركات التقنية الكبرى.
يساهم الذكاء الاصطناعي السيادي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والابتكار والإنتاجية والأمن القومي. فهو تكنولوجيا معيارية تؤثر بعمق على القيم والحقوق والمبادئ التي تتبناها الدول والمجتمعات التي تنشئها وتستخدمها. لذا، تسعى الدول إلى التحكم في هذه التكنولوجيا وتشكيلها بما يتناسب مع رؤيتها لضمان خدمتها للمصلحة العامة.
كيف تحقق الدول الذكاء الاصطناعي السيادي؟
تسعى الدول لتحقيق الذكاء الاصطناعي السيادي عبر استراتيجيات مخصصة، حيث تعتمد كل دولة رؤيتها وأهدافها الخاصة. على سبيل المثال، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء ذكاء اصطناعي جدير بالثقة ويركز على الإنسان، عبر ثلاثة محاور رئيسية: التميز، والثقة، والتنسيق. في المقابل، تعتبر الصين الذكاء الاصطناعي أولوية استراتيجية، حيث تركز على تطويره وتطبيقه عبر استثمارات ضخمة وهياكل إدارية مركزية. أما الولايات المتحدة، فتركز على الابتكار عبر الاستثمار وتنظيم الأطر القانونية بما يوازن بين التطوير والمراقبة.
تأثير النماذج والسياسات المختلفة للذكاء الاصطناعي السيادي على التعاون العالمي
تؤدي النماذج المختلفة للذكاء الاصطناعي السيادي إلى تنافسية وتنوع عالمي، إذ تسعى كل دولة إلى تحقيق مصالحها وابتكاراتها الخاصة في هذا المجال. لكن هذا التوجه يعزز الابتكار، وفي الوقت ذاته يؤدي إلى تحديات مثل الانقسام والنزاعات. بالمقابل، يتيح التعاون الدولي، المرتكز على القيم المشتركة، فرصًا لتحسين الحوكمة والثقة المتبادلة.
المستقبل والفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي السيادي على المجتمع والاقتصاد العالمي
يمكن للذكاء الاصطناعي السيادي أن يقدم فوائد ملموسة مثل تحسين جودة الحياة وتطوير حلول للمشاكل العالمية كالفقر والأمراض وتغير المناخ. علاوة على ذلك، يعزز الإنتاجية والابتكار في مختلف القطاعات عبر تقديم حلول أكثر ذكاءً وكفاءة، مما يسهم في النمو الاقتصادي والتنافسية.
المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي السيادي
رغم وعوده، يطرح الذكاء الاصطناعي السيادي تحديات كبيرة مثل زيادة عدم المساواة والاستقطاب والنزاعات، التي قد تزعزع الاستقرار العالمي. كما أن تكامل الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة قد يُنشئ تهديدات جديدة وهشاشة في النظام العالمي، مما يستدعي اتباع نهج استباقي لإدارة المخاطر المرتبطة به.
الخاتمة
في الختام، بينما تستثمر الدول في الذكاء الاصطناعي، فإنها تؤثر بشكل عميق في مستقبل هذه التكنولوجيا عالميًا. ورغم تباين الاستراتيجيات، تظل الأهداف المشتركة لخدمة الصالح العام والاستخدام الأخلاقي والتعاون الدولي هي الدافع الأساسي، مما يؤكد أهمية الحوكمة المسؤولة والمعايير الأخلاقية لضمان تأثير إيجابي لهذه التقنية المتقدمة.

 

شارك هذا الموضوع: