السياسة الخارجية التركية تجاه الأقلية التركمانية في العراق
 
م.م. زينب محمد ياسين عبد القادر/ كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم الجغرافية التطبيقية 
   يعد التركمان في العراق أحد المكونات العرقية الرئيسة التي طالما تفاعلت مع القوى الإقليمية والدولية، ولا سيما مع دول الجوار الجغرافي إذ تتشارك تركيا والتركمان حدودهما البرية التي تمتد مسافة حوالي 384 كم بين محافظتي هاتان التركية ومحافظة الموصل العراقية…
ومن أهم المناطق التي يسكنها التركمان في العراق: كركوك، أربيل، تلعفر، نينوى والقرى المحيطة، طوزخورماتو، داقواق، تازة، كفري، آمرلي، قرة تبة، قرة غان خان جولاء، شهربان، المقدادية، المنصورية، دولتاوه، خالص، مندلي. (1) وبهذا نلاحظ أن التركمان في العراق يحتلون موقعاً جغرافياً مميزاً يتوسط بين المنطقة الكردية الجبلية والمنطقة السهلية العربية الجنوبية، في شريط من الأراضي تمتد من قضاء تلعفرغربي محافظة نينوى الى مندلي في محافظة ديالى، على هيئة شريط طويل وضيق. على الرغم من افتقار هذا الموقع الى العمق الاستراتيجي، إلا انه يمكننا القول إن موقع التركمان المتوسط بين الأكراد والعرب، فضلاً عن المقومات التاريخية والتقافية الأخرى، كان سبيلا لأخذهم دورا في المعادلة السياسية العراقية، إذ تُعد القومية التركمانية ثالث أكبر قومية في العراق بعد العرب والأكراد حيث يبلغ عددهم حوالي أربعة ملايين نسمة (2)، لهم لغة خاصة قريبة جزئيا من اللغة التركية السائدة حالياً في دولة تركيا. ان التركمان يجدون قرباً أكبر من الاتراك في دولة أذربيجان الحالية اكثرمن تركيا (3).
ان البحث في تاريخهم، يظهر أن استقرارهم في العراق يعود الى عصور ماقبل التاريخ، بزمن سبق هجرة الأقوام السامية الأخرى من شبه الجزيرة العربية. فقد ذكر الرحالة ستيفن همسلي لونكريك  في مؤلفاته : ” إن التركمان بشكل عام صنف من الاتراك خرجوا من بلاد التركستان فجاؤا الى خراسان قديما ثم تفرقوا في البلاد …حيث كانت بقايا الهجرات القديمة متفرقة في تلعفر وفي خط طويل من قرى على طريق الواصل من دلي عباس في ديالى الى الزاب الكبير” (4) ، وهذا يعني أن أصول التركمان في العراق تعود الى أواسط آسيا وليس الى الحكم العثماني كما زعم بعضهم ، وفي ظل الحكومات العراقية السابقة والحالية لايزال التركمان يواجهون تحديات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر  التمثيل السياسي الضعيف  لهم مقارنة بالعرب والكرد وبما لا يتناسب مع امكاناتيهم السياسية والثقافية، على الرغم من أن الحكومة العراقية تلتزم دستوريا بضمان حقوق الأقليات، إلا أن التنفيذ الفعلي لهذه الحقوق يشوبه الكثير من الصعوبات في ظل الانقسامات السياسية والطائفية المستمرة في البلاد.
   في هذا السياق، تبرز دور تركيا بالتدخل في الشؤون الداخلية العراقية، ومنها مشكلة الأقلية التركمانية، وتحديدا في المناطق المتنازع عليها في العراق مثل تلعفر وكركوك. خاصة ان العراق كان تحت الحكم العثماني منذ عام (1543م) (5)، حيث تقدم تركيا نفسها كداعم رئيس للتركمان في مواجهتهم محاولات تهميشهم من قبل القوى السياسية الأخرى. لتوجيه رسائل الى الحكومة العراقية والمجتمع الدولي لأهمية تعزيز التنوع العرقي والثقافي.
   إلا أن الحقيقة تشير الى أن الحماية التي تقدمها تركيا تجاه الأقلية التركمانية في قضاء تلعفرليست كافية، بل إن لها أطماع للمطالبة بولاية الموصل استناداً الى الميثاق الوطني التركي عام (1920)، تحت ذريعة ان الموصل الغنية بالبترول، جزء من هضبة الأناضول اعتمادًا على وثائق قانونية تاريخية، كما أن الشعب التركي يحتفظ بمكانة خاصة للموصل، ومازال ينظر إليها كعمق استراتيجي له خسرهُ اضطراراً بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، بل يعتبرونها خط الدفاع الأول لبلادهم (6). ولا يغضون نظرهم عن كركوك بمخزونها النفطي الهائل، إذ تشير التقديرات الى انها تنتج 40% من إجمالي النفط العراقي و70% من من الغاز الطبيعي الذي ينتجه العراق بشكل عام (7). 
بيد ان للجيوبولتيك رأيا آخر، يبقى من أهم العناصر التي تصوغ علاقة تركيا مع العراق على مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، ولتمرير مصالحها السياسية وتحقيق أهدافها الاستراتيجية ذات النهج التوسعي، ترى تركيا في تركمان العراق نافذة لايجاد موطئ قدم لها في الأراضي العراقية ولا سيما بعد تولي حزب العدالة والتنمية سدة الحكم في الدولة بزعامة (رجب طيب اردوغان)، ويمكن تلخيص أهم الأدوار التي مارستها السياسة الخارجية التركية تجاه الأقلية التركمانية في العراق وباختصار مايأتي (8): 
1.تأسيس وبقاء معظم المؤسسات التركمانية تحت سيطرة السلطات التركية وإجبار هذه المؤسسات على الاعتماد على التمويل التركي فقط، والذي لم يكن يمنح بشكل منظم، ويخضع لإدارة المديرين الاتراك والسياسة الوطنية التركية.
2.بعد سقوط مدينة الموصل بيد داعش (2014م) بقيت القنصلية التركية في نينوى تعمل بينما تركت القنصليات والمؤسسات الأخرى المحافظة خشية الاستهداف من قبل داعش، مما اثارت الشكوك بوجود علاقة أو تنسيق بين هذه الحركات والحكومة التركية على حساب أمن واستقرار المناطق التي تتواجد فيها الأقلية التركمانية.
3.احتضان قيادات داعش الإرهابية الذين استولوا على المناطق التركمانية، وهم مطلوبون الى القضاء العراقي بعد تحرير المناطق المحتلة (2017) بفضل الجهاد الكفائي الذي أطلقته المرجعية الدينية في النجف الأشرف.
4.استخدام التركمان النازحين الى تركيا الذي فروا الى هناك، وهم المنسجمون مع المشروع التركي، وإرسالهم إلى القتال في أذربيجان في حربها مع أرمينيا، والى روسيا والحرب مع أوكرانيا وغيرها. 
    ومن هنا يمكن القول، إن السياسة الخارجية التركية تجاه الأقلية التركمانية في العراق لاتخرج عن سلسلة المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية، وخاصة بالقرب من منطقة الحدود التي تسعى لتحقيقها، وتجد في التركمان العراقيين منفذاً للوصول الى غاياتها متخذة من التنوع العرقي والثقافي وسيلة لذلك، إلا أن التركمان في العراق أثبتوا أن انتماءهم وولاءهم لدولتهم العراقية لا غيره ومايثبت ذلك هو مشاركة أبنائها في مواجهة جميع التحديات التي تواجهه. ولهم تاريخ مشرف بدءاً من الوقوف بوجه الإنكليز وطرد المستعمر من خلال ثورة العشرين التي انطلقت شرارتها من مدينة تلعفروانتهاءً بدحر الإرهاب وداعش بالمشاركة مع أبناء العراقيين من المكونات الأخرى وخاصة في الوسط وجنوب العراق. 
(1) عزيز قادر الصمانجي، التاريخ السياسي لتركمان العراق، ط1، دار الساقي، بيروت، 1999، ص 123.
(2) علي طاهر الحمود، تركمان العراق قلق الهوية والاندماج، مؤسسة فريدريش ايريت عمان، 2021، ص9.
(3) فاروق عبد الله عبد الرحمن، التركمان في العراق والتاريخ، ط1، إصدارات مؤسسة المختار للطباعة والترجمة والنشر، بغداد، 2010، ص12.
(4) نور الدين موصللو، المجمل من تاريخ التركمان في العراق، ط2، دار التفسير للطباعة والنشر والتوزيع، أربيل، 2021، ص 22-26.
(5) فادية عباس هادي، السياسة الخارجية التركية المعاصرة تجاه العراق دراسة في الدوافع والاليات، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، 2021ص382.
(6) احمد حسن علي، الحسابات التركية الخاطئة في شمال العراق، مركز البيان للدراسات والتخطيط ، 2016، يتوفر على الرابط: https://www.bayancenter.org
(7) تقرير مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، كركوك قوة اقتصادية حضارية عراقية  مميزة ،يتوفر على الرابط: https://rawabetcenter.com/
(8) شيت جرجيس، تأسيس النظام السياسي التركماني العراقي وانهياره تحت تسلط الدولة التركية، مجلة جمعية دراسة الجغرافية السياسية الاثنية، مج 8، العدد 2، مؤسسة سويتم، 2021، ص 172.
 

شارك هذا الموضوع: