القيم الاخلاقية من المنظور الفلسفي القديم والحديث ودورها في النهوض الحضاري 
أ.د عبير عبد الرسول محمد التميمي
الكلمات المفتاحية :
القيم , الاخلاق , الفلسفة, افلاطون , سقراط , ارسطو , السعادة , الخير والشر .
   اهتمّت المدارس الفلسفيّة عبر العصور بدراسة الظاهرة الأخلاقية ووضع تعريفٍ وتفسيرٍ لها، كما حَاول الفلاسفة وضع ضوابط وأسُس للقيم الأخلاقية عبر العصور.
  عُرّفت الأخلاق : أنّها مجموعة من القواعد والعادات السلوكية، التي يعتنقها ويؤمن بها مجتمع ما، فتغدو مُلزمةً حتميّة لسلوك الأفراد، ومنظِّمة لعلاقات الإنسان بالآخر والمجتمع، وتختلفُ هذه السلوكيات من زمنٍ لآخر ومن مجتمع لآخر.
   عرّف الفَلاسفة الأخلاق على أنّها : دراسة معياريّة للخير والشر تهتمّ بالقيم المُثلى، وتصلُ بالإنسان إلى الارتقاء عن السلوك الغريزي بمحض إرادته الحرة؛ حيث إنّها ترفُض ُ التعريف السابق القائل بأنّ الأخلاق ترتبط بما يحدّده ويفرضهُ الآخرون، وترى أنّها تخصّ الإنسان وحده، ومصدرها ضميره ووعيه.
   فالأخلاق من وجهة نظر الفلاسفة ومنهم : أفلاطون: تتمثّل الأخلاق في كبح شهوات الإنسان، والتّسامي فوق مطالب الجسد بالالتفات إلى النفس والروح وتوجيههما لتحصيل الخير والمعرفة ومحاربة الجهل.
     اما أرسطو: فقد رأى أنّ الأخلاق مُرتبطة بسعادة الإنسان التي هي غاية وجوده، فيعرّفها على أنها الأفعال الناتجة عن العقل، من أجل الخير الأسمى؛ السعادة.
    وربط كانط الأخلاق : بالإرادة النّابعة من عقل الإنسان الواعي، لا من رغبته، ورأى أنّ التمسّك بالأخلاق وفعل الصواب واجب أخلاقي.
    وقد عرف جان جاك روسو الأخلاق : بأنها الأحاسيس الطبيعية؛ التي تجعلنا نميّز بين الخير والشر ونتفادى ما يُلحق الأذى بنا وبالآخرين، ونميلُ إلى ما يعود علينا والمجتمع بالنفع، وهي ما تُميّزنا عن باقي الكائنات الحيوانيّة.
   وجاء رأي نيتشه: إنّ الأخلاق يجب أن تكون نابعةً من الإنسان نفسه، فعلى كل فردٍ أن يبني عالمه الأخلاقي الخاص، الذي لا يعتمد على العقل وحده ، إنما يُمثّل الإنسان كلّه بنقائصه وانفعالاته قبل حكمته. 
   وبذلك فقد تباينت الآراء في أصل القيم الأخلاقيّة بين الفلاسفة عبر العصور، منهم من رجّح العقل كأساس في التمييز بين الخير والشر، وردّها آخرون إلى عادات وقيم وقوانين المجتمع الذي يعيش فيه الفرد ويلتزم بواجباته تجاهه. من ناحيةٍ أخرى هناك الشرع والدين كمعيارٍ في الحكم على الأفعال من خيرٍ أو شر، وتوجيه سلوكات الفرد لما هو صائب عن طريق التزامه بالأحكام الشرعية. 
    ويُمكننا القول باستحالة قيام مجتمعٍ دون قيمٍ أخلاقيّة؛ فالأخلاق هي ما يُحدّد معايير السلوك الإيجابي الخيّر، ويُرسّخ مفهوم الواجب لدى الأفراد، كما أنها تكبحُ أفعال الإنسان الشريرة فتقاومها وتهذّبها، وبعبارةٍ اخرى هي ما يُملي على الإنسان ما ينبغي فعله وما لا ينبغي فعله.
    ان الاهتمام بالأخلاق ليست وليدة العصر الحديث ,او بسبب ما لحق بالإنسانية من السيطرة وحب التقنية وكثرة الحروب والقفز على كل ما هو اخلاقي , بل نجد ان الاهتمام بالقيم الاخلاقية موجودا في عمق الحضارات القديمة , وبالأخص اليونانية .
     وهنالك تصورا بان هنالك للأخلاق قديم وحديث , فأما التصور القديم عند اليونان فهو مطبوع بطابع السعادة , اي ان اخلاق اليونان هي اخلاق سعادة وتختلف عن الاخلاق الحديثة , وسيما الاخلاق عند كانط , لان هذه الاخيرة هي أخلاق واجب فيقول كانط : افعل هذا لأنه واجبك , في حين يقول الفلاسفة اليونان : افعل هذا لأنه يؤدي الى سعادتك .
وانقسم مذهب افلاطون في الاخلاق الى ثلاثة اقسام رئيسية : الاول يتجه الى البحث في الخير الاسمى , اما الثانية فيتجه الى تحقيق الخير الاسمى عبر جزئياته عن طريق الفضائل , اما الاخير فيتجه الى تحقيق الخير في الدولة,  وهو ذا صلة بالسياسة .
    وفصّل سقراط قديما في مسألة الخير حينما قال ان الخير هو السعادة , لأنه يعتبر من الاشياء التي تحقق السعادة , لأنه يعتبر من الاشياء التي تحقق النفع للإنسان , وان كل عمل اخلاقي الهدف منه تحقيق السعادة , وبالتالي الغاية والباعث في الفلسفة السقراطية متلازمان او هما شيء واحد , ونفس الطرح ابانت عنه نظرية افلاطون الاخلاقية حتى العصر الحديث .
    وان الخير الاسمى من وجهة نظر سقراط هو الصور حسب نظريته المثل , فالوجود الحقيقي هو وجود الصور فكل ما يتصل بهذه الصور اذن هو وحده الوجود الحقيقي, اما القسم الثاني وهو الفضيلة فهو العمل الحق على ان يكون صادرا عن معرفة صحيحة بقيمة الحق فهي قائمة على الرؤية والتفكير وعلى فهم المبدأ الذي ينبثق عنه السلوك , ولا تختلف نظرته عن نظرة استاذه سقراط في الذي كان يضع الفضيلة في العلم , وهي انه مهما اختلفت الفضائل فهي فهي ليست الا اسماء لفضيلة واحدة .
   ومن هنا تكون الفضائل بحسب انواع النفس بحيث تكون الفضيلة الاولى مقابل للقوة الشهوية لان مهمتها تكون في خدمة القوة العاقلة والا تندفع تبعا لهذا ,وان تستعين بالقوة الغضبية من اجل ان تحكم نفسها اي ان فضيلتها  هي العفة وضبط النفس والشجاعة والفضيلة الاخيرة هي تميز القوة العليا بين انواع الخير , وبتحقيق الخير الاسمى تحصل فضيلة الحكمة.
     ان المتفحص للفكر الافلاطوني يصل الى مسلمة واضحة مفادها ان المشكلة الفلسفية الحقيقة التي كان يصبوا اليها في الواقع هو مشكلة السياسة , ومحاولة وضع قاعدة فلسفية ترتكز عليها الدولة سواء ما تعلق بنظام الحكم او صفات الحاكم وكيفية التحقيق لمدينة فاضلة  على ارض فاسدة .
    وكانت معالجة افلاطون للمسائل السياسية جعله يتخذ من الاخلاق منهجها لتهذيبها , مادام ان السياسة في الغالب تستبعد الاخلاق والفضائل على حساب الملكية والتفوق , وبالتالي فان المسألة ليست بالسهلة في إقامة مجتمع يمتلك الفضائل والصفات المثالية .
    ومن الجدير بالذكر هو ان الغاية من الدولة هو تهيئة احسن الظروف من اجل تحقيق الفضيلة , وعندما يتحدث افلاطون عن الغاية من الدولة هو حاجة الفرد الى الجماعة وانه لا يستطيع ان يكون الا في اطار الكل , ومهما يكن من طروحات سقراط وافلاطون وارسطو , فان مهمة الدولة والغاية من تأسيسها فهو لا ينقص من قيمتها الاساسية وهي تحقيق العلم وهذا الاخير لا يتحقق الا عن طريق التعليم والتعليم لا يتم الا بالتربية والتربية لا تترك الفرد وحده , ومن ثم فان تحقيق الظروف لتهيئة العلم هو من ابرز اهداف الدولة حتى يتسنى لها تحقيق الفضيلة وهذا يحتم على الكيان السياسي ان يوفر اشخاص يملكون هذه المزية وهم الفلاسفة وعليه فان اشارة افلاطون هذه تجعل الفلاسفة هم الحكام الشرعيين للدولة .
     وعموما تعتبر الفلسفة السياسة والاخلاقية لأفلاطون متلازمتان بحيث لا يستطيع ان ينكر ترابطية الثنائية فالسياسة هي امتداد للأخلاق ولا يمكن بناء مجتمع من غير اخلاق قوية تتسم بالعلم والعلم والفضيلة ولن يتحقق هذا الهدف من غير ان ينشأ المجتمع وفقا لتربية متكاملة قائمة على حب النفس ومناشدة الخير والمجاهدة لبلوغ الحقيقة وكل هذا لا يتم الا بالعلم والمعرفة .
اما راي الفلسفة الإسلامية فقد تنوعت مباني قيمها الاخلاقية في وكان من ابرزها : 
– ظهور اتجاه عُني بالأخلاق العملية المسقاة من القران الكريم والسنة النبوية وقد مثل هذا الاتجاه : الحسن البصري , والماوردي في كتابه آداب الدنيا والدين .
– اتجاه غلبت عليه النزعة الدينية والصوفية واختلط بكثير من النظر الفلسفي ومثل هذا الاتجاه : ابو حامد الغزالي في كتابه احياء علوم الدين وكتاب ميزان الاعمال .
– اتجاه بنى نظريته على اسس فلسفية متأثرا بالفلسفة اليونانية , ومثله: الكندي والفارابي وابن سينا واخوان الصفا وابن مسكويه وابن طفيل وابن رشد .
وغدت الفلسفة الإسلامية غنية بمبانيها وادلتها العقلية والنقلية وفيها اراء كثيرة وان شاء الله تعالى يتم التطرق لبيانها في مقالات جديدة , ومن الله التوفيق …

شارك هذا الموضوع: