المدرسة العضدية الأولى في كربلاء(369هـ/979م)
 
ان اهتمام البويهيين بالحركة الفكرية، ساعد على النهضة العلمية في كربلاء، لاسيما في عهد السلطان عضد الدولة البويهي في حدود سنة 367هـ/977م، وان محور تلك الحركة يتركز في أروقة الروضة الحسينية المقدسة، التي كانت منطلق بدايات الحركة العلمية بكربلاء وعلى وجه التحديد في القرن الرابع الهجري، فأصبحت كربلاء ملتقى للعلماء واساطين الفكر وطلاب العلم والفضيلة، ومنها انْبعثت وانْطلقت أنوار العلم والمعرفة لأماكن أخرى. 
   منذ بداية العصر البويهي اتخذت المدارس العلمية الدينية في هذه المدينة المقدسة صورة محددة أكثر فأكثر، حتى تحدد مسارها واستقر تنظيمها ابتداءً من القرن الثاني عشر الهجري، أي أن المدارس الدينية في صورتها الجديدة انتشرت في أرجاء كربلاء منذ بداية هذا القرن تقريباً؛ نظرًا لأن الدراسة قبل ذلك الوقت كانت تتم في أي مكان غير المدرسة أي داخل الجوامع والزوايا الدينية، وأروقة العتبتين الحسينية والعباسية.
وأقدم مدرسة علمية دينية بقيت آثارها حتى القرن العشرين هي مدرسة (حسن خان) التي يرجع تاريخ بنائها إلى سنة 1180هـ/1766م، ودرس فيها وتخرّج منها أكابر العلماء وفطاحل الفقهاء الذين ازدهرت بهم الحركة العلمية والتدريسية في كربلاء خلال القرنين الأخيرين.
وقد اتخذ اهتمام البويهيين في الجانب الفكري عدة أوجه، فعند توجههم لبناء الروضة الحسينية المطهرة لم يقتصر البناء على جانب دون آخر، ومن تلك الجوانب: بناء شَمِلَ الصحن الصغير الذي صمم بشكل خاص، يحتوي على مدخلين ومنارتين، والمدرسة العلمية الدينية كجزء من تطوير الحائر، وموقعها بالتحديد محاذ لمسجد رأس الحسين الذي شيده عضد الدولة أيضاً بالقرب من باب السدرة أحد أبواب الروضة الحسينية من الجهة الشرقية، وهو موضع مقبرة السلاطين من آل بويه, 
تعدّ المدرسة العضدية الأولى من أقدم المدارس الدينية ليس في كربلاء فحسب انما في العراق، اسسها عضد الدولة البويهي عند تجديده لبناء مرقد الإمام الحسين (ع) سنة 369هـ /980م؛ لذلك سميت نسبة إلى أسمه.
فهذه المدرسة أُسست في العهد البويهي الذي سبق العهد السلجوقي، والذي عرف في نهضة تأسيس المدارس، بتأسيسه المدرسة النظامية في بغداد من قبل نظام الملك سنة 459هـ/1067م.
بقيت هذه المدرسة شاخصة البناء، وأصبحت أحد الأجزاء المهمة من الروضة يرتادها العلماء والمفكرين للدرس والنقاش، لكن في سنة 1354هـ /1935م إزيلت لغرض فتح شارع يدور حول الروضة الحسينية في المدينة، في العهد الملكي وبالتحديد في رئاسة وزراء ياسين الهاشمي الذي عرف بتوجهاته الطائفية. 
يدرّس في هذه المدرسة فقه الإمام جعفر الصادق (ع)، فهي من الناحية الفكرية تتبع منهج الفكر الإمامي، لكن هذا لا يعني أنها بعيدة عن فقه باق المذاهب، لاسيما إذا ما علمنا بأن العهد البويهي عرف بالانفتاح على المذاهب الأخرى، ويبدو أن علماء العامة الذين وصلوا إلى كربلاء وتوفوا فيها لم يكونوا بعيدين عن تلك المدرسة، من ناحية الفكرية وتبادل الأفكار والنقاشات والعمل العلمي العام؛ كونها كانت المركز الفكري الوحيد في كربلاء بذلك الوقت. 
وقد أسهمت هذه المدرسة في انبعاث الحركة الفكرية في كربلاء، وما يدل على ذلك ذكرها في المصادر رغم قلة المعلومات التي ذكرت عنها، وعند الحديث عن حياة العلماء الذين تتلمذوا فيها، وقد عدت المرتكز الأساس لظهور مدارس أخرى. 
 
المصادر
 
  1. الانصاري، رؤوف محمد علي، عمارة كربلاء، ط1، مؤسسة الصالحاني، دمشق، 2006م، ص186.
  2. الصفدي، صلاح الدين خليل بيك (ت764هـ)، الوافي بالوفيات، تحقيق، احمد الارناؤوط تركي مصطفى، دار احياء التراث، بيروت،2000م، ج12، ص77؛
  3.  الزركلي، خير الدين، الاعلام، ط5، دار العلم، بيروت، 1980م، ج2، ص202؛ الامين، محسن، أعيان الشيعة ، تحقيق ، حسن الأمين ، دار التعارف،  بيروت ، 1983،ج5، 165.
  4. ابن الاثير، عز الدين بن علي بن ابي الكرم (ت630هـ)، الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، د- ت، ج10، ص55.
  5.  ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد(ت808هـ)، تاريخ ابن خلدون، مؤسسة الاعلمي، بيروت،1971م، ج3، ص469.  
  6.  الانصاري، المدارس العلمية الاسلامية في كربلاء، بحث نوقش في وقائع الندوة العلمية التي عقدت دراساتها حول كربلاء في لندن، ط1، دار الصفوة، الكويت، ص657-658.

شارك هذا الموضوع: