مقالة بعنوان ( صيغة فِعَالة بين السماع والقياس)
بقلم : م.م. هبه علي الموسوي  
تَدلّ صيغة بناء المصدر على وزن (فِعَالة) على الحرف والولايات هذا ما ذهب إليه القدماء وعلى رأسهم سيبويه وذلك بقوله: «وأمّا الوِكالة والوِصَاية والجِرَاية ونحوهن فإنّما شُبّهن بالوِلاية لأنّ مَعْنَاهنّ القيام بالشيء.. وعليه الخِلافةُ والإمَارَة والنِّكابة والعِرَافة، وإنّما أردت أن تخبر بالوِلايَة.. ومثل ذلك الإِيَالة ، والعِيَاسَة والسِّيَاسَة».
وكذلك قوله: «وقالوا: التِّجَارة والخِيَاطة والقِصَابَة، وإنّما أرادوا أن يخبروا بالصنعة التي يليها، فصار بمنزلة الوِكَالة وكذلك السِّعَاية، إنّما أخبر بولايته كأنّه جعله الأمر الذي يقوم به».
ويزيد ابن قتيبة (ت276هـ) أمثلةً على صيغة فِعَالَة، وذلك نحو: زَار زِيَارة، وسَاسَ سِيَاسَة، وعَبَدَ عِبادة. و جعل المؤدب فِعَالة مصدرًا مقيسًا يتضح ذلك من قوله: «اعلم أنّ المصادر التي جعلت للصناعات تخرج على (فِعَالة) كالخِبَازَة، والقِصَارة، والخِيَاطَة، والإِمَارَة، والسِّعَاية في ولاية الصدقات». وذكر ابن سيده: «مجيء الفِعَالة فيما كان ولاية أو صناعة وكأنّ الولاية جنس لذلك وكذلك الصناعة وكُلّما كان الجنس على وزن كان النوع على ذلك الوزن وهذا قطع أبو علي». ورأى أنّ مجيء الفِعَالة فيما كان ولاية أو صناعة ليس لازمًا بل غالبًا، فأمّا الولاية فنحو الخِلافة والإمَارة والعِرَافة والنِّقَابة والنِّكابة من المنكب والمنكب الذي في يده اثنتا عشرة عِرافة.. وقالوا في الصِناعة القِصابة وهي الجِزَارة والحِيَاكة والخِيَاطة والخِرَازة والصِّيَاغة والنِّجَارة والفِلاحَة والمِلاحة والتِجارة. ورأى ابن عصفور أنّ «فِعَالَة» مصدر مقيس في الولايات والصنائع ونلحظ ذلك من قوله: «والمقيس منها في الفعلين ما كان يعني: فَعْل على الإطلاق.. وفِعالة في الوِلاية والصِّناعة نحو: الإمَارة والخِلافة والخِياطَة والتِجَارة.. وقد جاء في بعضه فتح الفاء وكسرها نحو: الوِلايَة بمعنى الوِكالَة».
وقال الأشموني: «واستثنى في التوضيح ما دلّ على حرفة أو ولاية، قال: فقِيَاسه الفِعَالة، ومثّل للثاني فقال: كوَلِيَ عليهم وِلايَة، ولم يمثِّل للأول»، وبعد أن تكلّم عن المصادر الثُّلاثية وأبنيتها أردف حديثه هذا بتنبيهين الأَوّل ليس موضع حديثنا، أمّا « الثاني: يستثنى منه ما دلّ على حرفة أو وِلاية فإنّ الغالب في مصدره فِعالة، نحو تَجَر تِجارة، وخَاط خِيَاطة، وسَفَر بينهم سِفارة، وأمَرَ إِمَارة ». ونص صاحب حماة على أنّ مصدر الفعل الثُّلاثي المجرد من الزيادة سماعي والمشهور أنّه اثنان وثلاثون: فِعَالة بالكسر كعِماية وسِراية.
يظهر لنا ممّا سبق ذكره من أقوال العلماء اختلاف آرائهم حول قِيَاسِيَّة (فِعَالة) للدّلالَة على الحرف والولايات أو سماعية هذا المصدر ويتمثل ذلك بما يأتي:
– حسم بعض العلماء الأمر بسماعية مصادر الأفعال الثُّلاثية المجردة بأجمعها، ومنهم الجامي والمغني الكبير.
-على حين رأى بعضهم الآخر غلبة مجيء هذه الصيغة (فِعَالة) للدّلالَة على الحرف والصنائع والولايات، ومنهم: ابن سيده وابن مالك والأشموني والخضريزدي والإسترابادي.
– ورأى بعضهم الآخر  أنّ (فِعَالة) مصدر مقيسٌ للدّلالَة على الحرف والولايات، ومنهم: سيبويه، والأخفش، وابن هشام وابن عصفور.
وحين نأتي إلى المُحْدَثِين نجد أنَّهم لم يغيروا شيئًا ممّا جاء به قدماء اللُّغَويين، فقد ذهب الشيخ أحمد الحملاوي إلى أنّه إذا دلّ الفعل على حرفة أو ولاية فقِيَاس مصدره فِعَالة بالكسر كتَجَر تِجَارة، وعَرَف الفنون عِرَافة: إذا تكُلّم عليهم، ورأى الدكتور فاضل صالح السامرائي أنّ ما دلّ على حرفة أو ولاية فقِيَاسه الفِعَالة بكسر الفاء كالحِياكة والخِيَاطة.عبده الراجحي الذي ذكر أنّ مصدر الثُّلاثي غير قِيَاسي، أي أنّه لا تحكمه قاعِدَة عامة، بل الأغلب فيه السَّمَاع، غير أنّ العلماء حاولوا أن يضعوا الضوابط التي تنطبق على فصائل معينة من الأفعال الثُّلاثية فقالوا: إنّ أغلب الأفعال الدَّالة على حرفة يكون مصدرها على وزن فِعَالة مثل: فَلَحَ فِلاحَة، نَجَرَ نِجَارَة، زَرَعَ زِرَاعة، خَاطَ خِيَاطَة.
وذكر الأستاذ عباس حسن أنّ الماضي الثُّلاثي المفتوح العين إن كان دالاً على حرفة أو ولاية فمصدره (فِعَالة)، نحو: تَجَرَ تِجَارَة. فإن دلّ على صناعة فمصدره الغالب (فِعَالة) نحو: صَاغ الخبير المعادن صِيَاغة دقيقة. وقد أدرجت الدكتورة خديجة الحديثي صيغة فِعَالة فيما دلّ على المهنة أو الصنعة، نحو سَاسَ سِياسَة، ضمن المصادر القِيَاسِيَّة. وجَعل راجي الأسمر (فِعَالة) مصدرًا قِيَاسيًا لما دلّ على حرفة نحو زِراعة، وحِياكة وتِجَارة. وأدرج محمد باسل عيون السود (فِعَالة) ضمن مصادر الأفعال الثُّلاثية المجردة المقيسة، فذكر أنّ فِعَالة يكون مصدرًا لجميع أبواب الفعل الثُّلاثي المجردة عدا باب (فَعِلَ يَفْعَل) إن دلّ على حرفة أو شبهها ويكون من باب (فَعَل يَفْعُل) نحو خَلَف خِلَافة، ومن باب (فَعَل يَفْعِل) نحو: أَمَرَ إِمَارة، ومن باب (فَعِلَ يَفْعِل) نحو: وَلي وِلاية.
     وذكر الدكتور عبده الراجحي أنّ مصدر الثُّلاثي غير قِيَاسي، أي أنّه لا تحكمه قاعِدَة عامة، بل الأغلب فيه السَّمَاع، غير أنّ العلماء حاولوا أن يضعوا الضوابط التي تنطبق على فصائل معينة من الأفعال الثُّلاثية فقالوا: إنّ أغلب الأفعال الدَّالة على حرفة يكون مصدرها على وزن فِعَالة مثل: فَلَحَ فِلاحَة، نَجَرَ نِجَارَة، زَرَعَ زِرَاعة، خَاطَ خِيَاطَة.
 ذهب الدكتور عبدالرؤوف زهدي وآخرون إلى أنّ مصدر الفعل الثُّلاثي سماعي، لا تحكمه قاعِدَة عامة غير أنّ العلماء حاولوا أن يضعوا بعض القواعد التي يؤخذ بها عند صياغة مصادر الأفعال الثُّلاثية القِيَاسِيَّة، وهي على الأغلب تَدلّ على حرفة، … فالأفعال الدَّالة على حرفة يكون مصدرها على وزن فِعَالة، مثل: حَاكَ حِيَاكة، سَاحَ سِيَاحة. ورأى محمد عبدالرحيم عدس أنّ مصادر الأفعال الثُّلاثية كثيرة لا تعرف إلّا بالسَّمَاع، وهناك ضوابط لها غير مطّردة ، ولكنّها تنطبق على أكثرية الأفعال، ومنها فِعَالة فيما دلّ على حرفة.
– وذهب آخرون إلى غلبة مجيء مصادر الأفعال الثُّلاثية المجردة على الأوزان المنصوصة في كتب اللُّغة ومنهم الدكتور عبدالجبار علوان النايلة أنّ هذا النوع من المصادر كثير، وما ذكره سيبويه يرتقي إلى اثنين وثلاثين بناءً، حتّى ذهب بعضهم إلى أنّه (سماعي)، لأنّه يبنى على صور شتّى ولكن قد يتأتى في بعض الصور ما يكون على وجه الغلبة والاطّراد، ومن ثمّ يمكننا أن نقول إنّه أقل قِيَاسًا من مصادر ما فوق الثُّلاثي، وقد وضع العلماء ضوابط للكثير الغالب بحيث تهدى الدارسين إلى معرفة كثير من مصادر الفعل الثُّلاثي منها، فالفعل الذي يدل على حرفة أو منصب يكون مصدره على (فِعَالة) بكسر الفاء وهو كثير شائع حتى قال ابن عصفور بقِيَاسه نحو: تَجَر الرجل تِجَارة، صَاغَ صِيَاغَة. وذكر الدكتور هادي نهر أنّ معظم مصادر الأفعال الثُّلاثية سماعية ليس لها ضوابط قِيَاسِيَّة ثابتة، وإنّما تعرف بالسَّمَاع والنقل عن العرب، ومن الأوزان الغالبة في مصادر الأفعال الثُّلاثية (فِعَالة) بكسر الفاء فيما دل على حرفة نحو (زِراعة) للفعل زَرَع وحِياكة للفعل حَاك.وأشار الدكتور أيوب جرجيس إلى أنّ أغلب الأفعال الثُّلاثية الدَّالة على حرفة يكون مصدرها على وزن فِعَالة مثل: فَلَحَ فِلاحَة، زَرَعَ زِرَاعَة، سَفَر سِفَارة. ووجد الدكتور عبدالحق أحمد محمد الحجي مجيء أغلب المصادر على وفق هذا البناء (فِعَالة) إذا دلّت على ولاية أو صناعة فأمّا الولاية فنحو: الإِمَارة، والخِلافَة، والسَّيَاسَة وأمّا الصِناعة فنحو: التِجَارة والخِيَاطة والنِجَارة.
و أقرّ مَجْمَع اللُّغة العَرَبِيَّة في القاهرة  قِيَاسِيَّة (فِعَالة) للدّلالَة على الحرف والصنائع والولايات وذلك بقراره الآتي:
«يُصاغ للدّلالَة على الحرفة أو شبهها من أي باب من أبواب الثُّلاثي مصدر على وزن (فِعَالة) بالكسر».
ويرى البحث صواب ما ذهب إليه مَجْمَع اللُّغة العَرَبِيَّة من القول بقِيَاسِيَّة فِعَالة للدّلالَة على الحرفة أو شبهها، من أي باب من أبواب الثُّلاثي، بناءً على المسوِّغات الآتية:
أوّلاً: إجماع كبار العلماء القُدَمَاء ومن تابعهم أمثال سيبويه، والأخفش، ومن المتأخرين ابن مالك على قِيَاسِيَّة (فِعَالة) للدّلالَة على الحرفة والولاية، وأيضًا ذهاب الرضي إلى صوغ فِعَالة من أي باب من أبواب الثُّلاثي سواء كانت من اللازم أم المُتَعَدِّي.
ثانيًا: كثرة الألفاظ التي تأتي على هذه الصيغة (فِعَالة) دالةً على الحرف والصنائع والولايات يتبين ذلك كثرة ما أوردنا من أمثلة، نحو: كَتَب كِتابة، صَنَع صِنَاعة… الخ.
ثالثًا: عصرنا الحالي الذي نعيش فيه متطور يتضمن صنائع وحرف جديدة يتطلبها العصر ولا يخفى حاجتنا إلى هذه الصنائع لما ترجع علينا بالنفع في حياتنا اليومية، وهذه الصنائع كما ذكر الشيخ أحمد الحملاوي لم تكن تعَرَّفَهُا العرب ولا الدول العَرَبِيَّة الإسلامية الأَوّلى، أو عرفتها ولم يضع علماؤها لها أسماء ولا أسهل على الواضع من وضعها جميعها إذا عرف أنّ له الحق في أن يصوغ قِيَاسا من الفعل الذي يؤدي معنى عمل هذه الصناعة مصدرًا على وزن فِعَالة، فلذا لا بدّ من الرجوع إلى وزن معين أو بالأحرى صيغة معينة يسهل الرجوع إليها والصوغ على مثالها عندما تستحدث لدينا حرفة أو ولاية أو صناعة وهذا الأمر ييسر وضع المُصْطَلَحَات العلمية ومواكبة حديثها ولا سيما المترجمة منها، ومن هذه الألفاظ: نِجَارة، حِدَادة، سِبَاكة، خِرَاطة، زِهَارة ، طِبَابة، مِسَاحة، نِحَالة.
المصادر والمراجع :
– كتاب سيبويه.
– دقائق التصريف، القاسم بن محمد بن سعيد المؤدب.
– شرح الكافية الشافية، ابن مالك،شرح شافية ابن الحاجب في علمي التصريف والخط، الخضريزدي ، شرح شافية ابن الحاجب،ارتشاف الضرب، أبو حيان الأندلسي.
– المخصص ، ابن سيدة.
– الكناش ، صاحب حماة.
– معاني الأبنية في العربية، د. فاضل صالح السامرائي.
– التطبيق الصَّرفي ، د.عبده الراجحي.
– النحو الوافي، عباس حسن.
– أبنية الصرف في كتاب سيبويه، أبحاث صرفية، د. خديجة زبار الحمداني.
– علم الصّرف، راجي الأسمر.
– المعجم المفصل في تصريف الأفعال العربية، محمد باسل عيون السود.
– التطبيق الصَّرفي ، د.عبده الراجحي.
– الواضح في قواعد النحو والصَّرف، محمد عبدالرحيم عدس.
– مَجْمَع اللُّغَة العربِيَّة في ثلاثين عامًا(مجموعة القرارات العلمية).
– الغرض من قرارات المَجْمَع والاحتجاج لها ، أحمد الإسكندري ، عضو مَجْمَع اللُّغَة العَرَبِيَّة ، مجلة مَجْمَع اللُّغَة العَرَبِيَّة الملكي.
– معجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية الجديدة، د.أحمد شفيق الخطيب.
 

شارك هذا الموضوع: