مقالة-تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية والقيم الثقافية
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية والقيم الثقافية
The impact of social media on social relationships and cultural values
مقال من إعداد
م.م. أمير علي هادي
التخصص / علم الاجتماع
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية/ قسم العلوم التربوية والنفسية
مقدمة
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس في العصر الحديث، فقد سهلت وسائل التواصل على الأفراد من مختلف الجنسيات والثقافات التفاعل وتبادل المعلومات والأفكار، مما أسهم في بناء علاقات جديدة وعالم افتراضي يتجاوز الحواجز الجغرافية. ومع أن هذا التواصل المكثف يعزز بعض الجوانب الإيجابية في حياة الأفراد، إلا أن هناك مخاوف متزايدة بشأن الآثار السلبية لهذه الوسائل على الروابط الاجتماعية والقيم الثقافية، خاصة فيما يتعلق بتأثيراتها على الهوية والانتماء الثقافي. يسعى هذا المقال إلى مناقشة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية والقيم الثقافية، متناولاً الجوانب الإيجابية التي تسهم في التواصل والتفاهم، وكذلك السلبيات التي تؤدي إلى تغيرات جوهرية في الأنماط الاجتماعية والثقافية.
أولاً: تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية
1) تعزيز التواصل وتوسيع دائرة العلاقات
ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في تعزيز التواصل الفوري بين الأفراد، فقد أزالت الحواجز الزمنية والجغرافية، مما جعل من السهل على الأفراد التواصل مع الأصدقاء وأفراد العائلة في مختلف الأماكن حول العالم. هذه الوسائل أسهمت في تعزيز العلاقات الأسرية وتوطيد الصلات بين الأصدقاء، حيث بات بالإمكان متابعة أخبار الأهل والأصدقاء ومشاركتهم لحظات الحياة عبر الصور والمنشورات. إضافة إلى ذلك، أتاحت وسائل التواصل للأفراد التعرف على أصدقاء جدد والانضمام إلى مجموعات واهتمامات مشتركة، مما يعزز الانفتاح والتعايش.
2) تآكل الخصوصية وتغير مفهوم العلاقات
على الرغم من تسهيل التواصل، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى تآكل الخصوصية بشكل ملحوظ، حيث يُشجع الأفراد على مشاركة المعلومات الشخصية بشكل علني ومستمر، مما يضعف الحدود الفاصلة بين الحياة الشخصية والعامة. يؤدي هذا إلى التأثير على طبيعة العلاقات الاجتماعية، حيث تقل مستويات الثقة في بعض الأحيان، ويصبح الأشخاص أكثر عرضة للتعرض للنقد والمقارنات. أدى هذا إلى تغيير في مفهوم العلاقات، إذ أصبحت العلاقات أقل عمقًا وحميمية، ما قد يحد من التعبير العاطفي الصادق بين الأفراد.
3) الانعزال الاجتماعي
من المفارقات أن وسائل التواصل الاجتماعي، رغم تعزيزها للتواصل، قد تؤدي إلى الانعزال الاجتماعي في بعض الحالات. إذ إن الاعتماد الزائد على التفاعل الافتراضي قد يقلل من فرص التفاعل الواقعي، مما قد يقود إلى شعور الفرد بالعزلة والانفصال عن المجتمع الحقيقي. فقد أصبح البعض يفضلون التواصل عبر الرسائل والمنشورات على حساب اللقاءات الواقعية، وهذا يؤدي إلى تراجع التفاعل الاجتماعي الفعلي وقضاء وقت أقل مع الأهل والأصدقاء.
4) التوتر الاجتماعي والمقارنات غير الواقعية
أسهمت وسائل التواصل في خلق بيئة تنافسية في بعض الأحيان، حيث يواجه الأفراد ضغوطًا نفسية نتيجة المقارنات المستمرة مع الآخرين على أساس صور ومظاهر الحياة المثالية التي تُعرض عبر تلك الوسائل. يعرض بعض الأشخاص مظاهر النجاح والرفاهية، مما يُشكل ضغطًا نفسيًا على الآخرين، وقد يؤدي إلى تقليل رضا الفرد عن حياته وتقدير ذاته. هذا الضغط يسهم في خلق تنافس غير واقعي يؤثر سلبًا على العلاقات بين الأفراد.
ثانيًا: تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على القيم الثقافية
1) العولمة الثقافية والتداخل الثقافي
وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت بشكل كبير في نشر ثقافات متعددة حول العالم، مما خلق تداخلاً ثقافيًا غير مسبوق. هذا التداخل له جانبان؛ أحدهما إيجابي يتمثل في تعزيز التفاهم والتعايش الثقافي بين الشعوب، إذ أصبح الناس قادرين على التعرف على ثقافات جديدة وممارسات مختلفة. أما الجانب السلبي فيكمن في ضياع بعض القيم الثقافية التقليدية، حيث قد يتأثر الأفراد بتلك الثقافات الجديدة ويبتعدون عن قيمهم الأصلية، مما يؤثر على هوية الأفراد ويفقدها تماسكها.
2) تغير مفاهيم الهوية
تشجع وسائل التواصل الاجتماعي الأفراد على تبني هويات متجددة ومتنوعة، حيث يمكن للأشخاص تبني شخصيات مختلفة على الإنترنت، مما قد يؤدي إلى تداخل في الهويات الثقافية للأفراد والمجتمعات. هذا التداخل يعزز تحديات الحفاظ على الهوية الثقافية الأصلية، حيث يميل البعض إلى تقليد ما يرونه من أنماط حياة وتقاليد مختلفة، مما قد يؤدي إلى ضياع الهوية الأصلية للأفراد وتأثرها بالثقافات الوافدة.
3) التأثير على اللغة
أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى انتشار استخدام اللغات الأجنبية أو اللهجات العامية، مما يهدد اللغة الفصحى. بات الأفراد، خصوصًا الشباب، يستخدمون كلمات أجنبية ومصطلحات حديثة أثناء تواصلهم عبر هذه الوسائل، وهذا قد يُضعف من دور اللغة الأم ويؤثر على القيم الثقافية المرتبطة بها. فضعف اللغة الأم يُعدّ تهديدًا لقيم المجتمع الثقافية، إذ تمثل اللغة جزءًا مهمًا من الهوية الوطنية والثقافية.
4) التغيير في القيم الاجتماعية
انتشرت بعض القيم مثل الاستهلاك والبحث عن الشهرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يركز الأفراد على استعراض حياة ترفية ومظاهر للرفاهية، مما يعزز القيم الفردية على حساب القيم الاجتماعية التقليدية مثل التعاون والمشاركة. ينتج عن هذا التحول تأثر القيم العائلية والمجتمعية، إذ تتغير الأولويات الاجتماعية لتصبح أكثر فردية، فيظهر الاهتمام بالمظاهر الخارجية والممتلكات، على حساب الروابط الأسرية والاجتماعية المتينة.
قراءة سوسيولوجية لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي
تشكل وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة فعالة للتواصل بين الأفراد، وقد ساهمت في بناء مجتمعات افتراضية تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية. لكن مع كل هذه الفوائد، فإن تأثيرها على القيم الاجتماعية والثقافية يحمل الكثير من التعقيدات. من الجانب السوسيولوجي، أدى انتشار هذه الوسائل إلى خلق نوع جديد من العلاقات الافتراضية التي تفتقد للحميمية والتواصل الصادق، مما ينعكس على العلاقات الواقعية. وفيما يلي التأثير الإيجابية والسلبية لوسائل التواصل الاجتماعي وهي:
أولًا/ التأثيرات الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي
توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية: أسهمت وسائل التواصل في تسهيل التواصل مع الأصدقاء والعائلة بغض النظر عن المسافات الجغرافية، مما ساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية بين الأفراد.
دعم التنوع والتبادل الثقافي: ساعدت وسائل التواصل الأفراد على التعرف على ثقافات متعددة وتبادل الأفكار، مما يعزز التفاهم بين المجتمعات.
زيادة الوعي الاجتماعي والثقافي: تتيح هذه الوسائل للأفراد المشاركة في حملات للتوعية بالقضايا الاجتماعية مثل حقوق الإنسان، مما يعزز الوعي المجتمعي ويزيد من تفاعل الأفراد مع قضايا مجتمعهم.
ثانيًا/ التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي
التأثير السلبي على العلاقات الشخصية: على الرغم من سهولة التواصل، إلا أن الاعتماد الكبير على هذه الوسائل قلل من التفاعل الواقعي، مما قد يسبب ضعفًا في نوعية العلاقات الشخصية.
تراجع القيم الثقافية التقليدية: بسبب التوجهات العالمية، بدأت بعض القيم الثقافية المحلية تتراجع، مما قد يؤثر على الهوية الثقافية للأفراد والمجتمعات.
تعزيز نمط الحياة الاستهلاكي: تشجع وسائل التواصل الاجتماعي على ثقافة الاستهلاك، مما يضعف من القيم الاجتماعية ويؤدي إلى الاهتمام بالجانب المظهري والمادي.
خاتمة
تظل وسائل التواصل الاجتماعي سلاحًا ذو حدين، إذ يمكن استخدامها لتعزيز الروابط الاجتماعية والتفاهم الثقافي، كما قد تسهم في تآكل القيم الثقافية التقليدية وتغيير طبيعة العلاقات الاجتماعية.
خاتمة:
وسائل التواصل الاجتماعي هي سلاح ذو حدين؛ فهي تسهم في تعزيز العلاقات وتبادل الثقافات، إلا أنها قد تؤدي أيضًا إلى تآكل الخصوصية والانفصال عن القيم الثقافية التقليدية. من المهم التعامل بحذر مع تأثيراتها، والسعي لتحقيق توازن بين الاستفادة من مزاياها والحفاظ على الهوية الثقافية والعلاقات الاجتماعية الحقيقية.
في النهاية، يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل قوة ذات حدين؛ فهي تفتح الأبواب أمام التواصل والتقارب بين الأفراد على مستوى عالمي، لكنها تحمل في الوقت نفسه تحديات على صعيد العلاقات الاجتماعية والقيم الثقافية. يعتمد تأثيرها على كيفية استخدامها ووعي الأفراد بتأثيراتها، مما يستدعي التفكير الجاد في كيفية تعزيز القيم الإيجابية والحد من التأثيرات السلبية على المجتمع.
المصادر
اللبان ,شريف درويش, تكنولوجيا الاتصال ,المخاطر والتحديات والتأثيرات الاجتماعية, القاهرة, الهيئة المصرية العامة للكتاب,2008,ص 41.
علي اسماعيل, مواقع التواصل الاجتماعي بين التصرفات المرفوضة والاخلاقيات المفروضة, القاهرة , دار التعليم الجامعي , 2019 , ص 81.
شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية نظرة في الوظائف , مرسي مشري, المستقبل العربي, لبنان مج 34,ع395 يناير 2012 م .
مها عبد الباقي جويلي , شبكات التواصل الاجتماعي, المشكلات التربوية وكيفية المواجهة, الفيس بوك نموذجا, مجلة الثقافة والتنمية, مصر, س 16 ,ع 96 ,سبتمبر, 2015.