سياسة دونالد ترامب في الشرق الأوسط بين فترتين
فى السادس عشر من أغسطس الماضى أثار دونالد ترامب جدلا كبيرا، عندما قال خلال لقاء مع الجالية اليهودية فى الولايات المتحدة: «هل هناك طريقة للحصول على المزيد من الأراضى لإسرائيل، لأنها صغيرة على الخريطة بالمقارنة مع الدول الأخرى فى الشرق الأوسط؟».
وفى السادس من نوفمبر الجارى، قال ترامب فى خطاب النصر الذى ألقاه أمام أنصاره، بعد حسمه معركة الانتخابات الرئاسية ضد منافسته كامالا هاريس: «لن أبدأ الحروب، سأنهيها، ولن يكون من الضرورى استخدامها.. دعونا نأمل أنه لن تكون هناك حروب».
التدقيق الشديد والمعمق فى هذين التصريحين يكشف لنا بوضوح عن رؤية ترامب لأهم القضايا المصيرية فى المنطقة، ونعنى بذلك قضية الصراع العربى الإسرائيلى، وأخطر ما فى هذه الرؤية أن الرجل العائد لمنصبه كرئيس لأقوى دولة فى العالم، لن يتقيد بالحدود والحقوق وقرارات الشرعية الدولية والخرائط التاريخية حال تدخله لوقف الحرب، لكنه سيعمل على تجاوزها بل وحرقها – إن أمكن – من أجل إرضاء الكيان الصهيونى، ومنحه الفرصة كاملة لفرض السيطرة التامة والمطلقة على المنطقة.
كسب دونالد ترامب رهان العودة إلى البيت الأبيض بعد انتصار واضح وسريع، إذ فاز بالولايتين المتنازع عليهما، كارولاينا الشمالية وجورجيا، خلال ساعات قليلة، قبل أن تعطيه بنسلفانيا وويسكونسن الدفعة النهائية. هذه المفاجأة “التاريخية” التي ترددت أصداؤها عبر العالم، يرتقب أن يكون لها تداعيات كبيرة على مسار كثير من الملفات بالشرق الأوسط وفي المنطقة العربية عموما. وفيما تعقد دول آمالها على ترامب لإحلال السلام، تتوجس أخرى من تبعات سياسته الموسومة بعدم الاستقرار واحتمالات إثارتها مزيدا من التوترات
يرتقب أن تنجم عن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تغييرات جذرية في علاقات الولايات المتحدة مع كثير من دول العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، حيث سيستفيد بعضها من سياساته، بينما قد تجد بلدان أخرى نفسها مضطرة للتكيف مع تداعياتها وتحدياتها.
الحرب في غزة ولبنان
لعل أبرز القضايا التي يرتقب أن يحدث انتخاب ترامب تغييرا جذريا في مسارها، الحرب المتواصلة في غزة ولبنان بين إسرائيل من جهة، وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” وحزب الله اللبناني من جهة أخرى. إذ تعهد الرئيس المنتخب غير مرة بإيقاف النزاع المسلح والمساعدة على بلوغ اتفاق ينهي سقوط مزيد من الضحايا.
لكن في المقابل، وبالنظر إلى سياسات ترامب السابقة، يرجح استمرار بل وزيادة الدعم الأمريكي لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية. وقد يعني هذا مزيدا من الابتعاد عن حل الدولتين وزيادة في الاعتراف بالمستوطنات الإسرائيلية.
لطالما وصف ترامب نفسه بأنه “أفضل صديق” لإسرائيل، وقال خلال خطابه أمام المجلس الإسرائيلي الأمريكي في واشنطن في 19 سبتمبر/أيلول الماضي “سنجعل إسرائيل عظيمة مرة أخرى” وأكد أنه مع تصويت اليهود الأمريكيين، سيكون “المدافع عنهم” و”حاميهم” وأنه “أفضل صديق لليهود الأمريكيين في البيت الأبيض”.
من جهة أخرى، سبق لترامب أن حث رئيس الوزراء الإسرائيلي على التعجيل بإنهاء الحرب فحضه قائلا “يجب أن تنهيها بأقصى سرعة”.
طرفا النزاع المستمر تفاعلا بشكل متباين مع فوز ترامب بالانتخابات، فبينما دعته حماس إلى “وقف الدعم الأعمى لإسرائيل” وأبدت تمسكها بعدم قبول أي مسار “ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس”، بدا نتانياهو أكثر سعادة بالنتائج فهنأ حليفه العائد إلى سدة الحكم معتبرا أنها “أعظم عودة في التاريخ” وبداية جديدة للتحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
الملف الإيراني
يرجح مراقبون أن ينهج ترامب سياسة أكثر حدة تجاه إيران من خلال إعادة فرض عقوبات مشددة ومواصلة الضغط الاقتصادي، مما قد يفاقم التوترات في المنطقة.
هذا الأمر قد يُلهم التحالفات الخليجية لتعزيز دفاعاتها، مما قد يزيد من مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول الخليج.
خلال ولايته الأولى، أعاد ترامب فرض العقوبات على إيران بعد انسحابه من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين طهران والقوى العالمية والذي كبح جماح البرنامج النووي لطهران مقابل امتيازات اقتصادية.
وأثرت إعادة فرض العقوبات الأمريكية في عام 2018 على صادرات إيران النفطية، مما أدى إلى خفض العوائد الحكومية وإجبار طهران على اتخاذ خطوات لا تحظى بقبول شعبي، مثل زيادة الضرائب فضلا عن مواجهة عجز كبير في الميزانية، وهي السياسات التي أبقت التضخم السنوي بالقرب من 40 بالمئة.
وانخفضت قيمة الريال الإيراني مع احتمال فوز ترامب بالرئاسة، إذ وصل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 700 ألف ريال مقابل الدولار في السوق الحرة، وفقا لموقع بونباست دوت كوم الذي يتتبع العملة الإيرانية.
العلاقة مع دول الخليج
من المتوقع أن يعزز ترامب علاقاته مع دول الخليج العربية، خاصة مع السعودية والإمارات، اللتين كانتا حليفتين قويتين خلال ولايته السابقة. سياسات ترامب الاقتصادية والأمنية قد تقود إلى تعزيز التحالفات في مواجهة النفوذ الإيراني ، لكنها في المقابل قد تصطدم بعقبات مرتبطة أساسا بالتطبيع الذي حدث بين الرياض وطهران، ما قد يدفعه للتفكير في خفض التصعيد مع إيران أو إيجاد صيغ توافقية بديلة تستحضر خارطة التحالفات الجديدة.
لكن عموما، فإن نظرة ترامب إلى الخليج لن تتغير، خاصة في ظل الصعود الاقتصادي لهذه الدول، وأيضا موقعها الجغرافي الاستراتيجي أو حتى الإقليمي سواء من الناحية المالية أو دور الوساطة الذي تلعبه بعضها.
من جانب آخر، يرجح أن تستمر سياسات ترامب في دعم إنتاج النفط المحلي الأمريكي مما سيضغط على أسعار النفط، وهو أمر قد يؤثر على اقتصادات الدول الخليجية المعتمدة على صادرات النفط.
في هذا السياق، يقول عضو الحزب الجمهوري حازم الغبرا إن إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن تبنت “موقفا سلبيا فيتعاملها مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ، ومثال ذلك سعيها لاستمالة إيران وتخفيف اللهجة في التعامل معها، ما اعتبره كثيرون تنازلات”.
هذا الأمر وفق المتحدث “آذى الشراكة التاريخية بين الولايات المتحدة ودول عربية بارزة في المنطقة”.
اتفاقيات أبراهام
خلال حملته الانتخابية، منح ترامب حيزا مهما في خطاباته لاتفاقات أبراهام بين إسرائيل ودول عربية للحديث عن إنجازاته وقدرته على إحلال السلام في منطقة تتخبط وسط النزاعات والحروب. بعد انتخابه، قد يسعى ترامب لدفع مزيد من الدول العربية لتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، ما يمكن أن يغير ديناميكيات العلاقات الإقليمية ويعزز فكرة “السلام الاقتصادي” بدلا من الحلول السياسية للصراعات.
إن إدارة بايدن فشلت في صون الاتفاقات وتطويرها، بينما ترامب سيعمل على توسيعها وتفعيلها من جديد سعيا لإحياء مسار السلام في الشرق الأوسط”.
أيضا أن “وقف الحرب في غزة يحتاج إلى أفكار جديدة وحلول ناجعة غير أن بايدن بدا فاقدا لأي منهجية. حيث حاول وقف الحرب لكن دون جدوى”.
في مقابل الإشادة بخطوة ترامب، يرى آخرون أن الطريقة التي تكشفت بها الاتفاقات لم تساهم بما يكفي في تعزيز سلام حقيقي على مستوى المنطقة. وعلى الرغم من أنها رمت إلى كف سياسات الضم الإسرائيلي الرسمية للضفة الغربية، لم توقف التوسع الاستيطاني المستمر وعنف المستوطنين الذي يقوض إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية دائمة.
قيود على مهاجري الشرق الأوسط
يعول ترامب على أن يتمسك بسياسته المتشددة تجاه المهاجرين من دول منطقة،الشرق الأوسط مما قد يعيق فرص اللاجئين والمهاجرين العرب في الحصول على فرص حياة أفضل في الولايات المتحدة.
تبعا لذلك، تتزايد المخاوف من تأثر الدعم الإنساني، إذ من المحتمل أن يتراجع الدعم الأمريكي للبرامج الإنسانية التي تدعم اللاجئين والنازحين في المنطقة، مما يضع ضغطا أكبر على الدول المستضيفة ويحد من الدعم المخصص لجهود الإغاثة.
الصحراء الغربية
لطالما كان ملف الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة بوليساريو في صلب السياسة الخارجية للرباط، إذ عملت المملكة على إقناع دول أخرى بالاعتراف بالمنطقة أرضا مغربية في مواجهة مطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر بالاستقلال.
وفي ديسمبر/كانون الثاني، شكل الاعترف التاريخي لترامب، وقتها رئيسا للولايات المتحدة، بالسيادة المغربية على المنطقة في إطار اتفاق شمل أيضا تعزيز العلاقات الدبلوماسية المغربية مع إسرائيل، نقطة تحول مفصلية في الملف، لكن آمال ترجمة هذا الموقف إلى خطوات عملية سرعان ما تلاشت بعد تبني قدوم إدارة بايدن نهجا دبلوماسيا أكثر حذرا خلال تعاطيها مع قرار الاعتراف، إذ حرصت على اختيار مسار متوازن يجمع بين التأكيد على ثبات موقفها من دعم السيادة المغربية على الإقليم من جهة، والإشارة إلى دعم الجهود الأممية لحل النزاع عبر مبعوثها الخاص ستافان دي ميستورا من جهة ثانية، في حين لم تتخذ أي خطوات عملية لترجمة قرار الاعتراف على أرض الواقع.
وعلى الرغم من تعليق المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، تأكيده على أنه “لم يحدث أي تغيير في سياستنا” بشأن ملف الصحراء، عندما سُئل في 17 تشرين الأول/أكتوبر، عن موقف بلاده من مقترح المبعوث الأممي بتقسيم الإقليم بين المغرب والبوليساريو، عبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قبل تقديم المبعوث الأممي لخطته المثيرة للجدل والتي تضمنت “تقسيم الإقليم”، مطلع الشهر الماضي، عن دعم واشنطن لدي ميستورا، وجهوده لدفع المفاوضات التي تؤدي إلى “حل سياسي دائم للصحراء الغربية دون مزيد من التأخير”.
كما أشار بلينكن، خلال محادثات مع نظيره المغربي، ناصر بوريطة، إلى أن واشنطن “لا تزال تعتبر مقترح الحكم الذاتي المغربي جادا وذا مصداقية” لكن دون توظيف نفس اللهجة الواضحة مثل إدارة ترامب.
اليوم، وبعد عودة الجمهوري إلى البيت الأبيض، يعول المغرب على استئناف دعمه الواضح لموقفه، بالرغم من التغيرات الجيوسياسية التي من شأنها التأثير على مسار التعامل مع القضية، خاصة وأن البعض يرهن ذلك بمدى التزام الرباط بعلاقاتها مع تل أبيب.