يعدُّ هابرماس العقلانية سمة من سمات الفكر ويطلق عليها بالعقلانية الاجرائية المتجسدة في الممارسات الحجاجية ولذلك يعتبر هابرماس الافعال التواصلية بأنها : هي تلك الافعال التي يكون فيها مستويات الفعل بالنسبة للفاعلين المنتمين الى العملية التواصلية غير مرتبطة بحاجيات السياسة بل مرتبطة بأفعال التفاهم ولا تفاهم من دون لغة ، فجوهر الفعل التواصلي العقلاني هو الفعل التواصلي القوي باعتبار هذا الاخير محايث للعقلانية التواصلية التي يكون المشتركون فيها متوفرين على فرصة امكانية النقد لادعاءات مخاطبيهم عكس ما في الفعل التواصلي الضعيف .()
وتجدر الإِشارة ان الفعل التواصلي لا يقف عند حدود التبادل المعرفي في سياقاته الاجتماعية والدينية والسياسية المختلفة، وإنما يقوم بعملية التأويل وتختلف درجات التأويل باختلاف القارئين والمسؤولين والمتلقين على مختلف مستوياتهم الثقافية.()
وينبغي ان يكون الفعل التواصلي حاملاً لقضايا إِنسانية فيها قيم اخلاقية واجتماعية ودينية ؛ لان العلاقات الإنسانية في أي مجتمع هي علاقات تتصف بالصدق واحياناً بالتمثيل والخداع ولهذا اقترح هابرماس نظرية سمّاها ((اخلاق المحادثة)) وهي فلسفة تعتقد بأن الفعل التواصلي ينبغي ان يخضع لمعيار الأخلاق الذي يتفق عليه افراد المجتمع.()
ويبدو ان الطرح الجديد في فكر هابرماس في الفعل التواصلي هو اعتماده قاعدتين أساسيتين في المحادثة هما قاعدة حرف (u) وهي التي تسمى بالقاعدة الكونية؛ لأجل خلق لغة تواصل شمولية، والقاعدة الثانية هي قاعدة (D) الديمقراطية، ومفهومها انها قاعدة تؤكد على ان افراد المجتمع شركاء متفقون على لغة تواصلية، وتؤكد على كلية وشمولية اللغة وديمقراطيتها، وتشاور الناطقين بها.()
ومن هنا يخضع الفعل التواصلي بين المرسل والمتلقي الى عملية استفهام وتوقف وتأني في تلقي الخبر؛ لان الكلام يكون مبنياً على الأخبار أَو الإبهام أَو الأغراء-ولهذا دعا هابرماس الى كونية الفعل التواصلي وشموليته وليس القصد من هذا التركيز على الجوانب التركيبية والدلالية للغة وانما ينبغي التركيز على اللغة بعدها مكونا أساسيا لتمرير خطابات تواصلية اجتماعية ودينية مفهومة ومتداولة بين المرسل والمرسل اليه وبشكلها الكوني والشمولي ().
كما ان هابرماس اعتبر الفعل التواصلي انه اتفاق بين الناس من أجل تحقيق متطلباتهم الحياتية بشكل عقلاني منظم تربط بينهم علاقات اجتماعية خاضعة لمقياس الصدق والكذب ولذا فهو يعد ((الفعل الكلامي التواصلي)) قيمته اجتماعية عُليا تُبنى وتتبلور في إِطار اجتماعي توافقي تداولي بين افراد المجتمع، يشكل لديهم قانوناً تواصلياً، ومن هذا المفهوم أسس هابرماس نظرية اجتماعية وثقافية تخصُّ الفعل التواصلي تسمع بقيام تفكير عقلي ونقدي يتناسب مع متطلبات العصر الحاضر.()
ويمكن القول ان الفعل التواصلي لا يقف عند حدود تبادل المعطيات المعرفية في السياقات الاجتماعية المتنوعة وانما يقوم بعملية التأويل، وهذا الأخير لايتمُّ بطريقة عفوية وإنما يقوم على قواعد خاضعة للفعل وقابلة للتعايش مع المجتمع بكل افراده وطبقاته.
والفعل التواصلي يقوم على مجموعة من القواعد المنظمة التي يتفق عليها افراد المجتمع، كما دعاها (هابرماس) الى كونية الفعل التواصلي وشموليته، وليس التركيزها هنا يكون على الجوانب التركيبية والدلالية للغة، وانما ينبغي التركيز على اللغة باعتبارها مكوناً اساسياً لتمرير خطابات تواصلية اجتماع ويمكن الإشارة الى قضية هامة في هذا المحور ان نظرية هابرماس التواصلية، هدفها ضبط علاقة الأفراد بالآخر وإخضاع العلاقات الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية الى التداول والتحاور. مما يعني ان اخلاقيات التواصل عند هابرماس لا تقوم على مبدأ الغلبة والقوة ، بل تقوم على قوة المحاججة والاقناع التي تؤسس لبنية تواصلية اجتماعية قوامها التفاهم والاتفاق التي تنبني على معايير البرهنة والتبرير الجماعي العقللاني فثمة نظام اخلاقي ضمني يحاول الكشف عنه من خلال فكرة الكلية الاخلاقية يتمثل في نظام اخلاقي ينطبق على جميع البشر ()
إذن هناك عوامل عديدة تتضافر جميعاً في الفعل التواصلي تعمل على بيان ان اللغة تساهم فيها سياقات مختلفة لتبليغ رسالة خطابية للمتلقي من متضمنيه لأغراض تواصلية متعددة.
إذ تغدو (لغة التواصل) عاملاً من عوامل الاندماج الاجتماعي حيث اللغة تصبح وسيلة تركيبية لربط العلاقات القانوينة والإِدارية بين مكونات المجتمع، اي ان اللغة تقوم بدور الموّحدين بين افراد المجتمع بطريقتين: الأولى تزامنية بأفعال تواصلية تميز الترابطات الاجتماعية، واخرى تعاقبية من خلال افعال تواصلية ايضاً تتم بها العلاقات الثقافية، وهذا يؤكد العلاقة الجدلية بين اللغة والعقل التي يؤكدها هابرماس.()
شروط تحقق التجربة التواصلية.()
هو علاقة تفاعل بين ذاتي أَو اكثر داخل مجال العالم المعيش ، فلذلك من حق اي فرد له حق المقدرة على الفعل وعلى الحوار والكلام وان يشارك في التجربة التواصلية ، على ان يعلن الاعتراف بمزاعم أَو مطالب الصدق المتفق عليه بين الذوات .
اللغة هي روح عملية التواصل بين الذوات المشاركة في التفاعل وبينهم وبين العالم الخارجي ، بعدِّ اللغة هي أَساس التواصل سواء أَكان المشارك متكلما أَم مستمعا ،وبالتالي يتحرر النقاش من كلِّ أنواع التسلط والهيمنة التي يمكن ان يتعرض لها من الخارج ، اي ان الحوار يجب ان يكون حرا بين ذوات حرة ومتكافئة في المكانة والمستوى لضمان موقف مثالي للحديث .
الحوار يجب ان يتوافر على قواعد أخلاقية والتي من أهمها ضمان الإجماع الذي لايمكن ان نصل اليه الا من خلال مفهوم الأطروحة ، وبهذا يخضع الحوار لمقاييس عقلانية تفرض نفسها على اطراف التواصل ، فلذلك يقول هابرماس (إِنَّ قوة برهان ما ، تقاس داخل سياق معين بصحة الحجج وهذه الصحة تظهر من بين ما تظهر قدرة تعبير معين على إقناع المشاركين وعلى تبرير قول ادعاء الصلاحية .
ان اخلاقيات النقاش تفترض ان المشارك في التواصل يختار تعبيرا معقولا ودقيقا لكي يتمكن المتحاورن من تفهم بعضهم ، والمتكلم يجب له نية توصيل المعنى وتصبح العلاقة بين الصادق والمصدق ، فالبرهان القوي هو الذي يفرض نفسه في عملية الحوار ويستمد منه معايير تواصلية فيعتمد على الدلالات وعلى الجانب الاخلاقي .