رحلة الكلمة   
 أ.د. عمار محمد يونس 
جامعة كربلاء / كلية التربية للعلوم الإنسانية / قسم التأريخ 
2024-2025م                                            
                                                
  الكلمة في أصلها بريئة ونحن من شَحنها بالمعنى؟ نعم نحن من شحنها بالمعنى فصارت تسعى إلينا بصورٍ شتى وتصدر عنا بصورٍ شـتى، وكـذا أمسينا كمن يـدرك النتـائـج قبـل التجربة!
  الكلمة صوت حروفٍ اجتمعت مع غيرها شفاهية فتشكلت لغةً، والاخيرة شأنٌ من شؤون الأدراك، لذا فهي قاصرة طالما كانت دون لغة الكامل. واجتمعت تدوينا فرسمت سطورا ونصوصا تحمل غيثها فتلقيه في عقول تصحرت بفعل أهلها.  ورغم أنها الضابط للفهم، إلا أنها كثيراً ما استخدمت بشكل مجاني و فوضوي من حيث الدلالة فأحدثت فوضى ذهنية أنتجت مفاهيماً مضطربةً، لذا فمن الضروري أن نعود بها نقيةً كما كانت قبل شحنها بالمعنى، لأن نقاءها من شوائبها يمكننا من الدخول إلى النصوص وفهم مرادها كي تنأى بعقولنا عن خطر اقتحام حلقات كثرت فيها المداخل وتعذرت منها المخارج. وكثيرا ما يفضي غياب الفهم الى نتائج عديدة ومنها: الى (الخوف) وهو المنفذ الى (الخرافات)، أو الى (فقدان الشجاعة) الذي يصنع (التقديس)، أو الى ( التدجين ) الذي يجعل من التجربة الملوثة للعقول ( مقبولة في عقول معتنقيها )، والنتيجة هي أن أتفه الناس أو أعجزهم يمسي حكيماً! وتتصدر الذات الجهولة وملوثاتها العقلية المشهد الاجتماعي فتكون بين صورتين، أما ناصح اخلاقي وأما حاكم يمتلك الحق في ادارة شؤون الآخرين، وكأننا من بيئةٍ لا تعرف سوى الجفاف؟   
  تتغير المفاهيم لتكون أكثر قسوةً من المنتج نفسه وتتعايش المشوهات مع العشوائيات العقلية، وترى الناس تهذي بما يؤذي وتهرف بما لا تعرف. فهم خوارج إذا ذكرت الأعلام ومرجئة إذا ذكرت الحُكام! وكأنهم يبتغون الأمر على أمزجتهم ومقاساتهم لا كما هو الأمر! فكم من جهلٍ عدوه علما؟ وما يزيد الأمر سوءا هو غياب الكتاب المقروء وسيادة الكتاب المرئي، فيزداد الجهل وتزداد معه الجرأة، خاصةً وأنهم يميلون بطبعهم الى التسطيح وكل ما هو مسطح غير مجهدٍ للذهنِ ، وبالتالي يواجه المعنيون الكثير من التساؤلات المعلقة على صفحات العقل تنتظر الإجابة عنها ومن بينها، هل عقلنا النص بعقولٍ متحجرةٍ؟ وهل أن الكلمة طائشة ومن الممكن تداولها على غير مقاييسها؟ وهل يمكننا معالجة تجاعيد الزمن وحفرياته في الذهن الإنساني؟ 
  إن التفكير قائم على اللغة وإذا ما اهتزت وتخلخلت فإن ناتجها سيكون مشوهاً وستعم فوضى الأفكار وذلك لاختلالها كساند، لذا لا ينبغي أن نقف أمام ظواهر الألفاظ، لأنها أما أن تكون ذات دلالة لغوية وأما أن تكون ذات دلالة اصطلاحية. وقد تكمن المعضلةُ في التفسير لا في النص فنعتقد واهمين بأننا وضعنا أصابعنا على الداء! و لدرء تلكم الموهنات ينبغي أن نضع المراد فهمه على طاولة البحث لا أن نتلو منه نُتفاً كما نحب ونرشقهُ من هنا وهناك بعبارات أو بأخرى، خاصة وأن معظم المدونات تم فرضها نيابة عن مشاعر الشعوب. فكم من إبدال أنتجته الهجائن بما يخدم منافعها؟ وكم أغتصب النص الموازي الدلالات والمعاني لصالحه على حساب ما جاءت بها اللغة؟
 حان وقت مغادرة فكرة استحالة المواجهة والاكتفاء بالمحافظة على الذات، وان بناء فكرة يستوجب بناء مرتكزاتها المستقبلية والتي تستوجب طروحات لا تتمتع بشعبية الحاضر فقط بل تحمل مصداق المستقبل. ولأن العلاقة الطردية بين الزمان ومدخلات الثقافة الهجينة تحمل معاول هدم براءة الكلمة، فكلما مر الزمان ومضى بعيداً، كلما زادت المدخلات، وكلما زادت المدخلات كثرت الحكايات، وكلما كثرت الحكايات غصت العقول بسقيم الأفكار، حتى صار العقل الهجين قديساً أبلهاً ورغم ذلك تجد هناك من يدعم كل هفواته وسقطاته. مما تقدم صارت أسباب رحلة الكلمة لزاماً على ذوي الألباب لعلهم يعقلون.


المصادر :
———- 
– الإسلام والعنف ، الدكتور خالص جلبي وآخرون ، دار الكرمل للنشر والتوزيع ، الأردن ، 2005م .
– مفهوم الدولة في الاجتماع العراقي ، الدكتور علي السعيدي ، نون للطباعة ، ط2 ، بغداد ، 2017م . 
– الأساطير المؤسسة ، الدكتور صلاح جواد شُبر ، دار المحجة البيضاء ، بيروت ، 2016م . 
– سيسيولوجيا الدين 1- مقاربات كلاسيكية ، دانيال هيرفيو ليجيه وآخرون ، ترجمة: د. يوسف الصديق، هيئة البحرين للثقافة والآثار ، المنامة ، 2018م . 
– مقال في تحليل النص التاريخي ، الدكتور عمار محمد يونس ، دار الصادق ، الحلة ، 2023م .     





            
         
       
 
    


شارك هذا الموضوع: