ان التطورات المتسارعة التي يشَهدها العالم في كافة جوانب الحياة خاصة بعد الثورة الصناعية والتكنلوجيا ادت الى ظهور جملة من التحديات الجادة والمتعلقة بأنظمة البيئة الحضرية والتي انعكست على ما يسمى بالمدن البيئية والخضراء و الذكية, حيث تعتبر مدننا اليوم مسؤولة عن 80% من الانبعاثات العالمية للكربون والغازات الدفيئة , و تبلغ حصتها 75% من استهلاك الطاقة في جميع انحاء العالم , في حين تبلغ حصة الطلب على الطاقة لأغراض النقل 20% من استهلاك الطاقة وتعد عمليات النقل مسؤولة عن انبعاث حوالي 23% من الغازات الدفيئة جراء استهلاك الطاقة نتيجة لحركة وسائل النقل المختلفة والتي تمثل حوالي 74% من هذا القطاع, وتفترض الوكالة الدولية للطاقة زيادة عمليات النقل الحضري على مستوى العالم بنسبة 100% بحلول عام 2050م, وهو الامر الذي سيؤدي الى زيادة انبعاث الكاربون بالرغم من التحسينات التكنلوجية التي يتم ادخالها على وسائل النقل بأنواعه .
لذا نجد ان التخطيط المستدام لأنظمة النقل الحضرية بات ضرورة حتمية للتحول نحو النقل الذكي والمستدام من خلال زيادة تحسين كفاءة شبكة النقل وتنظيم المرور كذلك استخدام التقنيات والاتصالات الحديثة في مجالي التواصل الالكتروني المرئي والسمعي والبرامج الحاسوبية لتحليل ومعالجة البيانات في مراكز إدارة النقل والمرور للعمل على معالجة مشاكل النقل وتحسينها داخل المدينة.
مفهوم التخطيط المستدام والذكي لمنظومة النقل الحضري
جاء مصطلح النقل المستدام كمفهوم نابع من التنمية المستدامة لوصف وسائل النقل ، ونظم التخطيط والنقل، والتي تتفق مع اهتمامات أوسع للاستدامة وهناك تعاريف كثيرة لنقل المستدام او المصطلحات ذات الصلة بها كوسائل النقل المستدامة والنقل المستدام أحد هذه التعريفات كما يبينه مجلس الاتحاد الأوروبي بان النقل المستدام هو نقل يسمح بوصولية وتلاقي احتياجات الافراد والشركات والمجتمع بشكل آمن وبطريقة تتفق مع صحة الإنسان والبيئة، وتعزيز المساواة داخل وبين الأجيال المتعاقبة، ان يكون بأسعار معقولة، ويعمل بنزاهة وكفاءة، وان يقدم خيارات في اختيار واسطة النقل وان يدعم الاقتصاد المنافس والتنمية الاقليمية المتوازنة.
ويشيرمفهوم تخطيط النقل المستدام الى التنقل ضمن انماط واليات ذات تأثير منخفض على البيئة ويشمل انماط النقل غير الميكانيكي مثل المشي وركوب الدراجات والنقل الميكانيكي الجماعي والصديق للبيئة مثل تنمية النقل الموجه والمركبات الخضراء ومشاركة السيارات , كما تتطلب أنظمة النقل في المناطق الحضرية الى زيادة الكفاءة في استهلاك الوقود وتعزيز أنماط الحياة الصحية والامان وغيرها من المتطلبات الخاصة للنقل , ويبين المعهد الامريكي للنقل ان النقل المستدام هو تحقيق الوصول الاساسي لتلبية احتياجات التنمية دون التأثير على نوعية الحياه للاجيال اللاحقة بحيث يكون امن صحي وغير مكلف ومحدد في انتاج التلوث واستخدام المصادر المتجددة وغير المتجددة فضلا عن تقليل الضوضاء وتحسين نوعية الهواء وحماية المدن من انبعاثات الكربون كما يلبي احتياجات الحاضر دون تأثير او اتلاف التناغم البيئي للمجتمع على المدى الطويل .
في حين ان تخطيط النقل له دور أساسي في تحقيق الرؤية المستقبلية لنظام النقل في الدولة والمجتمع الذي يتضمن دراسة شاملة للاستراتيجيات الممكنة وتقييم مختلف لوجهات النظر الناتجة عن المشاركة التعاونية بين هيئات تخطيط النقل وبين الوكالات والمنظمات ذات الصلة من جهة والمشاركة العامة من جهة أخرى, لذلك فان الاستدامة الذكية للنقل الحضري تشكل مجموعة من التقنيات التي تعتمد على تكنلوجيا المعلومات والهادفة الى تحسين سلامة النقل والحركة، تقلل الأثر البيئي، وتعزز الإنتاجية عن طريق تكامل وسائل الاتصالات المتقدمة التي تعتمد المعلوماتية والتقنيات الالكترونية في بنى تحتية النقل والمركبات وهنا للتكنولوجيا دور أساس في الاستخدام الأمثل للبنية التحتية وتحسين السلامة والأمن، بالإضافة إلى تشجيع الانتقال إلى وسائط النقل الصديقة للبيئة وتقليل استهلاك الطاقة والتلوث ومصادر الإزعاج وغيرها.
في حين يرى الكثيرون ان النقل العام يشكل مفتاحا لاستدامة النقل واستدامة الحضر في الوقت نفسه حيثما كان شاملا لأرجاء المدينة و بنظام يعتمد عليه زمنيا ومكانيا ، ويروه كمحقق للعدالة الاجتماعية ايضا . ومع هذا ، ما زال الجدل بين محبذي النقل الخاص و مؤيدي النقل العام قائما ، على مختلف المستويات والاصعدة ، وكل يقدم حججه و مبرراته . وبدون الخوض في التفاصيل ، وبما ينسجم مع منظور الورقة ، فان المنافع الاقتصادية للنقل العام تتمثل (بتقليل الادزحامات , يعزز من الانتاجية , يزيد من القيمة المالية للأرض , يوفر انظمة بيئية نظيفة , يقلل من انبعاثات غاز ثاني اوكسيد الكاربون وغيرها..
المبادئ الاساسية للتخطيط المستدام للنقل الحضري:
تأمين وصول الأشخاص الى الأماكن والسلع والخدمات بأقل تكلفة لضمان رفاهية المجتمع من خلال تنويع خيارات النقل للناس .
تحقيق العدالة الاجتماعية حيث يجب على الدول توفير نظم النقل التي تحقق العدالة الاجتماعية والأنصاف بين اقاليم الدولة الواحدة
التخطيط المتكامل للنقل ويتم تحقيقه من خلال ضمان عملية التنسيق بين القطاع العام والخاص ، وتركيز النمو والحد من الزحف الحضري ، وتصميم أنظمة متطورة للنقل حيث تتنوع فيها الطرق بين طرق للمشاة والدراجات ولوسائل النقل الكبيرة معتمدا على الذكاء التقني في, ادارتها ضمن المناطق الحضرية.
توفر عامل الصحة والسلامة من خلال تصميم وتشغيل نظم النقل بطريقة غير مضرة بالنسبة للسكان.
مراعاة البعد الاقتصادي يجب ان تكون نفقات نظم النقل المستدامة فعاله من حيث التكلفة وعلى صناع قرار النقل ايجاد نظام حساب للتكاليف الاجمالية والمتكاملة بحيث يعكس الحقيقة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للتكاليف الاجمالية بما فيها التكاليف على المدى البعيد.
اهداف التخطيط المستدام في منظومة النقل الحضري :
زيادة الكفاءة التشغيلية لنظام النقل وزيادة سعته
تحسين مستويات الحركة والراحة للمتنقلين
تحسين مستوى السلامة المرورية.
تخفيض استهلاك الطاقة والحد من الآثار البيئية.
تحسين الإنتاجية الاقتصادية
تخفيض تكاليف خدمات النقل
خدمة المسنين والعاجزين من ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال وغيرهم ممن لا يستطيعون قيادة السيارات
تأمين الخدمة تحت ظروف الطقس كافة.
جانب من الانظمة الحضرية المستدامة للنقل الحضري
السياسات الهادفة للوصول الى النقل المستدام والذكي في المدن
يتم ذلك من خلال تعزيز سياسيات تسعير الوقود, وتحسين ادارة المرور كذلك التحول في وسائل النقل الى الوسائل الذكية التي تعتمد التكنلوجيا المتطورة( المركبة والهجينة) ، حيث يشكل الترويج للتحول إلى سيارات أنظف (مثل السيارات الكهربائية أو الهجينة) أو استخدام الوقود الأنظف (مثل الإيثانول الحيوي والديزل الحيوي والهيدروجين) جوهر استراتيجيات المدينة لجعل النقل الحضري أكثر استدامة.
ختاماً ان التحول في استخدام الوسائل الذكية في النقل تشجيع على استخدام وسائل النقل المستدامة في المدن التي توفر الوقت والجهد وتقلل من مستويات التلوث البيئي داخل المدن, اذ ما نظرنا الى مساهمة انظمة النقل الحضري بشكل كبير في البصمة الكربونية للمدن ، واستهلاك الوقود ، وتلوث الهواء ، والازدحام ، وتلوث الضوضاء . كما أنه يساهم بشكل كبير في الاضطرابات الصحية والوفيات, لذلك يعد قطاع النقل خيارًا شائعًا للتدخلات المستدامة ، في كل من البلدان المتقدمة والنامية التي تسعى اليوم نحو تحولات في وسائل النقل ألاكثر كفاءة بيئيًا (مثل النقل العام وخيارات النقل غير الآلية) وإلى مركبات و وقود أكثر كفاءة بيئيًا من الأهمية بمكان تقدير التأثير طويل الأجل للاستثمارات في أنظمة النقل الحضري المستدامة من حيث تأمين البنى التحتية (بسبب خيارات وسيلة النقل وطرق تطوير البنى التحتية وخطط تغيير استخدام الأراضي للمدن).