حسين فيض الله الهمداني
(1901-1962م)
رائد الدراسات الاسماعيلية(الفاطمية) الحديثة
اعداد
أ. د. حيدر محمد عبد الله الكربلائي
تعد الأسرة الهمدانية رائدة في مجال العلم والمعرفة في اليمن, والعالم الإسلامي، فقد خلّفت للاُمة الإسلامية إرثاً ثقافياً هاماً تمثل في التراث العلمي, والفكري, الذي قدمه ابناء هذه الاُسرة من العلماء, والمفكرين, والفلاسفة, الذين ساهموا في تطور المجتمع العربي وتقدمه، وما زالت بعض المؤلفات والمخطوطات التي تعود لأبناء هذه الأسرة خير دليل على ذلك, وهي محفوظة حتى اليوم, وتعد مصدراً هاماً للباحثين والمهتمين بدراسة التراث اليمني والإسلامي، ويمكن القول بأن الأسرة الهمدانية تمثل نموذجاً مشرّفاً للتفوق والتميز في مجال العلم والمعرفة في اليمن، فقد أسهمت بشكل كبير في تعزيز الثقافة والمعرفة في المجتمع اليمني والعربي بشكل عام.
وقد ساهم العلماء المسلمون في اليمن والوطن العربي في دراسة التاريخ الإسلامي, وإحياء التراث الاسماعيلي, ونشر كنوزه التي لم تكن رأت النور بعد, فيرجع الفضل كله لهؤلاء المؤرخين في نشر العديد من المؤلفات والمصنفات في شتى العلوم, لإغناء الثقافة العربية المعاصرة بالعديد من الكتب والبحوث التاريخية التي أسهمت في الكثير من الدراسات العلمية المعاصرة, وبناء المؤسسات الأكاديمية في اليمن, برغم الصعوبات التي تعرضت لها تلك النخبة من المؤلفين والمؤرخين داخل اليمن وخارجه, من تهميش, واقصاء, واستثناء, نتيجة الظروف السياسية والمذهبية في اليمن, فكان لهؤلاء العلماء الدور الكبير في النهوض بالواقع العلمي, والحضاري, للحفاظ على حضارة بلدهم, وتجسيد حضورهم الوطني, وبيان فضلهم في نشر تراث اليمن, وخدمة مؤسساته العلمية, فتخرج على أيديهم العديد من الاجيال، ولا يفوتنا ان نسلط الضوء على دور هؤلاء العلماء والمفكرين, والتعرف على نتاجاتهم الفكرية في مجالات اختصاصهم, تلك الانتاجات التي انتفعت بها البشرية, واضافت لها البعد المعرفي في بناء الحضارة, وتشكيل خارطة الثقافة، وقد جاء اختيارنا لشخصية قَلَّ نظيرها في العلم والمعرفة ألا وهو الاستاذ الدكتور حسين فيض الله الهمداني, ألذي أفنى عمره في البحث والتأليف، ونشر نوادر الكتب والمخطوطات الإسماعيلية, فكرَّس جهده ووقته لخدمة العلم واهله, مما أفاد المكتبات العربية والعالمية من كتب ومؤلفات وتحقيقات قيمَة, لاسيما ما يتعلق بتراث اليمن، وقد بذلنا هذا الجهد المتواضع لكي يكون جزءاً من رد الجميل, والاحسان, والفضل, والامتنان, الذي يقدمه الطلبة لفطاحل العلم والمعرفة, لا سيما بعد أن اقتصرت كتب التراجم على ترجمة شذرات من سير رجالات الفكر والادب والعلوم, وتناولت التعريف بألقابهم واسمائهم من دون الخوض في دراسة منهجية لنتاجاتهم الفكرية, وفي مقدمتهم الدكتور حسين الهمداني, وما تركه لنا من مؤلفات, وتحقيقات, تستحق السعي من أجل اظهار ذلك الجهد, والنتائج الفكري, والعلمي, كونه عَلماً من أعلام المدرسة التاريخية اليمنية ,و سبباً من أسباب نهضتها, غير متناسين أن هذا العالم كان مؤلفا وباحثا حصيفا بارعا, له قلم حُر جلي حيادي, لا تأخذه في الحق لومه لائم, فضلا عن كونه ناقدا ومحللا للأحداث التاريخية, لا يُعنى بعرض الروايات وسردها بقدر ما يعنيه تفحصها وتحقيقها وتدقيقها وتتبع امتدادها الزمني, والمكاني, من دون ايجاز مخل, او تفصيل ممل، فأضاف للدراسات التاريخية الإسلامية منهجيه علمية مميزة, وصورة جديدة في طريق التلاقح الفكري في اصول البحث التاريخي عند الغرب, وادوات البحث والتحليل التي تلقاها اثناء دراسته على يد المستشرقين في بلاد الغرب, وقد عده معاصروه رائداً من رواد التحليل التاريخي, ونموذجاً مميزاً للعلماء والاكاديميين اليمنيين, لفضله الكبير في كتابة التاريخ, وتدريسه للثقافة الواسعة, واطلاعه على امهات الكتب التاريخية, وتوثيقه لما يكتب في بطون المصادر الأصلية, فلم يُرجح راياً دون آخر بغير دليل, ولا نصاً على نصِ آخر, فهو من الشخصيات التي قدمت دراسات علمية قَيِّمة في مجال التاريخ الإسلامي, والتراث الإسماعيلي وغيره من العلوم, لامتلاكه من الصفات ما جعله محققا بارعاً, ومؤلفاً كبيراً, خلّف لنا تراثاً عظيماً من التحقيقات والمصنفات ألتي أقل ما يقال عنها أنّها شائقة, جعلته يتجشم عناء السفر والمشقة من أجل إخراج هذه المؤلفات والمصنفات من غياهب الظلمة والنسيان إلى النور والعرفان, وغيَّرت الكثير من المفاهيم العالمية والمحلية حول التراث الإسماعيلي والعقيدة الإسماعلية.