من اثار الثورة الصناعية على توجهات الادب الاوربي خلال القرن التاسع عشر
أ. د. حيدر صبري شاكر الخيقاني
جامعة كربلاء- كلية التربية للعلوم الانسانية- قسم التاريخ
Haidr.s@uokerbala.edu.iq 07818109261
على الرغم من الايجابيات العديدة للثورة الصناعية التي انطلقت من انكلترا منذ ستينيات القرن الثامن عشر، ومن ثم انتشرت في عموم اوربا خلال القرن التاسع عشر، الا انها تركت في الوقت ذاته اثارا سلبية على بعض الفئات في المجتمعات الاوربية عامة، وكانت من اهم اثارها السلبية هي التفاوت في توزيع الثروة بين افراد المجتمع، اذ اصبحت هناك فئات تمتلك ثروات طائلة، تمثلت بالرأسماليين، ولا سيما من اصحاب المصانع، والصناعيين، وملاك الاراضي الزراعية الواسعة، والتجار، بينما عانت فئات اخرى في المجتمع من ضنك العيش والفقر المدقع، ومنهم العمال والفلاحين والفقراء. وقد تركت معاناة هذه الفئات تأثيرا في اذهان عدد من الادباء الاوربيين من اصحاب النزعات الانسانية، وكتبوا روايات وقصص مؤثرة عدة سلطوا الضوء فيها على تلك المعاناة، والاستغلال البشع الذي كان يتعرض له عمال المصانع من قبل ارباب العمل، وكذلك الفلاحين من قبل ملاك الاراضي، وانتشرت كتاباتهم على مدى واسع بين شعوب العالم بعد ان ترجمت الى لغات عدة، وذلك نظرا لما تحتويه تلك الروايات والقصص من قيم تدعوا الى نبذ الظلم، وتحث على مساعدة الفقراء، وانصاف العمال والفلاحين ومنحهم حقوقهم. وكان من اهم الادباء الذين كتبوا في هذا المجال الروائي البريطاني تشارلز ديكنز Charles Dickens (1812-1870) الذي نشرت له رواية اوليفر تويست Oliver Twist عام 1838، ورواية اوقات عصيبة Hard Times عام 1854، ورواية قصة مدينتين A Tale of Two Cities عام 1859. وكذلك الروائية البريطانية شارلوت برونتي Charlotte Brontë (1816-1855) التي نشرت روايتها الموسومة جين اّيير Jane Eyre عام 1847، والروائية البريطانية اليزابيث غاسكل Elizabeth Gaskell (1810 – 1865) وروايتها المشهورة ماري بارتون Mary Barton التي نشرت عام 1848، وروايتها الاخرى الموسومة شمال وجنوب North and South التي نشرتها عام 1855، ويعد الاديب البريطاني توماس هاردي Thomas Hardy(1840-1928) من الادباء الذين اوضحوا في مؤلفاتهم الاوضاع العامة في المجتمع الريفي، وانتقد التفاوت الطبقي في المجتمع البريطاني، ومن اشهر رواياته رواية بعيدا عن صخب الحياة Far from the Madding Crowd التي اصدرها عام 1874، ورواية عمدة كاستربريدج The Mayor of Casterbridge عام 1886، ورواية تيس أوڤ ذي ديربيرڤلز Tess of the d’Urbervilles عام 1891، ورواية جود الغامض Obscure عام 1895.
وكتبت في فرنسا العديد من الروايات والقصص التي سلطت الضوء على معاناة الفقراء والعمال على يد ادباء مشهورين ولعل من ابرزهم الاديب الفرنسي فكتور هوغو Victor Hugo (1802-1885) في روايته البؤساء Les Misérables التي نشرت عام 1862، والاديب اميل زولا Émile Zola (1840-1902) وروايته الشهيرة جرمينال Germinal التي صدرت عام 1885.
وفي روسيا كتب العديد من الادباء الروس رويات تتحدث عن الموضوع ذاته ومنهم الروائي الروسي نيقولاي غوغول Никола́й Го́голь (1809-1852) وروايته المشهورة النفوس الميتة Мёртвые души التي نشرت عام 1842 ، فضلا عن قصته الموسومة المعطف Шинель والتي نشرها في العام نفسه. ومن الادباء الروس الذين سلطوا الضوء على معاناة الفقراء في كتاباتهم الروائي فيودور دوستويفسكي Фёдор Достое́вский (1821-1881) وروايته المساكين Бедные люди التي صدرت عام 1846، ورواية رسائل من تحت الارض او الانسان الصرصار Записки из подполья عام 1864، ورواية الجريمة والعقاب Преступление и наказание عام1866. كما يعد الشاعر نيقولاي نيكراسوف Никола́й Некра́сов (1821-1878) من الادباء الروس الذين سلطوا الضوء على معاناة الفقراء في المجتمع الروسي ومن قصائده الشهيرة قصيدة “صباح”، وقصيدة “من هو السعيد في روسيا на Руси жить хорошо. ويعد الاديب الروسي ليو تولستوي Лев Толстой (1828-1910) من الادباء الروس الذين اوضحوا في رواياتهم معاناة الفقراء والفلاحين في المجتمع الروسي، ومن اشهر رواياته في هذا الجانب رواية آنَا كارينينا Анна Каренина التي صدرت عام 1877. وفي النرويج اشتهرت رواية الجوع للكاتب النرويجي كنوت هامسون Knut Hamsun (1859-1952).
ومن يقرأ الروايات المذكورة اعلاه سوف يلاحظ انها اوضحت جوانب متعددة من معناة الفقراء والعمال والفلاحين في العديد الدول الاوربية خلال القرن التاسع عشر، وساهمت في طرح تلك المعاناة على الرأي العام وحثت العديد من السياسيين على تشريع قوانين من اجل انصاف الطبقات المظلومة في المجتمع، وخلال السنوات اللاحقة صدرت العديد من تلك القوانين في معظم الدول الاوربية ساهمت في تحسين احوال الفقراء العمال والفلاحين، وفي الوقت الذي ساهمت فيه تلك الروايات في ذلك، فان الادباء الذين كتبوها نالوا شهرة عالمية واسعة بفضل المادة التي طرحوها في كتاباتهم، والتي تتناول موضوع انساني لاقى تعاطفا من قبل ملايين من البشر وفي دول مختلفة وهذا هو سر بقاء تلك الروايات والقصص تتداول بين معظم شعوب العالم حتى يومنا هذا، واصبحت جزءاً من التراث العالمي.
ر الخيقاني