جامعة كربلاء/كلية التربية للعلوم الانسانية
ماجستير تاريخ اسلامي
الباحث: مهند كاظم جاسم مخيف
موقف المستشرقين من الخلافة الراشدة
 
  اذ عالج المستشرقون تاريخ صدر الاسلام، أما من خلال الكتب التي نشروها عن الخلافة الاسلامية بصورة عامة، أو من خلال بحوث و دراسات تخص حقبة معينة، أو ظاهرة محدودة جلبت إتباه تلك الفترة .
   لقد استغلت فئة من المستشرقين بعض أحداث العصر الراشدي وركزت عليها مقرونة بتغيرات واستنتاجات ليست من روح العصر الذي ظهرت فيه بل من بنات افكار أوربا في القرن التاسع عشر والعشرون فحين يتكلم المستشرق الفرنسي كازانوفا ت ١٩٢٦ م) عن الاسباب اختيار الرسول (صلى الله عليه وسلم) لاحد صحابته ليخلفه في رئاسة الامة والدولة وبقرارات الرسول (صلى الله علية وسلم ) وكان على يقين بان العالم سينتهي قبل وفاته، أو أن يوم القيامة سيحل قريبا جداً ولهذا فان حادثة الوفاة جاءت مفاجئة لصحابته مما جعل أبو بكر الصديق يضع آيتين جديدتين ويضيفهما الى القرآن لتبرير الوضع السياسي الجديد .
  اذ نلاحظ ان هذا المستشرق الذي لم يكن مثيراً يعترف في دراسته ذالك بانه معجب بالسيرة النبوية حيث يقول: ” لا يهمني ان أجهر أولاً بانني لا اسلم أصلا بكل نظرية يفهم منها الريب بصدق محمد … ان سيرة النبي العربي من بدايتها الى نهايتها تدل على انه ثبت رصين امين “
   واشار الى راي المؤرخ الاسلامي ابن خلدون عن السبب الذي جعل الرسول يُعرض عن تعيين خليفة له، مما يؤكد بأن مؤسسة الخلافة ليست ركنا من أركان الدين، بل ولاية للقيام على مصالح الامة فلو كانت ركنا لولى الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) أحد صحابه قبل وفاته حيث استخلف أبا بكر في الصلاة، ثم اجتهد المسلمون واستدلوا بذلك على استحلاف في السياسة ايضا فيقالوا: “ارتضاه رسول الله لديننا أفلا نرضاه لدنيانا “
     ويرى بروكلمان الاوضاع في الحجاز بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) فيقول “والحق ان جميع الاحقاد السياسية التي كانت قد كتبها بنفوذها لم تلبث أن ذرت قرنها فمن ناحيه كان عدد المنافقين لا يزال في تزايد في المدينة حيث كان العدد كبير جدا”.
    اراد بروكلمان أن يبرر اغتيال عمر بن الخطاب ويتهمه بالظلم والشدة في جباية الخراج، عتمد على رواية مفادها أن ابا لولوءة فيروز جاء عمر بن الخطاب يشتكي اليه الضريبة التي يتعين عليه دفعها، فلم يسمع الخليفة منه، فلما كان صباح اليوم التالي جاء ابو لولوءة وطعنه بخنجره طعنتين، وهذه الحادثة كررها بعض المستشرقين قبل بروكلمان وبعده مهملين ابعاد الحادثة وتداخلاتها .
   ويقول ولهاوزن أن اختيار الشيخ المسن عثمان  فقد كانوا يريدون ملكا ضعيفاً. 
مما يؤكد بروكلمان النظرية نفسها” إنما وقع اختيار المجلس على أقل اعضائه شانا عثمان بن عفان الاموي “.
   حيث بررت فئة المستشرقين العامل المادي في الفتنة، وكان عثمان بن عفان ابتدع سياسة جديدة مغايرة لسياسة عمر ابن الخطاب حيث كان المقاتل يأخذ العطاء ونصيبة من الغنائم، أما الجزية وخراج الارض فكانت تذهب الى بيت المال لتصرف في مصالح المسلمين، لقد صور المستشرقون أن المقاتلين المسلمين أدركوا بانهم تحولوا الى مجرد مرتزقه مأجورين.
     اما ولهاوزن رأيه على عدم إدراك الاحداث ما حدث فعلا وبدا وكان وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) ( الغت الحكم الديني وارتدت القبائل العربية … وبما إنه لم يكن هناك ترتيب ما فيمن سيكون خلفاء للرسول(صلى الله عليه واله وسلم )  فقد كان السبيل الوحيد هو ان يقبض احداهم على السلطة بسرعة خاطفة.
    ويرى ان ابا بكر وعمر بن الخطاب تواقيت للسلطة حيث لا يدعانها تفلت من ايديهما  ولابد ان يستوليا عليها استيلاء وأن كل ما يقدر عليه هو أن يجعلا حكمهما غير المشروع مشروعا بممارسته وفقا لفكرة الحكم الديني, وإن الاخبار المتواترة في كتب التاريخ تنفي ما ذهب اليه المستشرقون حول الخلافة، فلم يكن الصحابة طامعين بالسلطة، بل إن موقفهم يتمثل في قول أحدهم:” لولا حدود الله فرضت وفرائض الله حدت لكان الموت من الامارة نجاة والفرار من الولاية عصمة ولكن الله علينا اجابة الدعوة وإظهار السنه “.
    اما المستشرق الاب لامنس اليسوعي فنرى انه قد هاجم النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم ) ، وهاجم عمر بن الخطاب ووصفه بانه جندي مسكين ادنى مرتبة من الوسط ، ووصف الامام عليا (علية السلام) بكونه محدود التفكير، متناسياً كل انجازاتهم في مجالات الحياة المختلفة، ولعل دفاع لامنس عن بقية الخلفاء الأمويين واشادته بهم بحماسه واضحه كان يهدف منها الى اشاعة الخلاف بين المسلمين، فهؤلاء انصار الامويين واولئك أعدائهم.
     اذ أخطأ بعض المستشرقين حين نظروا الى تاريخ صدر الاسلام بمنظار القرن العشرين والتفاسير السائدة فيه، كما أنهم لم يحسبوا لتطور المجتمع الاسلامي ونموه وتغيير مفاهيمه فحكموا على عهد عمر بن الخطاب والعهود التي تلته حين حكم عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب (عليه السلام) بنفس المعايير والمفاهيم بينما كان المجتمع يتغير من عقد الى عقد ومن مدة الى أخرى ، فمثلما لا نريد أن يحكم المستشرقون على التاريخ الاسلامي بمفاهيم القرن العشرين ، كذلك نريد منهم أن يتحسسوا سنة التطور والتبدل من عهد الى عهد ضمن العهد الراشدي نفسه، وأن يأخذوا كل العوامل المحركة والظروف الدافعة دون تشهير بشخصية أو تشويه لسياسة.
 
المصادر:
1- فاروق عمر فوزي, الاستشراق والتاريخ الاسلامي , ط1, ص57.
2- ابن خلدون , مقدمة ابن خلدون, ص123.
3- فاروق عمر , النظم الاسلامية , ص 19.
4- كازنوفا, محمد وانتهاء العالم , ص79.
5- يوليوس فلهاوزن , الدولة العربية وسقوطها, ص33.
6- كارل بروكلمان, تاريخ الشعوب الاسلامية, ص83.

شارك هذا الموضوع: