نلاحظ أن قانون الأحوال الشخصية العراقي لمْ يشر إلى تعريف المهر ولا إلى مقداره وأنما أحال ذلك على الفقه الإسلامي، اذأن قانون الأحوال الشخصية العراقي أشار إلى المهر كونه حق من حقوق الزوجة، ويجب على الزوج بمجرد انعقاد العقد، وحرص المْشرع على إعطاء الزوجة مهر المْثل في حال عدم التسمية ثم تراضيا على التسمية وسمي لها مهر ولمْ يتفقا على تعينه بعد العقد ثم طلقها قبل الدخول، وهذا ما اشارت اليه المْادة(19) التي نصت على”1-تستحق الزوجة المهر المْسمى بالعقد. فإن لمْ يسم أو نفي اصلا فلها مهر المْثل ” فقد جاء المْشرع العراقي بهذا النص البديل عن عدم النص وازن فيه بين مصلحة الزوج ومصلحة الزوجة من الناحية المالية في حالة عدم التسمية ضمانًا لحقوقها المالية عن الطلاق الذي حصل لها قبل الدخول وعدم تكبيل الزوج كامل المْهر كون عقد الزواج لمْ يتم فيه الدخول.
فالمْشرع العراقي خالف الفقه الإسلامي ولمْ يتطرق لموضوع المتعة بالمفهوم الصريح الواردة في كتب الفقه، لكنه نص على حالات مقاربة مع احكام المتعة حسب المآل حيث أشار إلى مهر المثل وهذا ما نصت عليه المْدة(19)، فمهر المْثل وهو ما يكون للزوجة في حال عدم التسمية أو عند الاتفاق على نفي المهر.
فالمهر من الحقوق المالية للزوجة تستحقه بمجرد العقد الصحيح ولا يعتبر المهر شرط لصحة عقد الزواج أو ركنًا من اركانه وأنما أثر من اثاره. ونحن نرى أن على المشرع العراقي أن ينهي الخلاف الفقهي بشأن استحقاق الزوجة للمهر عند عدم التسمية وتم الطلاق قبل الدخول ويحذو حذو بعض القوانين العربية ويأتي بنص مستنبط من الفقه الإسلامي وفق ما اخذ به الفقه الأمامي القائل بأنه تستحق الزوجة على زوجها أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الغنى والفقر واليسار والأعسار ويسمى هذا(المتعة)، لكونه أضمن لحقوق الزوجة في حال عدم التسمية قبل الدخول، لكي يتحقق التوازن بين مصلحة الزوج ومصلحة الزوجة ، استنادًا لقوله تعالى{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لمْ تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى المْوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المْقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالمْعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى المْحْسِنِينَ}، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بإعطاء المتعة للزوجة تعويضًا لها واشعارًا بأن الزوج لا بد وأن يعوض الزوجة عما يكون قد فاتها لمجرد الأعلان عن زواجها منه حتى وأن لمْ يتم الزواج.
اما فيما يتعلق بمقدار المهر، فلمْ يرد نص في قانون الأحوال الشخصية العراقي يبين مقدار المهر، وأنما أحال المْشرع العراقي مقدار المهر على الفقه الإسلامي والعرف، وبما أن المشرع العراقي لمْ يحدد حد أدنى أو حد أعلى للمهر المسمى وأنما ترك ذلك للعرف والاتفاق بين الزوجين على تحديد مقداره الأ أنه أجاز تعديل المهر بالزيادة والنقصان بعد العقد ، اذ يجوز للزوج أن يزيد المهر لزوجته كما يجوز للزوجة أن تخفض منه لزوجها بشرط أن تكون الزيادة معلومة ومعينة وقبول الزوجة وأن تكون الزيادة حال قيام الزوجية ، وذلك بتقديم طلب بتعديل المهر بعقد الزواج ويترك الأمر للقاضي المختص في تعديله ، وبهذا الصدد أخذ القضاء اذا جاءت محكمة التمييز في قرار لها ( لدى عطف النظر على الحكم المميز وجد أنه صحيح وموافق للشرع والقانون للأسباب الواردة ولموافقة المدعى عليه على إجابة طلب المدعية بانقاص مهرها المعجل والمؤجل والاستماع للبينة الشخصية فيكون الحكم صحيحا لذا قرر تصديقه).
اما فيما يتعلق بتأجيل المهر أو تعجيله، فالسائد عدنا في العراق هو تعجيل بعض المهر وتأجيل البعض الآخر حسب العرف ويتم الاتفاق على ذلك في عقد الزواج وهذا ما نصت عليه المادة (20) من قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ حيث نصت على أنه “1-يجوز تعجيل المْهر أو تأجيله كُلا أو بعضا. وعند عدم النص على ذلك يتبع العرف …”
وقد استقر القضاء العراقي على استحقاق الزوجة المْهر المْقوم بالذهب، فقد جاء في أحد قرارات محكمة الأحوال الشخصية في كربلاء قرار لها بإلزام المدعى عليه بتأديته للمدعية زوجته مهرها المؤجل مقومًا بالذهب بدلًا من المْهر المْسمى لها بموجب عقد الزواج ذي العدد :784 في 24/7/2014، والصادر من المْحكمة نفسها.
اذ اخذت محكمة التمييز الاتحادية بنفس الاتجاه، اذ جاء في أحد قراراتها (لدى عطف النظر على الحكم المْميز وجد أنه صحيح وموافق للشرع والقانون حيث ثبت للمْحكمة أن المْدعية مطلقة لذا فإنها تستحق مهرها المْؤجل مقوما بالذهب عند الطلاق حيث أن الطلاق حصل بين الطرفين المْتداعين وهو طلاق رجعي وليس طلاق خلعي (تفريق اختياري)، لذا فإن للزوجة في مثل هذه الحالة تستحق مهرها المْؤجل مقومًا بالذهب).
وتستحق الزوجة المْهر المْؤجل مقومًا بالذهب حتى في حالة قيام الزوج بتسديد جزء من مهرها على شكُل اقساط منظمة، يجوز لها أن تطلب الباقي من مهرها مقوم بالذهب، وقد تبنت محكمة التمييز الاتحادية هذا المْبدأ ، اذ جاء في احد قراراتها ( لدى عطف النظر على الحكم المْميز وجد أنه غير صحيح ومخالف لأحكام الشرع والقانون اذ كأن على المْحكمة تثبيت مضمون الأضبارة التنفيذية في محضر الجلسة حيث أن النسخة الضوئية المْرفقة مع اضبارة تشير إلى قيام المْميز عليه بتنفيذ عقد الزواج في مديرية التنفيذ وقيامه بعرض تسوية بدفع مائتان وخمسون الف دينار من اصل المهر المؤجل المْنفذ ، وأن ذلك لا يمنع المْميزة من المطالبة بمهرها المؤجل مقوما بالذهب حتى وأن استلمت جزءا منه نقدا في دائرة التنفيذ فلها المطالبة بالجزء الذي لمْ يستلمْ مقوما بالذهب وكون المحكمة ذهبت إلى خلاف ذلك الأمر الذي اخل بصحة حكمها المْميز ، لذا قرر نقضه وإعادة الدعوى إلى المْحكمة لاتباع ما تقدم(.
من خلال ما تقدم نلاحظ أن المْشرع العراقي لمْ يراعي التوازن بهذا الحق بين الزوج والزوجة قدر تعلق الأمر بالناحية المْادية ، فالمهر حق مالي منحه المشرع للزوجة على الزوج في عقد الزواج الصحيح أو عند الدخول بشبهة أو الدخول الحقيقي في العقد الفاسد ، وهو ليس عوضًا عن شيء وأنما هو نحله أي عطية من الله وهو واجب على الزوج دفعة لزوجته على أي حال سواء دفعة واحدة أو على دفعات منتظمة اثناء قيام الزوجية أو بعد الطلاق، اذ أن المْهر ليس ثمنًا لجمال الزوجة أو للاستمتاع بها وأنما هو رمز للرغبة الأكيدة في الاقتران بالمرأة، والمهر دين في ذمة الزوج بمجرد العقد ويجب اداؤه متى طلبت منه كما يقول (الجعفرية) أو بحلول اقرب الأجلين المْوت أو الطلاق كما يقول (الجمهور) ولا تبرأ ذمة الزوج منه الأ بالأداء أو بالأبراء من طرف الزوجة نفسها.
اما في حالة النظر إلى المهر من الجانب المْعنوي، نجد أن المْشرع العراقي حقق التوازن لأنه اعطى الزوج حقوقا معنوية على زوجته مقابل المهر وهذه الحقوق هي أثر من اثار عقد الزواج كحسن المْعاشرة، فالتوازن بين الزوجين متحقق في المْآل وأن لمْ يكن للزوج على زوجته حق مالي الأ أن للزوج على زوجته حقوق تفرضها طبيعة عقد الزواج تجعل من حالة التوازن متحققة.