نسق التماثل في رواية الشابندر
تتحقق علاقات المشابهة في اطار عنصري التشبيه والاستعارة اللذين يقومان على أساس المشابهة في المستوى الدلالي عبر خلق علاقات حيوية جديدة تبتعد عن الجانب العقلي وتقترب من الخيالي الانفعالي والشعوري فالمشابهة :(نسق نصي ينبني مجازيا وفق علاقة تقوم تقوم اما على أساس التشبيه أو الاستعارة )( )
والتشبيه وسيلة أسلوبية يستعملها الأديب لتقوية المعنى وتعميق الدلالة وهي جزء من تكوين التجربة الشعورية ،بل هي ملمح من ملامح العمل الأدبي الفني ( )وقد كثرت صور التشبيه في رواية خان الشابندر بكثرة صور العنف فمن ذلك مارواه علي الصحفي لصديقته
(نيفين )ماحل ببيت أم صبيح والفتيات هند وضويةوأخلاص يروي لها (كان صوت مجر يختفي ويعود بأذني ولم اعد واثقا انه صوته هو ..وخيل لي انني أسمع أصوات الفتيات تنبثق من الجدران تخالطها ضحكات متقطعة ..حتى أنني اكاد اميز بينها صوت هند بنبرته العذبة وهالني منظر الناس وهم يسيرون بأتجاه النهر غير عابئين بالقنابل والرصاص كانوا ينسابون بنعومة وصمت ولا تكاد أقدامهم تلامس الارض … وصرت أطلق صوتا يشبه العواء المكتوم ونيفين تحتضنني وتهدىء من روعي )( ) اذ ظهرت تشكلات الصورة التشبيهية في النص الروائي عبر تلك التتابعية التي تقصدها بطل الرواية في توصيف حالته عند رؤية بيت ام صبيح والفتيات وما آل الحال اليه بعد قصفه بالمدفعية
ومن امثلة ذلك ايضا يحدثنا بطل الرواية علي يقول (كنت حائرا وساقاي لا تحملاني .وقلبي يخفق بشدة مثل حمامة محبوسة وسط أضلاعي المضطرمة وشعرت بتيار غامض يسري بجسدي كله عبر يد نيفين الصغيرة القابضة على يدي برحمة )( )
وهنا تقوم الصورة التشبيهية على بلورة الحالة النفسية والشعورية التي يمر بها الصحفي علي بوصفها محركا فاعلا للتصوير وهو وصف حالته كالحمامة المحبوسة فهذا النوع من التشبيه فيه وصف دقيق يجسد حقيقة شعوره اتجاه ما رأت عينيه ترتقي الصورة التشبيهية الى مستوى التخييل
نسق الاستبدال
تعرف الاستعارة بانها: استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه مع قرينة صارفه عن ارادة المعنى الاصلي( ).
فالاستعارة تقتضي وجود علاقة مشابهة بين المستعار له والمستعار منه , اساسها اشتراكهما بصفة معينة او جملة من الصفات فهي تثبت المعنى للمستعار له وتكون بطريقتين:
ومن أمثلة الاستعارة نجد في هذا النص:
“ما الذي يجري لنا ؟ .. لمَ الزمن طاغ إلى هذا الحد؟ الزمن يكون أكثر وطأة وعدوانية في الحروب يا صديقي يمرّ على البشر والشجر والحجارة و فيترك آثار أظافره الناشبة بقوة فوق الصدور.
لكن .. انت مثلاً .. أنظر إليك.. تبدو كما لو نجوت منه ؟ لا يا صديقي .. لقد مزقني من الداخل وعرّشت أشواكه وسط أضلاعي , وان بدوت معافى من الخارج”( )
لقد عمد الكاتب منذ البداية الى شد انتباه السامع من خلال تجسيد الاستعارة حيث جعل من (الزمن) على هيئة جيش كبير قاسي عدواني خصوصاً في الحروب وعندما يمر لا يترك اي شيء أمامه سوى الاثار دليل على قسوته , وقد جسدت (الاستعارة المكنية) التي استعارها لآلامه وفرقه وحزنه بتجسيد عدوه بأظافره الناشبة ومزقته من الداخل وعرّشت من الداخل أشواكه ومزقت اضلاعه .
والجدير بالذكر ان للاستعارة موقعا بارزا في رواية خان الشابندر اذ نجد منها:
” لقد خبرنا الموت يا أستاذ علي .. أنا شخصياً استشهدتُ في القادسية ثم تبيّن أنّني فقدتُ في الشيب .. وبعد ذلك , أُسرتُ في إيران وبعد سنين وجدت نفسي في مصحة عقلية .. هذه السيارة الثانية التي اقتنيتها بعد أن احترقت الاولى في انفجار الصدرية وبعد سنين وجدت نفسي في مصحة عقلية …هذه السيارة الثانية التي اقتنيتها بعد ان احترقت الاولى في انفجار الصدرية خرجت منها محترقا ,وتعجب الناس كيف نجوت من الحادث انا ميت يا أستاذ من زمان …فهل يخاف الميت من الموت “( )
وقد شخص الروائي في هذا النص الموت انساناً ويخبره ماذا يجري في الموت متكئاً على الاستعارة المكنية مكملاً صورته الاستعارية بصورة أخرى رسمت معالمها في صورة الموت فجاء بصورة (استشهدت في القادسية) دلالة على ان الموت قد حصل وعبر عنه بالاستعارة المكنية فاسقط بعض الأفعال الإنسانية ليسهل تقبلها ويقربها للمتلقي عندما يقول: ” بعد سنين وجدت نفسي في مصحة عقلية) فالتشخيص هنا الوسيلة التي تمكن المبدع من تصوير المشاهد المرعبة التي مر بها بطل الرواية من اقسى حالات العنف والموت .