نشأة الفكر الجغرافي الاغريقي
      استغرقت الحضارة الاغريقية  الفترة من 600 – 300 ق.م ، وقد نال الأغريق شهرة واسعة بسبب مكانتهم العلمية ومنزلتهم الحضارية ، وأطلق الأغريق على أنفسهم أسم الهلينيون اعتقادا منهم أنهم من أصل واحد هو هلين وموطن الاغريق الاصلي هو سواحل بحر أيجه وجزره ، وأطلق الاغريق على الأخرين أسم البرابرة لكي نتلمس نقطة البادية التي زجت الاجتهاد الجغرافي واهتمام الانسان بحصاده ، في اطار التأمل الفلسفي الأغريقي ، ينبغي أن نتابع ما ورد في ملحمة الالياذة وملحمة الأوديسة ، كيف سجل هومير تسجيلا واضحا ، يصور أو بعبر عن الاهتمام الاغريقي بالمعرفة الجغرافية اهتماما يلفت النظر ومن الجائز أن يختلط عرض المعرفة الجغرافية بالغرائب والعجائب وشطحات الخيال الاسطوري ، إلى الحد الذي يطمس ملامحها ويخفي دلالتها . ولكن المؤكد أن هذا العرض علامة او مؤشر ، ينبئ بمدى الاهتمام بالمعرفة الجغرافية وتطلع الناس إليها ويبدو أن الأغريق قد استقوا هذه المعرفة الجغرافية من مصادرها الأصلية ، من خلال احتكاك حضاري أو من خلال مطالعة رصيد التراث الحضاري  المصري والبابلي والفارسی لقد كان الإغريق هم الأوائل الذين حاولوا إغناء وبلورة معارفنا الجغرافية فهم الذين أوجدوا كلمة جغرافيا من كلمة : Geo graphy وتعني وصف الارض . أما الشعوب الأخرى أوائل المصريين والكلدان فلم يقدموا أكثر من معلومات عن المناطق المجاورة لبلادهم ومن الجائزان الاهتمام الاغريقي قد أسفر عن اضافة عن المعرفة بالجهات الأصلية أو عن شرح اصول تسمية المجموعات النجمية. ولكن المؤكد أن هذا الاهتمام الاغريقي قد هيا للتأمل الفلسفي الذي جاوب نداء الحس الجغرافي الاغريقي المتاجج برغبة في المعرفة الجغرافية وندائه إلى العقل لكي يتدبرها ، حتى يبدا من حيث انتهت الاجتهادات الجغرافية القديمة  
واستنادا على ذلك كله  نذكر أنه اعتبارا من القرن السادس قبل الميلاد ، انبرى بعض أعلام الفكر الإغريقي للاهتمام بالرؤية الجغرافية ، وحسن الاستماع لهمس الحس الجغرافي الذي فجر فيهم هذا الاهتمام . ومن هؤلاء الرواد نذكر أربعة هم : طاليس و انكسمندر و هيكاتيوس و زينوفان . وقد فتح هؤلاء المفكرون الباب على  مصراعيه ، لكي يهتم الفكر الاغريق بالتأمل في الرؤية الجغرافية ، في الفترة التي امتدت إلى وفاة الاسكندر الأكبر في سنة ۳۲۲ قبل الميلاد وبصرف النظر عن مدى ازدهار التفكير العقلي الاغريقی ، مبلغ انتفاعه بازدهار التوسع الامبراطوري ، نذكر كيف فجر التفكير العقلی الفلسفي الاغريقی الفكر الجغرافي المبكر ، وكيف انبرى إلى تقسيم وصف الأرض إلى اقسام رئيسية تمثلت في الفكر الجغرافي الفلكي ، وفي الفكر الجغرافي الاقليمي. بل قل لقد تمادي هذا التفكير إلى حد ابداع مبكر يسجل الاهتمام بالأرض وحقائق وسنن عن حياة الناس في الأرض . بمعنى أنها كانت تباشير استشعار الحد الفاصل بين الفكر الجغرافي الذي يستوعب ويتدارس الأرض ( جغرافية طبيعية ) والفكر الجغرافي الذي يستوعب ويتدارس الناس ( جغرافية بشرية ) في ذلك الوقت المبكر . ومع ذلك فقد تاتي الخلط الذي وضع الاهتمام بدراسة الناس في حضيض الاهتمام ، واستوجب تعظيم دراسة الأرض . وهكذا ينبغي أن نتصور كيف تبني التفكير الفلسفي الاغريقي  النابض بالحيوية والابداع الاهتمام بالارض والناس وكيف انساق هذا التفكير في الاتجاه الصحيح لكي يضئ كاشفا عن أبعاد حقيقة المعرفة الجغرافية  ,النابض بالحيوية والتجديد والابداع ، الاهتمام بالأرض والناس ، وقد أسفر التأمل الفلسفي الاغريقي ، ومن ورائه التطلع الشديد إلى المعرفة وكشف النقاب عن الأرض ، وعن نتائج واضافات وتطوير وتقدم المسيرة الفكرية الجغرافية في اتجاه رشید ومفيد ، لحساب الانسان . ويمكن ان نحصى ذلك كله من خلال متابعة عطاء الفكر الفلسفي ، في كل من الجغرافية الفلكية والجغرافية الطبيعية والجغرافية الوصفية ، لكي نتبين حقيقة الاضافات والتطوير في هذه المرحلة.

شارك هذا الموضوع: