عُنيَّ اللغويّون كثيراً بموضوع نشأة اللغة ، لذا قد أجهد الباحثون أنفسهم في محاولة الكشف عن سرّ نشأت اللغة لكنهم لم يتوصلوا إلى الحقيقة القاطعة بل وصلوا إلى افتراضات وتخمينات ، وصاغوا على أساسها آراءهم في نشأة اللغة بصورة نظريات عدّة ، ولكن من يُمعِن النظر فيما كُتِب عن أصل اللغة، يجد نظريتين تاريخيتين شهيرتين في نشأة اللّغة أبرزها : (مهمة جدًا)
1- نظرية التوقيف : وتفترض هذه النظرية أن اللغة نشأت عن طريق (الوحي) من الله –سبحانه وتعالى- إلى الإنسان المتكلم الأول ، وهو آدم (عليه السلام ) ، وبُنيَّ هذا الافتراض على ما ورد
في القرآن الكريم في قصة خلق آدم (عليه السلام) ، فقد قال جلَّ وعلا: (وعَلَّمَ آدمَ الأسماءَ كُلَّهَا) (البقرة:31) .
2- نظرية الإصطلاح : أو نظريّة (المواضعة) وترى أن اللّغة إنما نشأت عن طريق التواضع والاتفاق بين الناطقين بها، وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدًا، فيحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء، فيضعوا لكلّ منها سمةً، أو لفظًا يدلّ عليه، ويغني عن إحضاره أمام البصر، ويُعدّ ابن سينا (المتوفى 427ه) أفضل من فسّر الاصطلاح، والمواضعة، والاتفاق، ذلك أنّه لحظ أن ارتباط اللّفظ بالشيء الذي يدلّ عليه، ارتباط اعتباطيّ، لا علّة له، مما يدلل على أن العلاقة بينهما علاقة اتفاقيّة اصطلاحيّة، وهذا الاتفاق لا يتمّ إلا بالتواطؤ.
أي أنَّ اللغة ارتُجِلت ارتجالا وخُلِقت خلقاً من قبل الإنسان ، فعندما يطلق لفظ ما على معنى ما ، ويشيع بين الجماعة المتكلّمة ، يثبت هذا المعنى لهذا اللفظ الذي أطلق عليه .
وإلى جانب هاتين النظريتين التاريخيتين، وجدت نظريات أخرى، منها:
النظريّة الطبيعيّة (محاكاة أصوات الطبيعة): وتذهب هذه النظريّة إلى أن النشأة الأولى للغة لا تعدو أن تكون تقليدا للأصوات الطبيعيّة التي سمعها الإنسان القديم، ثمّ تحوّل هذا التقليد إلى دلالات مجردة.
النظريّة الإشاريّة: وترى أن اللغة إنما نشأت عن ارتباط بعض حركات اللّسان بحركات الجسم والأشياء الخارجية.
نظريّة الإرهاق: وتذهب إلى القول بأن اللّغة إنما نشأت من صيحات التعب التي كان الإنسان الأول يطلقها في أثناء العمل، أو بعده، فتحولت هذه الصيحات بعد انتظامها إلى دلالات مجردة.
ويمكن تلخيص هذه النظريات بأنها تبنى على افتراض أن اللغة نشأت محاكاة للأصوات الطبيعية الصادرة من الطبيعة أو الحيوانات . فأصوات الحيوانات كصهيل الفرس ، ونعيق الغراب ، وأصوات الطبيعة ، كأصوات الرعد ، والماء ، وغيرها يقلّدها الإنسان ، ويطلقها على مصادرها ، فيسمّي كل مظهر من مظاهر الطبيعة ، أو حيوان بصوته الذي يصدره .