نظرية العجز المتعلم: نظرة عميقة في السلوك والاستجابة
إن العجز المتعلم هو نمط سلوكي يتضمن استجابة غير متكيفة تتميز بتجنب التحديات، والمشاعر السلبية، وانهيار استراتيجيات حل المشكلات عند ظهور العقبات. وتتظافر ثلاث مكونات رئيسية لظهور العجز المتعلم، وهي: العلاقة بين الفعل والنتيجة، والإدراك، والسلوك.
مكونات العجز المتعلم:
  1. العلاقة بين الفعل والنتيجة (Contingency): هي الفكرة القائلة بوجود علاقة يمكن تحديدها بين أفعال الفرد واستجابة البيئة، مثل النقر على طبل وما يصاحبه من صوت. في أبحاث العجز المتعلم، غالبًا ما يتم تفعيل هذا المكون بشكل عكسي – عدم القدرة على التحكم – بحيث أنه عندما يتصرف الفاعل، لا توجد علاقة محددة مع استجابة معينة.
  2. الإدراك (Cognitions): هو الطريقة التي يفهم بها الفرد ويفسر العلاقة بين الفعل والنتيجة أو عدم وجودها. إن كيفية تفسير الأفراد لهذه العلاقة تقود إلى المكون الثالث للعجز المتعلم.
  3. السلوك (Behavior): وهو الاستجابة التي تظهر على الفرد نتيجة إدراكه للعلاقة بين الفعل والنتيجة.
وجود العجز المتعلم:
يوجد العجز المتعلم في موقف لا توجد فيه علاقة واضحة بين الفعل والنتيجة، ويتوقع المرء أن عدم القدرة على التحكم سيستمر، ويتصرف وفقًا لذلك، مثل الاستسلام.
أصول النظرية:
ظهرت هذه النظرية في منتصف الستينيات من القرن الماضي كمحاولة من قبل مارتن سيليجمان وستيفن ماير لشرح سبب فشل بعض الكلاب في محاولة الهروب من الصدمات الكهربائية بينما هربت أخرى بسهولة. في البداية، تم وضع الكلاب في حزام وتم ربطها بحيث لا تتمكن من الهروب من الصدمة. في البداية، قفزت الكلاب محاولة تجنب الصدمة. ولكن في النهاية، بدأت هذه الكلاب بتقبل الصدمة بشكل سلبي، وفشلت في الاستجابة. ما أثار قلق الباحثين بشكل خاص هو أنه عندما تم نقل هذه الكلاب إلى صندوق مختلف، استمرت في تقبل الصدمة بشكل سلبي، وفشلت حتى في محاولة الهروب على الرغم من سهولة ذلك. لم تتمكن نظرية التعلم المعاصرة من تفسير هذا السلوك بشكل كافٍ، وولدت نظرية العجز المتعلم.
تطبيق النظرية على البشر:
عندما طبق الباحثون النظرية على البشر، أصبح من الواضح أن الاستجابات البشرية أكثر تعقيدًا بكثير من استجابات الحيوانات. تم تصميم الدراسات الأولية على غرار الدراسات التي أجريت على الحيوانات، باستخدام أحداث سلبية، وقدرة تحكم محددة من قبل المجرب أو عدم القدرة على التحكم، وفحص الاستجابات اللاحقة. كانت النتائج الأولية داعمة للنظرية بشكل عام، بينما استمرت في طرح أسئلة جديدة.
عمليات العجز المتعلم:
يبدو أن عدم القدرة على التحكم يرتبط بزيادة المشاعر السلبية مثل الغضب والقلق والاكتئاب، وانخفاض في العدوان الملاحظ، وزيادة في الاستثارة. إن احترام الذات معرض بشكل خاص للعجز المتعلم. تشير نتائج الأبحاث إلى أن الأفراد الذين يعانون من نتائج غير مشروطة قد يصبحون أكثر عرضة لإظهار نمط العجز. كان السؤال المبكر في أدبيات العجز المتعلم هو ما إذا كان العجز يعمم بالفعل من موقف إلى آخر، كما هو الحال في الحيوانات. أظهر هيروتو وسيليجمان أن الفشل في تجنب الحدث السلبي كان مرتبطًا بالفشل اللاحق في مهمة معرفية، وأن الفشل في مهمة معرفية كان مرتبطًا بالفشل في تجنب الحدث السلبي، مما أدى إلى “العجز الشامل” – التعميم من نوع واحد من المهام إلى نوع آخر. كان هذا حاسمًا لتقدم النظرية. ادعى النقاد أن التعلم كان محددًا بالموقف. عارضت نتائج هيروتو وسيليجمان حججهم بشكل فعال.
العجز المتعلم كنمط سلوكي:
تستمر هذه النتائج في دعم فكرة العجز كمجموعة متماسكة من أوجه القصور، بدلاً من مجرد مشكلة خاصة بالمهمة. يصدر الأفراد الذين يظهرون أنماطًا عاجزة تصريحات تشير إلى أنهم يعتقدون أنهم مسؤولون شخصيًا عن الفشل، ويعزون إخفاقاتهم إلى ظروف مستقرة، ويصرحون بأن هذه الخصائص تشمل أنفسهم بالكامل. وبعبارة أخرى، يبدو أنهم يعتقدون أنهم فشلوا لأنهم أغبياء، وأنهم سيظلون أغبياء، وأن كل ما يفعلونه هو غباء – التحكم، والإدراك، والسلوك. يشار إلى هذا النمط غالبًا باسم “النمط التفسيري”، وقد ذهب الكثير من الأبحاث لدعم فكرة أن البشر يميلون إلى استخدام أسلوب معين لشرح الأحداث الجيدة والسيئة.
أسباب العجز المتعلم:
هناك القليل جدًا من الأدلة في هذه المرحلة تصف سوابق العجز المتعلم. تشير بعض الأبحاث إلى وجود عنصر وراثي، مشيرة إلى أن التوائم أحادية الزيجوت (المتطابقة) أكثر تشابهًا في أسلوبهم التفسيري من التوائم ثنائية الزيجوت (الأخوية). يُعتقد أن هذا يرجع إلى مستوى أعلى من التشابه الجيني، ولكن يمكن أيضًا تفسيره بدرجة أكبر من الخبرات المشتركة. نظر آخرون في الارتباطات بين أسلوب التفسير الأبوي وأسلوب الأطفال، ولم يجدوا سوى علاقات طفيفة. هناك مجال واعد ينظر إلى توفير الوالدين للبنية والتطفل. تشير النتائج إلى أن تطفل الأب يعطل العلاقة بين الفعل والنتيجة في البيئة وقد يؤدي إلى اعتماد نمط عاجز في مرحلة الطفولة المبكرة. من الواضح أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل في هذا المجال.

شارك هذا الموضوع: