اولت الابحاث التي أجريت على نظرية العقل اهتماماً ملحوظا ليس فقط بين علماء النفس النمو ولكن ايضا الباحثين والاطباء والمحامون في حقول مثل الفلسفة والطب النفسي وعلم الاعصاب وعلم النفس الاجتماعي وعلم النفس السريري وعلم النفس المقارن وعلم النفس الادراكي كما اشار البها كل من روبرت زجلر(2005) و كاثرين ( 2000) وفاكمان (2005) ، لويس وميشيل (1994) ، فلافيل وميلر (1998) واخرون غيرهم ، وحقيقة ان هذا الاتجاه بدأ بشكل رئيسي مع بياجيه حيث بين بياجيه واتفق معه معظم علماء النفس على ان الاطفال يبدؤون النمو المعرفي عن طريق كونهم اكثر ادركا وقد استخدموا مصطلحات عديدة ليفسروا دراساتهم التطورية في المحاور المتعددة للإدراك الاجتماعي منها فهم الافكار ، الاحلام ، النوايا ، والمبادئ الاخلاقية ( الامام و الجوالده،2010: 23).
استخدم مفهوم نظرية العقل بشكل واسع في نظريات التطور. وفقاً لهذه النظرية فإن الفرد يتصور أن أفعال الناس وردود أفعالهم حول المواقف والمثيرات البيئية تنبع من طريقة تفكير الأفراد أنفسهم وليس من طبيعة تفكير الفرد نفسه، فيدرك الفرد أن لكل شخص طريقة تفكير وتصورات خاصة به. يعرف علماء النفس التطوري نظرية العقل بأنها التفسيرات والتنبؤات الحدسية للفرد حول الآخرين، فيقوم الأفراد وبدءاً من عمر الثلاث سنوات ببناء نماذج (MODELS ) للآخرين من خلال تفاعلهم الاجتماعي، كذلك يطوروا نماذج عن الذات (-SELF MODELS ) أثناء نموهم وخصوصاً في مرحلة الطفولة (CHILDHOOD). فالطفل قبل سن الثالثة يكون تفكيره متمركزاً حول الذات ويعتقد مثلاً أن جميع الأشخاص معه في الغرفة يرون نفس الجانب الذي يراه لجسم أبعاده الثلاثة واضحة (صندوق، لعبة،… الخ)، ولكن عندما يبدأ تفكيره بالتحرر من التمركز حول الذات فإنه يدرك أن الآخرين يرون بطريقة مختلفة عنه ( محمد وعيسى ، 2011: 185).
مدخل إلى نظرية العقل
قام أحد المختبرين بعرض علبة تحتوي على ألوان شمعية أمام طفلة في عمر خمس سنوات وسألها عما بداخل العلبة فأجابت «ألوان». شرعت الطفلة في النظر بداخل العلبة واكتشفت أنها تحتوي على أقلام بالفعل. ماذا يعتقد أي طفل آخر لم ينظر داخل العلبة بشأن محتوياتها؟ (يسأل المختبر) تجيب الطفلة باهتمام «ألوان»؟ قام المختبر بعد ذلك بإعادة نفس الخطوات مع طفل آخر في عمر ثلاث سنوات، تشابهت الإجابة على السؤال الأول مع الحالة الأولى «ألوان» ولكن الإجابة على السؤال الثاني كانت مدهشة ومثيرة «أقلام». يوضح ذلك أن الطفل الأصغر كذلك كان يتوقع من البداية احتمال احتواء العلبة على الأقلام….
بالرغم من أن نظرية العقل قدمت عام 1985 من قبل بارين – كوهين وليزلي (1985 .COHEN & LESLIE-BARON)، إلا أن المقالة التي كتبها برياك وودرواف (1978 .PREMACK & WOODERUFF) والتي تحمل عنوان: «هل لدى الشمبانزي عقل»، قدمت الأساس النظري للموضوع، فقد حولت الاهتمام بنظرية العقل من الفلسفة إلى علم النفس ليتحول تناول هذا الموضوع من التنظير والميتافيزيقيا إلى التجريب الأمبريقي ، حيث اوضحا ان الفرد يمتلك نظرية للعقل اذا عزا الحالات الذهنية لنفسه وللأخرين وهذه الحالات لا يمكن رصدها بشكل مباشر ويدخل في هذا النظاق النظام الاستدلالي كنظرية ويمكن استخدام هذا النظام لعمل تنبؤات حول سلوك الاخرين وقد لا تكون النتائج قطعية في هذا المجال ولكنها كانت مقدمة لعلم جديد قد تمت ولادته حيث اخذ منحنى تطبيقي على الانسان ( الامام و الجوالده، 2010: 33) .
ومن المواضيع البارزة التي تناولها علم النفس المعرفي وعلم النفس التطوري ما يعرف بتطور التمثيلات المعرفية، وقد أصبح من شبه المتعارف عليه لدى علماء النفس المعرفي أن الفرد لا يتمثل العالم بنفس الطريقة التي تتواجد بها الأشياء فعلياً وإنها تجري عليها تعديلات تختلف من فرد لآخر. اهتم بياجيه Piajet وعلماء آخرون بتطور التمثيلات المعرفية للأشياء في ذهن الطفل، وعندما يتمكن الطفل من فهم أفكار الآخرين ونواياهم وتمثلها معرفياً يقال أنه قد تطور عقلياً لدرجة أنه أصبح معها قادراً على التمييز بين تمثيلاته للأشياء وتمثيلات الآخرين لها، وعندها يدرك أن للآخرين أفكاراً ونوايا ومشاعر ومعتقدات قد تطابق ما لديه وقد تختلف عنها، وهي البداية لما يعرف «بنظرية العقل» (THEORY OF MIND) والمتعلق بفهم طبيعة التمثيل المعرفي في العقل وعلاقته بالسلوك ( محمد وعيسى ، 2011: 186).
ويذكر كلا من لويس وميشيل (1994) ان نظرية العقل تعرف على انها القدرة على تقديم استدلالات عن الاخرين والتنبؤ في سلوكهم وايضا عرفوها بأنها القدرة الادراكية التي تمكن من فهم الحالات الذهنية للأخرين يستعرض المؤلفان ست اسس رئيسية لنظرية العقل موضحه بالشكل التالي ( الامام و الجوالده،2010: 24).
شكل يبين اسس نظرية العقل
أسس نظرية العقل :
استنتاج الاهداف والمقاصد :يستطيع الاطفال الرضع في مرحلة مبكرة ان يكتسبوا عدداً من القدرات تساعدهم لمواجهة الحياة فهم يتأملون في الوجوه ويسمعون الاصوات وينظرون الى الافواه فهي بالنسبة لهم نظام تشفير شيء ما يتم استدعائه بنفس الظروف التي مرت بهم اثناء حدوث عملية التشفير ويحدث هذا بعمر ( 5-9) اشهر.
الانتباه المتواصل التركيز : ان الانتباه المتواصل يظهر ما بين (18-24) شهر ويعتبر الطفل في عمر( 1-2) سنة تركيز نظر الاخرين اتجاهه بمثابة مصدر معلومات اساسي يضاف الى رصيده ، والاطفال في هذه المرحلة يرتكبون اخطاء لا يستطيع لا يستطيع الاخرين رؤيتهم احيانا اخرى بقصد لفت انتباه الكبار على جانبين اولهما لفت الانتباه الذاتي والثاني لفت الانتباه لشيء موجود في البيئة المحيطة وهو الانتباه الخارجي وهذه تعتبر عملية تمهيدية لأحداث عملية تفاعل مع الاخر.
اللعب التخيلي: يبدأ عند الاطفال في عمر( 18-24 ) شهر فاللعب التخيلي يشمل فك التربط بين اللعب التخيلي ( هذا طفلي ) الى الادراك الحسي (هذه لعبتي)
التصرف على اساس الحالات الذهنية للاخرين :في عمر مابين ( 2-3) سنوات يطرأ تطور حقيقي على الاطفال اذ يبدؤون بألفتهم الواضحة الملكية بعض الاشياء التخيبلية كأنها مقابلة الاشياء مادية وعلى مايبدوا فأن فهمهم ان الحالات الذهنية مثل الرغبة والمعرفة حالة شخصية خاصة ، وهذا المكونات نوعية غير خاضعة للملاحظة المباشرة .
الاعتقاد والمعرفة : يظهـر الأطفـال فـهـم ضمني لطبيعة المعرفة والاعتقادات التي يتمثلوهـا قبـل أن يتمكنـوا مـن التعبير عنها أو فهمها بشكل محدد، فالمعرفة عملية تراكميـة قابلة للتغيير، ولفحص الاعتقاد الخاطئ عند الأطفال حيث انه مفتاح الاختبار لنظرية العقل و ظهور الفهم الخاطئ للاعتقـاد قـد يكـون إمـا ضـمني أو صريح، وتوجد قاعدتان أساسيتان لفهـم الاعتقاد الخاطئ عند الأطفال: هـمـا مهمـات تغيير الموقع ومهمـات محتويات غير متوقعة
المحاكاة البعدية : في هذه المرحلة يكتشف الطفل حدوده فيقارن نفسه مع الآخرين ويكتشف أن كلا من أقرانه يتميز عنه بشيء ما، في حين انه كان هو الأفضل في عيـون والديه ، وعندما تعرض لأقران جدد فتأثرت شخصيته تأثراً كبيراً ومن الطبيعي أن تتكون لدية اعتقادات متباينة، فمن الطبيعي على الرغم من أن طفل الثلاث سنوات قادر على إظهار الأثر الضمني لحالات اعتقاد الآخرين إلا أن هـذا لا يعني أنه يفهم طبيعة المحاكاة للاعتقادات والمعرفة، والاعتقاد يعزى إلى مدى مـا يعـرف عن الحالات الذهنية المعرفية للآخرين، إنها المحاكاة البعدية التي تمكن الأطفـال مـن اجتياز لمهمـات الاعتقاد الخاطئ، التي يقيسها الاختبار المقنن. ( الامام والجوادله، 2010 : 25-30).
مبادئ نظرية العقل:
أشار سايمون كوهين إلي أربع نقاط أساسية ترتكز عليها نظرية العقل وهي :
يفسر الأفراد العاديون السلوك الاجتماعي عن طريق تقييم دوافع ومعتقدات الآخرين
يفتقد الأفراد الذين لديهم اضطراب طيف التوحد إلي بعض مهارات قراءة العقل
تمثل هذه المهارات جزءا من البناء المعرفي للمخ .
هناك أربع آليات ( ميكانيزمات ) نمائية في الفرد تعزز من مشاركة وجهة نظر الآخرين وهذه الآليات هي :
– تحديد النية أو القصد : وتشير إلى تفسير الدافع أو الحافز للقيام بفعل أي شيء
– تحديد اتجاه العين و الاستخدام الوظيفي للأعين في التعبيرات الانفعالية .
– آليات الانتباه المشترك ( ويشير الإنتباه المشترك إلى رغبة الطفل في جذب انتباه الآخرين إلي
ما يقوم به ؛ وقد يكون ذلك في عدة صور كأن ينظر الطفل إلى الآخرين ثم يعيد النظر إلى ما يقوم به،
أو يشير إلي شخص ما كي ينظر إلى ما يقوم به ، أو يسحب يد الشخص ليري ما يقوم به).
– آليات نظرية العقل وتشير إلى المدى الكامل للحالات العقلية الإدراكية والمعرفية. .(يحياوي ، 2021: 802).
مكونات و استخدامات نظرية العقل
يضم مفهوم نظرية العقل عددا من المكونات و كذا الاستخدامات
مكونات نظرية العقل
تتكون نظرية العقل من ثلاثة جوانب أساسية هي:
أولا: الحالات أو التمثيلات العقلية (Mental Representations) : وترتبط بمفاهيم تشبه القانون أو القواعد العامة، وهي غير مستمرة ويختفي العديد منها مع الوقت، وتظهر على شكل أفكار ومعتقدات وأحلام وتخيلات و مفاهيم دلالية
ثانيا : المعتقد الخاطئ (False Belief):و يرتبط بالقدرة على أخذ معرفة الآخر وتوقع أن الآخر الذي نتعامل معه يمتلك بعض المعلومات حتى لو كانت هذه المعرفة أو الاعتقادات مناقضة للمعرفة التي يمتلكها.
ثالثا: المظهر الحقيقي ( Appearance – reality ):هو قدرة الفرد على معرفة حقيقة الشيء حتى وإن عرض عليه بمظهر مختلف.
استخدامات نظرية العقل
تتعدد استخدامات نظرية العقل لدى الفرد، و تتمثل فيما يلي:
– إضفاء معنى على السلوك الاجتماعي: حيث تعد قراءة العقل أسهل طريقة لفهم الآخرين، إذ يقوم الشخص بعزو الحالات العقلية للآخرين وتقديم صياغة لتفسير السلوك الحالي والتنبؤ بالسلوك التالي.
– إضفاء معنى على التواصل: يقصد به فهم رموز الحديث مثل التهكم والسخرية والاستعارة والدعابة، حيث من يقوم بالحديث لا ينوي أن يؤخذ كلامه بشكل حرفي وعلى المستمع أن يذهب لأبعد مما يسمع حتى يستطيع أن يفترض الحالة العقلية للمتحدث.
– الخداع: حيث نجعل الطفل يعتقد الشيء الحقيقي ولكنه في الواقع زائف، فالطفل العادي يبدأ في الانخراط في الخداع بعد فهمه للاعتقاد الخاطئ من سن أربع سنوات.
– القدرة الطبيعية على قراءة العقل: والتي تمنح الفرد القدرة على استنتاج كيفية تفسير الأشخاص للأحداث واستنتاج الانفعال فالطفل ذو الثلاث سنوات يستطيع فهم انفعال شخص أخر في البيئة المحيطة، وعند خمس سنوات يستطيع فهم الانفعالات التي تتولد من معتقدات الآخرين.
– الوعي بالذات أو التأمل الذاتي: فالطفل يستطيع نسب الحالات العقلية الخاصة بالآخرين لذاته ويمكنه بعد ذلك التأمل والتفكير في حالاته العقلية الخاصة به، فالطفل ذو الأربع سنوات ينجح في تمييز وإدراك أسباب السلوك الذي يقوم به( المصدر السابق نفسه : 808-809)
المصادر
الامام، محمد صالح ،و الجوالده، فؤاد عيد (2010): الاعاقات التطورية والفكرية تطبيقات تربوية من منظور نظرية العقل ، دار الثقافى ، عمان.
محمد ، شذى عبد الباقي ،و عيسى ، مصطفى محمد (2011):اتجاهات حديثة في علم النفس المعرفي ، دار الميسرة للنشر والتوزيع، عمان .
الامام، محمد صالح ،و الجوالده، فؤاد عيد (2010): الاعاقة العقلية ومهارات الحياة في ضوء نظرية العقل ، دار الثقافى ، عمان.
يحياوي ، وردة (2021): نظرية العقل ، المركز الجامعي ، بريكة ، الجزائر.
المصادر الاجنبية
1-Eric Margolis, Richard Samuels and Stephen:2012.theory of Mind, oxford Handbook of philosophy, and Cognitive Science.