جامعة كربلاء
كلية التربية للعلوم الانسانية
قسم العلوم التربوية و النفسية 
م.م وسام عادل ناصر السلطاني
العنوان
وهج الانتماء.. دفء التواد وسحر الألفة 
المقدمة:
تتنوع حاجات البشر إلى التواصل الاجتماعي والانتماء، فبينما يسعى البعض إلى تكوين علاقات دافئة ويضعون روابطهم الاجتماعية في مقدمة أولوياتهم، نجد آخرين يفضلون العزلة، متحصنين داخل أسوار وحدتهم، دون رغبة في الاقتراب من الآخرين أو التفاعل معهم. وبين هذين النقيضين، يتفاوت مستوى الحاجة إلى الانتماء، فالبعض يمتلك رغبة معتدلة، في حين يفيض آخرون بروح التواد، حيث تنعكس هذه الحاجة العميقة في أفكارهم وانفعالاتهم وسلوكهم، فتتجلى في شغفهم بتأسيس علاقات إيجابية ومستدامة، تُثري حياتهم وحياة من حولهم.
لقد صاغ هنري موراي مصطلح “الحاجة إلى الانتماء القائم على التواد والألفة”، ليصف الفارق بين أولئك الذين تمتلئ حياتهم بالدفء الاجتماعي والانفتاح على الآخرين، وأولئك الذين يفضلون العيش في عزلة، متحفظين في مشاعرهم، بعيدين عن دفء العلاقات الإنسانية. ويرى موراي أن الانتماء ليس مجرد حاجة سطحية، بل هو مكون أساسي في بنية الإنسان، فلا تكتمل إنسانيته إلا بإشباع هذا الاحتياج الفطري إلى التفاعل والتواصل.
وتستند التفسيرات النفسية لدافعية الانتماء إلى نظريات متعددة، أبرزها نظرية الدوافع الإنسانية التي قدمها موراي، والتي يرى فيها أن السلوك البشري تحركه مجموعة من الدوافع الجوهرية. ووفقًا لتصورات باكان (1966)، تنقسم هذه الدوافع إلى بعدين رئيسيين:
  1. الجدارة والاقتدار:
    يتمثل هذا البعد في سعي الإنسان إلى إثبات ذاته من خلال الإنجاز والتفوق، مدفوعًا برغبة عميقة في النجاح والاستقلالية والقدرة على التأثير في بيئته. ويشمل هذا البعد كلًا من دافعية الإنجاز ودافعية القوة، حيث يسعى الإنسان إلى تحقيق التميز والتأكيد على فرادته.
  2. الوئام والألفة والوحدة:
    أما هذا البعد، فيعبر عن توق الإنسان إلى الاندماج مع الآخرين، والشعور بالتآلف معهم، في إطار من القبول والتراحم. إنه الإحساس العميق بالانتماء، حيث تتجلى أخلاقيات الرعاية والتعاطف والتعاون، فيرسم الفرد ملامح علاقاته الاجتماعية بروح دافئة محبة.
وترى كارين أوكنور وروزنبولد (1996) أن الانتماء يعكس الميل الفطري للإنسان إلى البحث عن الصحبة، إذ يقضي معظم حياته في كنف الآخرين، مستمدًا منهم الأمان والطمأنينة. فالمساندة الاجتماعية، بمختلف أشكالها—الانفعالية، والمعرفية، والتوجيهية، والأداتية—توفر له بيئة حاضنة تدعم استقراره النفسي وتعزز شعوره بالراحة والرضا.
في المقابل، فإن غياب التواد والانتماء قد يقود الفرد إلى حالة من الوحدة القاسية، التي تتجلى في شكلين رئيسيين:
  • الوحدة الانفعالية: التي تنتج عن الحرمان من الدعم العاطفي، مما يزيد من احتمالات الشعور بالاكتئاب واليأس.
  • الوحدة الاجتماعية: التي تنبع من قلة التفاعل الاجتماعي، وانخفاض المساندة الاجتماعية، مما يعزز الإحساس بالعزلة.
ويظهر بوضوح أن الحاجة إلى الألفة والتواد ليست مجرد ميل سطحي، بل هي جوهر التكوين الإنساني، إذ أن الأشخاص ذوي الدافعية المرتفعة للانتماء يتميزون بدفء مشاعرهم وتفاعلهم الإيجابي مع الآخرين، مما يجعلهم أكثر قدرة على نشر التفاؤل والسعادة في محيطهم. فكلما انفتح الإنسان على الآخرين، كلما ازداد إحساسه بالرضا والاستقرار النفسي، حيث يصبح جزءًا من نسيج اجتماعي مترابط يمنحه الدعم والاحتواء.
ختامًا 
لا يزدهر الإنسان في عزلة، ولا تكتمل ذاته بعيدًا عن روابط التواد والانتماء، فالحياة الحقيقية لا تُختصر في الإنجاز الفردي فحسب، بل تتجلى في تلك اللحظات التي نشعر فيها أننا جزء من عالم أوسع، حيث نجد في الآخرين امتدادًا لذواتنا. إن التواد هو ذلك الشعور النابض بالحياة، الذي ينسج روابط الألفة، ليضيء دروبنا بدفء المشاعر، وسحر الألفة، وعمق الانتماء.
 

شارك هذا الموضوع: