سلسلة شخصيات خلدها التاريخ
الحلقة الاولى …. امير كبير (1807-1852)
هو الميرزا محمد تقي خان بن كربلائي محمد قربان بن عباس بن طهماسب بيك ، كان في طفولته يأتي بغداء أبناء قائم مقام الفراهاني، احد ادباء عصره , ولدى عودته لأخذ الأواني كان يمكث واقفاً في الحجرة ويتعلم ما يلقبه المعلم من دروس. ذات يوم قدم قائم مقام الفراهاني ليختبر أبناءه، الذين أخفقوا في الرد على أسئلة أباهم. أما امير كبير، فانه اجاب عما سئل. سأله قائم مقام الفراهاني: تقي أين درست؟ أجاب: حين كنت آتي بغذاء أبناء حضرتكم، كنت وأنا واقف أستمع، فأنعم قائم مقام عليه، لكن امير كبير أبى وبكى. قال له ما تريد؟ أجاب: مر المعلم مثلما يدرس ابناء حضرتكم يدرسني أنا أيضاً. فاجابه قائم مقام بذلك وأوعز الى المعلم بتعليم أمير كبير كذلك. مضت فترتا طفولة الميرزا تقي خان وشبابه تحت اشراف قائم مقام الفراهاني وتربيته. ، تدرج في المناصب الحكومية حتى اصبح صدراً اعظم في عهد الشاه ناصر الدين القاجاري لتبدأ رحلته الاصلاحية التي قصد من ورائها تحديث مؤسسات ايران وجعلها ملاءمة لروح العصر والتي انتهت بقتلح على يد الناقمين عليه غيرتاً وحسداً من رجالات البلاط الشاهنشاهي .. من اعماله أنه قضى أمير كبير على زعيمي أخطر حركتين ظهرتا في ايران ألا وهما حسن خان سالار صاحب الحركة السياسية المُطالبة بالعرش الايراني ، وعلي محمد الشيرازي مؤسس أخطر الحركات الدينية ذات الطابع السياسي والعسكري وهي البابية ، جندَ نفسه لتنفيذ برنامج أصلاحي جذري وشامل ، بيد من حديد وبسرعة مُتناهية ، وأحداث ثورة أصلاحية لقلب حالة عدم الأستقرار والفوضى التي خلفتها أدارة الصدر الأعظم الحاج مرزا اغاسي السابقة.
شرعَ أمير كبير بأصلاحات جوهرية لرفع ايران الى مستوى الدول المتقدمة التي كانت قائمة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من حيث التقدم الأجتماعي والأقتصادي والتطورات السياسية والعسكرية . فبدأت ايران تعيش حالة التقدم الحاصل نتيجة الأستكتشافات العلمية وما نتجَ من أختراعات أثر أندماجها بالسوق الرأسمالية وأنفتاحها على العالم الخارجي ، التي ظهرت فوائدها في مجالات الحياة كافة . وقد وصف المؤرخ برسي سايكس حادثة قتله بقوله : ” أن القضاء على أمير كبير كان كارثة حقيقية حلت ببلاد فارس . إذ توقف التقدم الذي تحقق على يديه ” .
الحلقة الثانية …. شيخ الشريعة الاصفهاني (1850-1920)
هو الشيخ فتح الله بن محمد جواد الاصفهاني المعروف بشيخ الشريعة ، ولد في أصفهان ونشأ بها دارسا مقدمات العلوم الدينية والادبية ، سافر إلى مدينة مشهد المقدَّسة ثم الى النجف ليتتلمذ على يد كبار رجالاتها آنئذ أمثال الشيخ حبيب الله الرشتي والشيخ محمّد حسين الكاظمي حتى نال الاجتهاد ليتخرج على يديه المئات من العلماء ونذكر منهم رعاية للايجاز الشيخ محمّد محسن المعروف بآقا بزرك الطهراني والسيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي والسيّد عبد الهادي الشيرازي والسيّد محسن الأمين السيّد حسين الطباطبائي والسيّد أبو القاسم الخوئي .
تنوعت اعماله وتعددت مواقفه السياسية نذكر منها على سبيل المثال دوره في ثورة العشرين العراقية ، فعندما سيطر المستعمر البريطاني على العراق وسقط الحكم العثماني بعث الشيخ محمد تقي الشيرازي وشيخ الشريعة الاصفهاني برسالة الى الرئيس الامريكي ولسن بتاريخ 1914 20 آذار 1919 ، بينوا فيها رغبة العراقيين جميعهم بما انهم امة ان تكون حرية قانونية في اختيار دولة جديدة اسلامية وملك مسلم مقيد بمجلس وطني .فنهض علماء الاسلام يدعون إلى النهضة والتحرر من سيطرة الاستعمار البريطاني وبعد ثلاث سنوات من سقوط بغداد بيده، وذلك في الثورة المعروفة بثورة (العشرين) التي قادها المراجع، فتصدى المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي وشيخ الشريعة الاصفهاني قدس سرهما، ونتيجة لهذه المواجهة الجهادية اضطر المستعمر الانكليزي أن يستجيب ولاول مرة بعد الحرب العالمية الاولى ويوافق على قيام حكومة وطنية وعندما قامت هذه الحكومة في العراق، كان رأي العلماء أن تكون حكومة إسلامية
وعن تلك التطورات السياسية ذكر الزركلي في اعلامه : برز اسمه في ثورة العراق أيام الاحتلال البريطاني سنة 1920 ، وتناقل الناس ما أصدره من الفتاوى فيها ، وكان في بدئها عونا لآية الله محمد تقي الشيرازي ، ولما توفي الاخير في 1920، انتقلت المرجعية إلى شيخ الشريعة الإصفهاني وقيادة الثورة كذلك ، وفي الصحن العلَوي الشريف في النجف، ألقى شيخ الشريعة خطاباً قال فيه ” إنّ الشيرازي انتقل إلى رحمة الله، ولكنّ فتواه بقتال المشركين باقية، فجاهِدوا واجتهِدوا في حفظ وطنكم العزيز وأخذ استقلالكم”
وقد قام بأعباء الزعامة والإمامة، وجابه الحكّام الغازين برجولة وشجاعة نادرة فافلجهم ودحض حججهم .
من واقفه السياسية الاخرى:-
أيَّد شيخ الشريعة الحركة الدستورية في إيران ، وساهم في الفُتيا بإعلان الحكم الشرعي فيها .
ساهم في رفض المدارس الحديثة التي أخذ المستعمرون يؤسّسونها في البلاد الإسلامية لتبثِّ الأفكار الغربية ، فوقف في وجه الهجوم الثقافي الغربي ، وضدَّ حملة التغرُّب والتغريب
له مشاركات في قضايا الجهاد الإسلامي التي عاصرها ، وقد برزت على ساحات ليبيا وشمال إيران والعراق يومذاك ، فضمَّ اسمه وخطُّه إلى أسماء أعلام العالم الإسلامي ، في الرسالة التي بعثها علماء مدينة النجف الأشرف إلى صحف إسطنبول ، إعلاناً للزوم الجهاد من أجل تحرير ليبيا من الاحتلال الإيطالي ، وتحرير إيران من الاحتلال الروسي ، وكان ذلك عام 1911.