زكي مبارك وتحديد مصطلح المدائح النبوية
بقلم: ا.د علي كاظم المصلاوي
لم يذكر الدكتور زكي مبارك طبيعة العلاقة بين المدائح النبوية التي خصت الرسول (ص) وبين قصائد الشريف الرضي في صريع كربلاء كما نعتها هو ، بل لم يذكر طبيعة العلاقة بين المدائح النبوية وبين القصائد التي خصت أهل البيت عليهم السلام كـ (هاشميات ) الكميت وتائية دعبل الخزاعي او تلك التي خصت احد رجالات أهل البيت وهو زين العابدين (ع) في قصيدة الفرزدق الشهيرة .
فكان مصطلحه عاما أدخل فيه ما يتعلق بالرسول (ص) وأهل بيته عليهم السلام ولعله انطلق من فكرة ان أي أدب تعلق بأهل البيت بالضرورة يتعلق بالرسول الكريم .
ولكن التناقض حاصل بين ما اشترطه الدكتور زكي مبارك وبين هذه القصائد ؛ فهو قد حدد طبيعة قصيدة المدح النبوي وميزها من الرثاء بقوله معللا : “لان الرثاء يقصد به إعلان التحزن و التفجع ،على حين لا يراد بالمدائح النبوية الا التقرب إلى الله بنشر محاسن الدين ، و الثناء على شمائل الرسول. (ص) “ ([1])وهذا الأمر يتناقض مع القصائد التي اختارها كتائية دعبل الخزاعي في رثاء أهل البيت التي قال عنها الدكتور مبارك ” وأهمية هذه القصيدة ترجع إلى ما فيها من التحزن و التفجع ، وهي لذلك خير ما قيل في الانتصار لأهل البيت،.. ” ([2])وقال في الشريف الرضي انه ” لم يظهر توجع الشريف على أهل البيت ظهورا قويا الا في قصائده التي بكى بها الحسين،..” ([3]) وقال في موضع آخر مشيرا إلى حرص ” الشريف على إحياء يوم عاشوراء من كل عام بقصيدة يبكي فيها الحسين. “ ([4])
إذا هي قصائد رثاء وفيها توجع و تحزن وبكاء بشهادته هو ؛ فكيف تكون في الوقت نفسه مدائح نبوية ؟
فالذي يقرأ هذا المصطلح لا يتبادر إلى ذهنه انه سيجد قصائد رثائية في أهل البيت وانما يجد قصائد في حب الرسول و رجاء شفاعته وما تحلى به من أخلاق وما قام به من أعمال وما اشتمل عليه من حسن السيرة وبهاء الطلعة وغير ذلك مما تعلق بشخصية الرسول وسيرته العطرة التي حفلت بها المدائح النبوية وسجلها الباحثون تحت هذه التسمية. ([5])
لذا فان من يقرأ بتمعن كتاب المدائح النبوية للدكتور زكي مبارك سيجد ان هذه القصائد المتعلقة بأهل البيت مقحمة في هذا المصطلح وطارئة عليه ، فليس لها علاقة من حيث الموضوع بالمدائح النبوية المعروفة في الأدب العربي وان تلمس الدكتور زكي مبارك هذه العلاقة وجعلها في الصدق و الوفاء و التصوف . ([6])
ويمكن تعليل ما ذهب إليه الدكتور بأمرين محتملين الأول: انه أراد من القارئ ان يطلع على نمط من القصائد لم يتح له الإطلاع عليها لسبب او لآخر فأراد ان يجلب النظر إليها بتسليط الضوء عليها ، ولم يجد طريقة أفضل من نعتها بـ( المدائح النبوية) فهذا المصطلح يجعلها في غطاء يمرَّر على القارئ العادي والا فهي عند الناقد المتخصص قصائد رثاء وشعراؤها معروفون بوجهة انتمائهم ؛ اما الثاني: هو ان المصريين كانوا يحتفلون من كل عام بيوم عاشوراء([7]) لذا لم يجد الدكتور مبارك أمرا مستغربا لو نعت هذه القصائد بالمدائح على طريقة أهل مصر والا فهو احتفال تأبين بلا شك.
[1] ـ المدائح النبوية في الأدب العربي : 11.
[2] ـ م.ن : 103.
[3] ـ م.ن : 109.
[4] ـ م.ن : 49.
[5] ـ ينظر على سبيل المثال لا الحصر كتاب : المدائح النبوية في أدب القرنين السادس والسابع للهجرة للدكتور ناظم رشيد .
[6] ـ ينظر :المدائح النبوية في الأدب العربي :41 ، 59 ، 109.
[7] ـ ينظر : م.ن : 49.وفيها أشار الدكتور إلى ان أهل الريف في مصر يحتفلون بذلك اليوم ـ يعني يوم عاشوراء ـ احتفالهم بعيد الأضحى من حيث التوسع في المطاعم . وفي مصر نوع من الحلوى اسمه عاشوراء يؤكل في ذلك اليوم ويتخيره ناس للفطور…..وفي الصفحة التي قبلها أشار إلى رؤيته موكب النوح على الحسين (ع) في القاهرة اذ كان الشيعة يطوفون حول مسجد الحسن (ع) وأجسامهم مخضبة بالدماء، و رأى الناس يبكون ويصرخون وهم يسمعون سيرة الحسين في ليلة عاشوراء .