الجذور الطائفية في الأنظمة السياسية العراقية السابقة
بقلم الأستاذ الدكتور : علي الحسناوي / قسم التاريخ ـ كلية التربية للعلوم الإنسانية
إن الكلام عن هذا الموضوع لم يكن التطرق إليه بصورة اعتباطية من دون تخطيط مسبق ، حيث إننا لا نعلو جانب الحقيقة بالقول إن بعض الطائفيين في الأنظمة السياسية العراقية كانوا يستخدمون هذا المصطلح قاصدين فيه الطائفة الشيعية في العراق . علماً أن عمليات تثقيف وتلقينٍ واسعة وتربية هادفة كانت بهذا الاتجاه . وكان مقصدها ومهمتها تهيئة العقول وتنمية ذهنية التعصب المذهبي ، من خلال ترسيخ مفهوم الطائفية المقيت . ومنذ ثلاثينيات القرن العشرين دأبت مؤلفاتهم تؤكد ذلك الاتجاه . في رسالة (العروبة والميزان) التي ثبت باليقين الدامغ إن الذي وراء واضع هذه الرسالة هو ياسين الهاشمي رئيس الوزراء خلال تلك الفترة وأخيه طه الهاشمي رئيس أركان الجيش العراقي آنذاك .حيث ان كل ما جاء في هذه الرسالة هو إنكار العروبة والإسلام لدى الشيعة . ومما يؤكد ذلك قول عبد الرزاق الحصان : (إن الشيعة شعوبيين بالإجماع ، فرسٌ في الإجماع ، وهم من بقايا الساسانيينفي العراق ، ولا حق لهم في السلطة ، أو في تمثيلٌ في السلطة) .
وتأسيساً على ذلك يمكننا القول بأي شرعية وأحقية دستورية يحق للحصان أن يصرح ذلك وهل عرف الحصان إلى أي قومية أو دينية ينتمي وما هي أدلته التي يستوجب بهذه السهولة إسقاط الجنسية العربية عن مليوني عربي من مجموع سكان العراق البالغ تعدادهم آنذاك ثلاثة ملايين نسمة . وأمام ذلك التحدي المقيت الذي يستهدف الهوية الإسلامية والعربية للشيعة لم يكن سلاحهم اتجاه ذلك سواء الدعاء . ذلك السلاح الماضي الذي جربوه مع كل الطائفيين ودعاة الطائفية من حكام الباطل والجور آنذاك فلن نرى أو نسمع أن الشيعة في يوم ما رفعوا السلاح أو زهقوا الارواح أو استباحوا المحرمات أو خربوا الحضارة كما يفعل أحفادهم اليوم . وكان الشيعة يستخدموا الطرافة أحياناً في نقد ذلك الأسلوب والاتجاه ، حيث يقول شيخ الخطباء محمد علي اليعقوبي (رحمه الله) في وزارة ياسين الهاشمي عام 1935م:
قالوا لوزارة (ياسين) ترأسها وقائد الجيش (طه ) في الميادين
يا رب (طه) و (يس) بحقهما أرحم عبادك من (طه) و(ياسين)
إن دعاة الطائفية أمثال هؤلاء وغيرهم من العاملين على غرس بذور الفتنة والتعصب المذهبي بين أبناء الأمة الإسلامية في العراق ، قد هيأوا جيلاً من المتلقين السذج لأفكارهم والعاملين على ترويجها بين البسطاء . فضلاً عن توظيفها وتجسيدها لافي عدة مشاريع كان هدفها إلغاء دور الأكثرية وإبعادها عن المراكز الحساسة في السلطة حتى أثمرت هذه الدعوات الهزيلة المدانة ، إلى ظهور حكام ورؤساء وزارات ووزراء ومسؤولين وأحزاب من مختلف الاتجاهات يعملون على تجسيدها في مشاريع حكومية مختلفة . وخلاصة القول إن تاريخ العراق المعاصر ومنذ قيام الحكومة الملكية عام 1921م كانت الفئة الكبرى من سكانه والتي نعتت بعدم انتمائها للعروبة والإسلام كانت هي الأكثر عدداً والأقوى إيماناً بالإسلام والأكثر ثقلاً في الحركة الوطنية العراقية للدفاع عن الوطن ومقدساته وحضارته وحدوده حتى يومنا هذا .
المصادر:
1 – حسن العلوي ، التأثيرات التركية في المشروع القومي العربي في العراق ، دار الزمان ، لندن 1988، ص144– 145.
2 – روفائيل بطي ، ذاكرة عراقية ، ج2 ، دار المدى للكتاب والنشر ، دمشق 2002 ، ص99 – 102 .
3 – طالب الحسن ، اغتيال الحقيقة ، عبد السلام عارف وإشكالية الكتابة في تأريخه السياسي ، دار أور للنشر ، بيروت ، لبنان 2010 ، ص230 – 235
4 – سعيد السامرائي ، الطائفية في العراق … الواقع والحل ، مؤسسة الفجر ، لندن 1993 ، ص55 – 56 .