التربية المقارنة … المفهوم والمنهج
المدرس .زينب كاظم جاسم
علم من العلوم الإنسانية المركبة الحديثة التكوين نسبياً، ويهدف إلى تحليل مختلف ظواهر التربية ومفاهيمها وعلاقاتها مع الإطار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي و الثقافي بمقارنة أوجه الشبه والاختلاف في بلدين أو أكثر، أو على المستوى العالمي من أجل فهم أفضل للطابع الفريد لكل ظاهرة ضمن نظامها التربوي الخاص بها، أو إيجاد تعميمات مشروعة ومتوخاة في سبيل هدف مرتجى هو تحسين التربية. ويرجع الباحثون التربويون تاريخ ولادة التربية المقارنة إلى عام 1817 على يد مارك أنطوان جوليان الباريسي الذي نشر كتاباً عن التربية المقارنة بعنوان «مخطط ونظرة أولية لمؤلف عن التربية المقارنة» وضع فيه الأسس العامة والقواعد التي تجعل من التربية المقارنة علماً موضوعياً لا يخضع لتأثير الآراء الشخصية؛ ويعدُ مارك بذلك المؤسس الأول لعلم التربية المقارنة في العصر الحديث. |
إلا أن جذور التربية المقارنة تمتد، بشكلها الخام أو في إطارها الوصفي البحت، إلى تلك الرحلات والزيارات التي كان يقوم بها بعض العلماء والفلاسفة والمغامرين إلى بلدان مختلفة، فيعمدون إلى تدوين ملاحظاتهم وانطباعاتهم، وسجلت هذه الملاحظات بطريقة عرضية تهدف إلى تزويد القارىء أو المستمع بفكرة أو تصور عن حياة الشعوب والمجتمعات الغريبة عنه. وكان لهذه الملاحظات أكبر الأثر في تطوير بعض المجتمعات القديمة. تطور مفهوم التربية المقارنة بدأت الكتابات عن نظم التعليم في الدول الأجنبية تستقل عن غيرها من الكتابات الشاملة لمعالم الحياة وجوانبها المختلفة في تلك البلاد. وأمكن استخدام التربية المقارنة في القرن التاسع عشر لاقتباس أنظمة تربوية متكاملة ونقلها إلى بلد آخر وتأسيس معاهد وجامعات. ومن أهم أعلام التربية المقارنة في تلك الآونة الأمريكي جون غريسكم، والفرنسي فكتور كوزان، والإنكليزي ماثيو أرنولد. ومع بداية القرن العشرين، انتقلت التربية المقارنة إلى مرحلة جديدة من مراحل تطورها، وكان ذلك نتيجة للتطور العلمي والثقافي والتكتلات السياسية والاقتصادية العالمية، انتقلت من مرحلة جمع المعلومات الوصفية، إلى المرحلة التحليلية التفسيرية للعوامل المختلفة التي تؤثر في نظم التعليم. ويسمي جورج بيريداي هذه المرحلة بمرحلة (التنبؤ) لأن هدف الدراسات المقارنة لم يكن الاستعارة أو النقل وإنما التنبؤ بمدى إمكان نجاح نظام التعليم في بلد ما، على أساس ملاحظة الخبرات المتشابه للدول الأخرى، واستخدمت مثالاً ـ أنموذجاً لتعميم التعليم في مؤسسات تربوية مثل المدارس الابتدائية والثانوية ونشر خدمات أخرى مساعدة. ولعل أهم الدراسات التربوية المقارنة التي ظهرت في بداية القرن العشرين، دراسة المربي الإنكليزي مايكل سادلر، التي صدرت عام 1900، تحت عنوان «إلى أي حد نستطيع أن نتعلم شيئاً ذا قيمة عملية من دراسة نظم التربية الأجنبية». وكان سادلر يؤمن بأن للنظم القومية للتعليم طابعها الخاص، ولا يمكن نقلها من مكان لآخر. وتكمن أهمية سادلر في الدراسات التربوية المقارنة أنه أضاف إليها البعد الاجتماعي إلى جانب بعدها التاريخي. وفي النصف الأول من القرن العشرين ظلت معظم الدراسات التربوية المقارنة تسير على غرار مارسمه سادلر، مما يدل على تأثيره العميق في دارسي التربية المقارنة طوال تلك المدّة. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، استخدمت التربية المقارنة دليلاً لقراءات سياسية، واقتصادية واجتماعية ضمن منظور دولي بالاستعانة بالشواهد التي تقدمها بحوث التربية المقارنة. وتطورت التربية المقارنة بأبعادها المختلفة على يد مجموعة من المربين منهم على سبيل المثال: فردريك شنايدر إذ استخدم المنهج التاريخي في معالجته للمشكلات التربوية في كثير من البلدان، وإسحق كاندل الذي أكد أن الإسهام الرئيس للتربية المقارنة يتمثل في كونها ترتبط بأصول رئيسة، واكتساب اتجاه فلسفي في تحليل يؤدي إلى فهم واضح لمشكلات التربية. وينوّه جوزيف لورايز ـ أستاذ التربية المقارنة في جامعة لندن ـ بالتقاليد الفلسفية في الدراسات المقارنة، ويؤكد لورايز على أهمية العوامل القومية العالمية في تقديم الخدمات التربوية والتعليمية على نطاق واسع. ويذكر مثلاً على ذلك الفلسفة البرغماتية الأمريكية، والمثالية الألمانية، والعقلانية الفرنسية، والتجريبية الإنكليزية, والمادية الجدلية السوفييتية. التي تؤثر في النظم التعليمية والمناهج الدراسية وطرائق التدريس المستخدمة. أما هولمز فقد استخدم خطوات التحليل النقدي لجون ديوي والثنائية الحرجة (المواءمة مابين القوانين الطبيعية والقوانين الاجتماعية في اتخاذ القرارات المهمة) لكارل بوبر ونظريات التغير الاجتماعي أساساً نظرياً لمنهجه في الدراسات المقارنة. ويرى بيريداي أن ميدان البحث في التربية المقارنة يقسم من حيث المبدأ إلى نوعين رئيسيين: 1ـ الدراسات المجالية أو المنطقية بحيث تنحصر الدراسات في منطقة جغرافية محددة (قرية ـ منطقة تعليمية ـ مدينة ـ قطر ـ إقليم). 2ـ الدراسات المقارنة ـ وتشمل جميع أوضاع التربية في منطقة تعليمية أو مدينة أو بلد أو إقليم. وترتكز الدراسات التربوية المقارنة في الوقت الراهن على الإطارات الآتية: 1ـ الإطار المعياري: ويتحدد هذا الإطار من خلال استخدام الأساليب المستخدمة في القياس، سواء أكان ذلك في علم النفس أم في علم الاجتماع. مثل (قياس الاتجاهات وتعرف آراء الناس والاستفتاءات والاستبيان واستطلاع الآراء). 2ـ الإطار التأسيسي: يعتمد الإطار التأسيسي (للموضوعات المقارنة) وفق أسس الثنائية الحرجة، على التحليل الوصفي لنظام التعليم في إطاره الثقافي، والتحليل هنا يكشف عن دور وفاعلية المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية في تحديد ملامح النظام التربوي. 3ـ الإطار الطبيعي: ويشمل هذا الإطار تحليل المصادر الطبيعية والديموغرافية للبلاد، وما يحظى به البلد موضوع الدراسة من ثروات رئيسية من النفط أو المعادن أو المواد الخام وارتباطها بالأنشطة الصناعية والمستوى الاقتصادي للدولة، ومدى قدرتها على تخصيص أموال للإنفاق على التعليم. ويتضمن الإطار الطبيعي، كما يراه هولمز تحليل الجانب الديمقراطي للسكان وعلاقته بالتعليم، وما يتطلبه من توسع في حجم التعليم أو زيادة الفرص التعليمية. للمزيد من التفاصيل ينظر .موسوعة والتعليم التدريب . شبكة المعلومات الدولية |