الدولة الإخشيدية (323 – 358) هـ/( 935 – 969م)
عادت مصر بعد سقوط الدولة الطولونية إلى الخلافة العباسية وعلى الرغممن ذلك ظلت ثلاثين عامًا تعانى من الاضطراب والفوضى والفتن الداخلية. وظل النفوذالعباسى غير مستقر فى مصر بعد زوال الدولة الطولونية. ويتطلع أحد القادة الأتراك فىالجيش العباسى فى مصر إلى الانفراد بالسلطة وحده دون القادة المتنازعين، والولاةالعباسيين.
فيا ترى من هو؟ إنه “محمد بن طُغج الإخشيد”، لقد ساعده على ذلك ماقدمه من خدمات فى الدفاع عن البلاد ضد هجمات الدولة الفاطمية التى قامت فى تونس،وراحت تهدد مصر من جهة الشمال الإفريقي، وذلك فى عام (321-324هـ/ 933- 936). وفىسنة 323هـ/ 935م تولى الإخشيد ولاية مصر وصار الحاكم المطلق فى البلاد.
سببالتسمية:
ولكن من أين “لمحمد بن طغج” هذا اللقب “الإخشيد” وهو لقبإيراني؟لقد رغب الخليفة “الراضي” العباسى فى اكتساب مودة محمد بن طغج إلىجانبه، فمنحه لقب “الإخشيد” وهو لقب إيرانى تلقب به الأمراء.
ويدل هذا على مكانةالإخشيد فى مصر وما بلغه من سلطان واسع ونفوذ كبير.
توحيد مصر والشام وبلادالعرب:
لقد أصبح “محمد بن طغج” مؤسس الدولة الإخشيدية فى مصر وإليه تنتسب أسرته. وظلت الأمور على ما يرام بين محمد بن طغج الإخشيد والخلافة العباسية حتى جاء اليومالذى أرسل فيه الخليفة الراضى جيشًا بقيادة “محمد بن رائق” إلى الشام لانتزاع مصرمن الإخشيد سنة 328هـ/ 940م.
وعندئذ ألغى الإخشيد اسم الخليفة العباسى من الخطبةوأعلن استقلاله بمصر، واستطاع هزيمة القائد ابن رائق والاحتفاظ بملكهسليمًا.
وكان ابن رائق قد هزم محمد الإخشيدى فى بداية الأمر، وانشغل جنود ابنرائق بجمع الأسلاب، فخرج كمين لابن الإخشيد عليهم، وهزمهم، وفرقهم، وتفرغ الإخشيدبعد هزيمة قائد الخليفة إلى الداخل، فنجح فى القضاء على الفتن والقلاقل الداخلية،وراح يعمل على دراسة أحوال العالم العربى المجاور لمصر.
وأخذ يفكر فى وحدة تقففى وجه العدوان الخارجى من قبل الروم.
وبعد سنتين من قيام الدولة الإخشيدية ضمالإخشيد إليه الشام بعد موت ابن رائق سنة 130هـ ؛ ليعيد القوة إلى الشرق العربي،وليتسنى له الوقوف فى وجه الروم البيزنطيين، وهنا خاف أباطرة الروم، وأسرعوا يخطبونوده كما فعلوا مع أحمد بن طولون.
وفى العام التالى لهذه الوحدة، مد الإخشيدنفوذه إلى مكة والمدينة، وراح يتولى أمر الحجاز ويشرف على الحرمينالشريفين.ولقى الإخشيد ربه سنة 334هـ/469م.
إمارة كافور:
وبعد وفاته تولىوزيره أبو المسك كافور الوصاية على ولديه الصغيرين، وأثبت هذا الوصى مقدرة فى إدارةشئون البلاد والدفاع عنها ضد الأخطار التى تهددها من طائفة “القرامطة”، وأفلح فىالقضاء عليها.
فلقد حافظ على وحدة مصر والشام وبلاد العرب، وامتد سلطان الدولةالإخشيدية إلى “جبال طوروس”، فى أقصى شمال الشام وصارت قوية الجانب يرهبهاالبيزنطيون.
وأبو المسك كافور هذا هو الذى خلع عليه الشاعر المتنبى أجمل قصائدالمدح، ثم عاد وهجاه؟
نعم، إنه هو بعينه، فلقد كان المتنبى يطمع فى أن يوليهكافور “ولاية” تنافس مملكة سيف الدولة بن حمدان، فمدحه لينال رضاه، فلما لم يولِّههجاه.
لقد بلغت إمارة كافور على مصر ثلاثًا وعشرين سنة حكم فيها باسم أبناءالإخشيد عدا سنتين انفرد فيها بالأمر وظل اسمه طوال هذه المدة موضع الهيبةوالإجلال، ويدعي له من منابر المساجد من طرسوس بأطراف الشام ومصر والحجاز، ولقد كانكافور شهمًا جيد السيرة.
ترى من يخلفه بعد وفاته؟ وهل تظل الدولة الإخشيدية بعدهرافعة أعلامها؟!
سقوط الدولة بعد كافور:
لقد لقي كافور ربه فخلفه “أبوالفوارس أحمد بن علي أبو الحسن” حفيد الإخشيد، وكان طفلا لم يبلغ الحادية عشرة منعمره، وكان لابد في مثل هذه الظروف أن تعود الفوضى إلى البلاد، وأن يكثر من حولهاالطامعون.
واشتدت هجمات الفاطميين من بلاد المغرب على مصر حيث حاول الخليفةالمعز لدين الله الفاطمي الاستيلاء عليها، وعجزت الدولة العباسية عن الوقوف إلىجانب الإخشيديين، فلم يكن بد من استيلاء الفاطميين عليها سنة 358هـ/ 969م، ليحلوامحل الدولة الإخشيدية.