اثر التنافس الحزبي في الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011
درج الحزبين الجمهوري والديمقراطي على انتهاج سياسات خارجية تتوافق ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ، وتكسب لهما التأييد الشعبي اللازم للفوز بالانتخابات الرئاسية ، وكذلك تحقيق الغلبة في مجلسي الكونغرس من جهة أخرى ، وتساهم في ذلك دوائر المخابرات الداخلية والخارجية ويأتي في مقدمتها وكالة المخابرات المركزية Central Intelligence Agency ، وقد تجسد ذلك عهدي الرئيسين جورج بوش الابن واوباما ، فعندما اقتضت الضرورة احتلال العراق بناءا على تحقيق المصلحة الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط ، أقدمت إدارة الجمهوريين على ذلك بغية تحقيق ماتصبوا إليه من كسب الانتخابات الرئاسية وضمان تجديدها لدورة ثانية ، وبالفعل فقد حصل ذلك وكان لرجال المال والإعمال والطبقة المترفة من الرأسماليين وأمثالهم دورا في تحقيق ذلك الفوز .
أما الديمقراطيون فقد سعوا لتغيير السياسة الأمريكية تجاه العراق بعد فوزهم بالرئاسة عام 2009م ، وكانت أولى بوادر التغيير ان رشح الحزب لمنصب الرئاسة شخصا ذي أصل نخاسي وهذا مالم تجرا الولايات المتحدة ونظامها السياسي بكل فروعه القيام به منذ عهد الاستقلال ، فالنظرة الدونية للزنوج والخلاسيين قائمة في المجتمع الأمريكي رغم التحولات الكبيرة التي حدثت فيما بعد ثورة مارتن لوثر كنج Martin Luther King عام 1963م . وبقيامه بذلك فان الحزب الديمقراطي أراد تحقيق الغلبة في مجلسي الكونغرس وتوسيع قاعدته الجماهيرية ، كما بادر الحزب بقيادة رئيسه اوباما إلى انتهاج سياسة تخالف إلى حد ما سياسة سلفه الجمهوري ، إذ شرع باتخاذ الإجراءات اللازمة لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وهذا ما تحقق بالفعل بنهاية عام 2011م رغم إن وضع العراق السياسي لم يكن مستقرا إلى الحد الذي يسمح بالانسحاب الأمريكي منه ، فالانقسام الداخلي بين مكوناته المجتمعية واضح ، والاستخبارات الدولية لها اليد الطولي في توجيه مصيره السياسي سيما منها الإقليمية ، ولكن أمام اقتضاء الضرورة فان الحزب الديمقراطي لم يتردد في اتخاذ الخطوات التي يراها مناسبة لمستقبله السياسي في الولايات المتحدة (وهذا جزء من التنافس الحزبي )، بغض النظر عما يتركه الانسحاب من آثار على البلد المحتل، وبالفعل فقد ترك الانسحاب الأمريكي المفاجئ من العراق ودون ترتيب أوضاعه السياسية آثارا مر ويمر بها العراق حتى الوقت الراهن.