العنف الاسري وتأثيره على المجتمع
ازهار محمد علي كاظم السعدي
من منا لا يعرف أن الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي ينمو فيها الطفل ويكتسب من خلالها معايير الخطأ والصواب، ولكن كيف إذا تحولت هذه المؤسسة الهامة إلى ساحة لممارسة مختلف أنواع العنف نتيجة للتصرفات السلوكية بين الزوجين، وبأسوأ الحالات تمتد على الأبناء ما ينتج عنها شخصيات مجتمعية غير إيجابية حيث تشكل هذه الممارسات ظاهرة العنف الأسري وهي من أخطر المشكلات التي تهدد استقرار الكيان الأسري، وأوضحت الدراسات والأبحاث أن ظاهرة العنف الأسري من الظواهر القديمة في المجتمعات الإنسانية وتنعكس أضرارها ليس على الأسرة وحدها وإنما تتعدى ذلك لتشمل المجتمع بأكمله كون الأسرة هي ركيزة المجتمع وأهم بنية فيه ومع تسارع التطورات العصرية في كافة المجالات، تفاقمت هذه المشكلات الأسرية بالرغم من وجود القوانين والتشريعات التي تخص شؤون الأسرة والمجتمع، وتهتم الكثير من المنظمات العالمية بتفعيل هذه القوانين لتحسين الوضع الأسري وضمان تطوير الحياة المجتمعية، إلا أن واقعنا الأسري في معظم المجتمعات العربية أصبح أكثر غموضا من خلال حجم المشكلات الاجتماعية المتزايدة والمتمثلة في العنف الأسري بكل ما يتركه من أثار سلبية أصبحت واضحة رغم السعي لحجبها بمختلف الوسائل وما يثير الجدل في هذه القضية أنها تعتبر من المحرمات التي يفضل الكثير التكتم عنها وعدم البوح بها حفاظا على السمعة وطبقا للعادات والكثير من المعتقدات الخاطئة متجاهلين في الوقت ذاته، حجم ضحايا العنف الأسري خاصة عندما تمتد أشكاله لتصل الأطفال ما يتسبب لهم بأزمات عديدة تستمر معهم للكبر وبالتالي تتحول لا إراديا إلى سلوك مستقبلي متوارث وقد يبقى راسخا في أذهانهم مدى الحياة وبذلك تنتقل ظاهرة العنف الأسري من جيل إلى جيل ما يهدد أمن واستقرار المجتمع, لقد أثبتت العديد من الدراسات أن العنف الأسري يعتبر من أخطر أنواع العنف، وهو نمط من أنماط السلوك العدواني الذي يظهر فيه القوي سلطته وقوته على الضعيف باستخدام مختلف وسائل العنف سواء كان الاعتداء جسديا لفظيا أو معنويا وليس بالضرورة أن يكون الممارس للعنف في الأسرة هو أحد الزوجين وإنما الأقوى في الأسرة، وليس بالغريب أن يكون أحد الوالدين هو ضحية العنف خاصة العجزة وكبار السن و الأشخاص من ذوي الإعاقة، وفي الغالب تكون المرأة هي الضحية الأولى ويتبعها الأطفال باعتبارهم الفئة الأضعف ما يترتب على ذلك تراكم هذه الممارسات أضرار بدنية ونفسية وصحية واجتماعية, ويؤثر العنف الأسري على روابط الأسرة حيث يفككها وتنعدم الثقة بين أفرادها ويتلاشى الإحساس بالأمان وقد تنهار الأسرة بالطلاق لتتوسع هذه الآثار وتنعكس بتهديد الكيان المجتمعي بأسره0
أما أشكال العنف الأسري فيأتي ضمن أحد الأنواع الآتية:-
العنف الجسدي : وهو أكثر أشكال العنف الأسري شيوعاً ويمكن استكشافه وتحقيقه ويتم عن طريق الضرب باليد أو بأداة حادة أو بالخنق أو شد الشعر0
العنف الجنسي : هذا النوع من العنف يحاط بالكتمان والتحفظ الشديد ومن أشكاله الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو اللجوء لأساليب منافية للعرف والدين0
العنف النفسي : هذا النوع يسبب إيذاء معنوي ومن أشكاله إهمال الزوج للزوجة والحرمان من ممارسة الحرية وممارسة الضغوط أو العزل أو إقامة علاقات مع أخريات وحرمان المرأة من الإشباع أو العنف اللفظي كالتهديد والشتم 0
العنف الصحي : عدم مراعاة الصحة أو التجويع أو عدم مراجعة الطبيب 0
العنف الاجتماعي : كعزل المرأة والأطفال من الاختلاط بالمجتمع والانقياد وراء متطلبات الزوج مما يؤثر على نموهما العاطفي والعقلي 0
العنف الاقتصادي : عندما يكون الدخل محدود والتقليل من المصروف أو استيلاء الزوج على راتب الزوجة العاملة 0
ويعتبر عنف الطفل من أسوء أشكال العنف الأسري وهو يأتي كنوع من الإساءة للطفل كالإهمال صحياً وعدم الاهتمام بتغذيته وعدم منحه العطف والحنان وقد يأتي على شكل حماية ودلال زائد أو التشدد في الطلبات بحجة الخوف عليه مما يؤثر سلبياً على نمو شخصيته مستقبلاً , وقد يأتي بالرفض أو الإحباط, كذلك من بين إشكال العنف الأسري ضد الطفل بتحديد مستقبل أبنائهم حسب رغبة العائلة باختيار الدراسة أو العمل والذي قد لا يتناسب مع ميول وقدرات الطفل أو إجباره للتوجه إلى العمل وترك الدراسة, وللحد من انتشار ظاهرة العنف ضد الطفل والذي يقع بالأساس على الأسرة والتي تتحمل مسؤولية تربية وتنشئة الأطفال، وعلى الدولة ثانياً بدعم الوالدين ومن يقدمون الرعاية العناية بالأطفال وتوجيههم وتثقيفهم بكيفية معاملة أبنائهم بصورة سليمة وصحيحة دون تعرضهم للعنف الجسدي والمعنوي، وفرض العقوبات الجزائية بحق كل من يتسبب في إيذائهم مستقبلاً، وإبعاد الطفل ووضعه في مكان آمن عن مواقع الإيذاء والعنف في الأسرة، وتثقيف الطفل وتوعيته ضمن منهج يدرس في دور التعليم والمؤسسات التربوية والتعليمية وتعريفه بمدى خطورة العنف ضده وكيفية الوقاية منها , أن أطفالنا ينتظرون من أسرهم كل شيء جميل، فلنبني لهم بيتاً يسوده الحب والحنان والسلام والوئام بعيداً عن جو المشاحنات والعنف، ويجب أن نتذكر دائما بأن العنف الذي يمارس ضد الطفل ليس فقط اعتداء على الطفل وإنما اعتداء على مجتمع ومستقبل بأكمله0