إتفاق الملف النووي الإيراني … لمصلحة من ؟ .
د. سلام فاضل- جامعة كربلاء .
بعد مخاض عسير من التفاوض إستمر قرابة عقدين من الزمن بين إيران والقوى الست الكبرى بزعامة الولايات المتحدة ، إتفق الطرفان على صيغة تبدو توافقية في الظاهر لمشكلة مزمنة كانت مستعصية الحل في كل مرحلة منها إن لم تكن مستحيلة .
إن الإتفاق الذي أبرم مؤخرا بين الجانبين ألزم كل طرف منهما الإلتزام به ، ولعل فحواه يكمن بإلزام الإيرانيين التخلي عن مسعاهم بتخصيب اليورانيوم للأغراض العسكرية وتخصيص البرنامج لأغراض الطاقة السلمية في مقابل تعهد القوى الكبرى المعنية برفع العقوبات الإقتصادية المفروضة على إيران تدريجيا بما يتزامن وقدرة الإيرانيين على الإلتزام بالإتفاق والتقيد به . وبغض النظر عن تفاصيله ،يحق لنا التساؤل . لماذا تم في هذا الوقت بالذات بعد سنوات من الإخفاقات المتواصلة والدوران في حلقة مفرغة ؟ ولمصلحة من تم هذا الإتفاق ؟ والى أي مدى سيكون ملزم التنفيذ للطرفين ؟ وماهي الضمانات الفعلية لذلك ؟
أعتقد إن المفاوض الإيراني قد راهن منذ البداية على كسب الوقت وفي نيته المضي قدما في تطوير البرنامج النووي الى أن توصل الى إتفاق أولي إطاري لنتيجة يمكن لي وصفها بــ ” رهان الوقت المفتوح” بمعنى الإستفادة من الوقت بالقدر الممكن لإستخدام التكتيك المناسب في التعامل مع قضية “الملف النووي “ وبما يسمح به الظرف الإقليمي والدولي .
لاشك إن العقوبات الدولية التي فرضت على إيران قد ساعدت إلى حد ما في إضعاف القدرة الإقتصادية الإيرانية ،حيث فقدت العملة الإيرانية طيلة السنوات الماضية ( 40%) من قيمتها ، كما إن معدات الإنتاج الصناعي عانت ولسنوات من الاستهلاك المفرط دون إدامة وتطوير بسبب الحظر الدولي ، الأمر الذي أثر على مستوى الإنتاج الصناعي ، ولاسيما في المجال المدني ، وظلت البلاد طيلة عقدين من الزمن تعتمد في اقتصادها على الانتاج الزراعي
ومن وجهة النظر الإيرانية يبدو ان الظرف ألاقليمي وتطورات الأحداث في المنطقة جعلت الإيرانيون بحاجة ماسة لأقتصاد معافى من شأنه تقوية الدور الإيراني في المنطقة في ظل الظرف العصيب الذي تمر به ، وهذا يتطلب مراعاة الظرف الإقليمي والعمل بسياسة إلانفراج دون أن يكون ذلك على حساب مشروع ” البرنامج النووي “ وهو الهدف الستراتيجي الكبير للسياسة الإيرانية والذي تعود جذوره الى ستينيات القرن الماضي عندما أعُلن آنذاك للأغراض السلمية، وبما إن الإتفاق لم يلغ البرنامج بحد ذاته ، إنما خفض نسب التخصيب وتخصيصها للأغراض السلمية ، فهم أدركوا جيداً إن الوقت الآن لايسمح لهم من الناحية اللوجستية بالتخصيب الكافي الذي يتيح لهم حيازة ” السلاح النووي ” فالحاجة باتت ماسة لقوة إقتصادية الى جانب قوة عسكرية تقليدية غير نووية تؤدي دورها المطلوب في المنطقة . سيما وان المنطقة لاتحتمل أي تصعيد عسكري من جانب القوى الكبرى لأسباب ليس بصدد التعرض لها هنا . فكانت ألاولوية في القرار الإيراني لهذه المرحلة الإلتزام ببرنامج نووي سلمي مع قوة ردع عسكرية مؤثرة تحقق التوازن في المنطقة وإقتصاد معافى غير محاصر دوليا .
أدرك الجمهوريون في الكونغرس الأميريكي المغزى الإيراني هذا ، ولم يخفوا مخاوفهم من الإتفاق المبرم ، وعبروا عن إستيائهم هذا لدى إدراة الرئيس أوباما الذي حاول في خطابه المتلفز في نفس اليوم الذي تم فيه الإتفاق محاباتهم من خلال نبرة التهديد التي بدت واضحة في خطابه الذي أوضح فيه إن الثقة باتت معدومة مع الإيرانيين حتى مع إلتزامهم ببنوده . وعزى ذلك الى الإخفاقات المتراكة خلال المفاوضات دون أن يشير صراحة الى حقيقة العداء الأميريكي – الإيراني المستفحل بسسبب التضاد في منظومة العقيدة السياسية ( ألايديولوجية ) بين البلدين . والواقع أن ثمة أسبابا وضعت إدارة الرئيس أوباما ( الديمقراطي) أمام خيار عدم التورط في ” الملف النووي الايراني “ والموافقة على الإتفاق المرحلي وقد يدرك الرئيس نفسه ربما لن يدوم مستقبلا ، سيما وإن الولايات المتحدة سبق وأن وقعت إتفاقات مماثلة كان مصيرها مع تغيرات الاحداث الفشل والذوبان ، ولعل التأريخ يذكرنا بالبعض منها من مثل إتفاقات الحد من التسلح النووي المعروفة ب (سولت 1 salt) و ( سولت 2salt ) التي عقدتها إدارة الرئيس نيكسون مع السوفيت في بداية سبعينيات القرن الماضي والإتفاق المعروف بقمة فورد – برجنيف لعام 1974 الخاص بحظر التجارب النووية ، لهذا فأن التوتر الأمني في المنطقة وتطورات الاحداث في العراق وسوريا واليمن ، وموقف ادارة الرئيس منها بعدم التورط العسكري المباشر فيها إيفاءاً منه بوعده أمام الناخبين الأميريكيين إبان الإنتخابات الرئاسية الماضية .ثم الضغوطات الدولية على الجانب الأميريكي أثناء المفاوضات،ولاسيما روسيا والصين المرتبطان بعلاقات أقتصادية وعسكرية مع إيران ، كما ان ادارة الرئيس أوباما (الديمقراطية) ذات التوجه السياسي المعتدل تحاشت اللجوء الى إسلوب المغامرة العسكرية لتتجنب الحرج أمام الجمهوريين المحافظين بإرجائه الى مرحلة قادمة اخرى لايحق فيها دستوريا للرئيس أعادة ترشحه لولاية ثالثة، وليس لأحد ان يتكهن بمستقبل ادارة البيت ألابيض فيما اذا ستكون ديمقراطية أم جمهورية . وبهذه الرؤية تمكنت ادارة الرئيس التخلص من حرج ” الملف النووي ألايراني “ المثير للجدل داخل أروقة صنع القرار ألاميريكي والخاضع لرقابة الجمهوريين المتصيدين في الماء العكر واللوبي اليهودي . وأصبح على الرئيس مهمة أقناع منافسيه السياسيين والرأي العام الأميريكي حيث كشفت استطلاعات الرأي إن (49% ) من الأميريكيين مع عقد الإتفاق في حين رأى (62%) منهم ضرورة أن يحظى بموافقة الكونغرس .
وأذا كان هذا حال الإدارة الاميريكية فأن الأمر مختلف مع حكومة الرئيس روحاني الإعتدالية . وقد يتوهم خطأ من يعتقد إن إعتدال الرئيس روحاني هو الذي أوصل الإيرانيين لهذا الإنجاز السياسي ، أذ لايمكن بأي حال من الأحوال لسياسة الإعتدال والإنفتاح تجاوز الخط الأحمر لمشورة المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي التي تعلو دائما على الميول والإتجاهات السياسية ، والتي مهما تنوعت فإنها تبقى موجه بحدود مشورة الولي الفقيه التي تعتمد في أساسها على المنطلق الفقهي . وهذا ربما يجهله بعض المراقبين للشأن الإيراني الذين يعتقدون إن إعتدال الرئيس روحاني صحح مسار السياسة الإيرانية التي إنحرفت بأتجاه العزلة الدولية إبان حكومة الرئيس أحمدي نجاد الأكثر تطرفا ، في حين إن الهدف السياسي للحكومتين واحد لم يتغير ، أنما الذي إختلف بينهما الأسلوب المتبع لتحقيقه . فإذا ماأردنا القول إن إتفاقا مرحليا حصل بين الولايات المتحدة وإيران فأننا نعني بذلك أنه تم بين ادارة الرئيس اوباما ( الديمقراطية ) والجمهورية الإسلامية الإيرانية .
ومن وجهة النظر العربية ، ولاسيما الخليجية كان العرب يأملون من تكدر المفاوضات أن يلجأ الأميريكيون الى خيار الضربة الجوية للمنشآت الإيرانية وتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة . إلا إن الأمر أختلف تماما مع هذا الإتفاق الذي وجه صفعة قوية للتحالف الأميريكي – السعودي والذي تعود جذوره الى عام 1924 ، حيث أعادت الولايات المتحدة مضطرة حساباتها من جديد في المنطقة لصالح القوة الجديدة التي تعززت بهذا الإتفاق على حساب التحالف القديم .والدليل على ذلك ان هناك بنداً منح فيه الإيرانيون دوراً بترولياً مهما في المنطقة والعالم لحاجة البرنامج النووي السلمي لذلك .
أما الإسرائيليون فقد عبر عن وجهة نظرهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي بالقول ” لايمكننا الإطمئنان لهذا الإتفاق ، وعلينا أن نكون حذرين في المستقبل “ وهذا يعني إن الصهاينة فهموا مغزاه الحقيقي ، على الرغم من محاولة الرئيس اوباما ترضيتهم في خطابه عندما أشاد بأهمية التحالف الإميريكي – الإسرائيلي في المنطقة ، وإن الولايات المتحدة ستدافع عن مصالح حلفائها إذا ماتعرضت للخطر .
وهكذا تمكنت ألدبلوماسية الإيرانية الهادئة والصبورة بفضل قادتها المحنكين من الحصول على إنجاز سياسي جديد يذكرني بالإنجاز الذي حققه القادة الشيوعيين في الصين في سبعينيات القرن الماضي أمثال ماوتسي تونغ ،وشوان لاي، ودينغ بيساو الذين اوصلوا الصين الى مصاف القوى العظمى بحصولها على المقعد الدائم لعضوية مجلس الأمن
واخيرا وبعد هذا الطرح الموضوعي التحليلي للموضوع ، ألا يحق لنا أن نعرف وندرك لمصلحة من تكمن أهمية هذا الإتفاق ؟