عصابات داعش(أفراد متحللون نفسياً)
رؤيا في منظور التحليل النفسي
من الممكن تناول العصابات التي ظهرت في الآونة الأخيرة في العراق مؤخراً في العديد من الإتجاهات التأريخية والسياسية والمجموعات الدينية في العديد من المحللين المتخصصين. ولكنَّ النظر في التحليل النفسي حول هذا الجماعات الإرهابية من الواجهة النفسية بات أمراً شحيحاً. مما وقع الأمر للإشارة إلى البناء النفسي لهذا النوع من الجماعات والدوافع النفسية لهم على عاتق المتخصصين النفسيين.
نحن هنا في مقالتنا هذه لانشير إلى البعد التنظيمي المحلي أو الإقليمي أو الدولي فذلك شأن عالم السياسية والسياسة الإستراتيجية. ومانهتم به العديد من الإشارات التي باتت تتناولها الألسن العامة منالعراقيين وغيرهم من العرب والعالم وهي:ماهي المُكتسبات التي سيحصلونها بمقابل عامل إزهاق أرواحهم في عالم الدنيا وفي علم الآخرة والجنة؟ وما حجم هذا الإنتماء من أفرادها من مناطق تختلف من حيث الإتجاهات والقيم والقوميات المختلفة؟ماهو حجم القوة التي من خلالها باتت العديد من المدن العراقية في تلوث تلك العصابات؟ ولماذا هذا الإنتقام الذي تعدى مستوى العنف الشديد الذي وصل إلى حد التمثيل في الضحايا من المدنين؟ وكيف يرتضون ممارسة العديد من الأساليب من قتل كبار السن وصغارهم بل وتهجيرهم وبيع نسائهم بالجملة والتصرف بممتلكاتهم من غير أي شعور بالذنب على الرغم من إن كلهم على الإطلاق لهم عوائل وأمهات وأخوات وزوجات وممتلكات وغيرها؟.
كل تلك الأسئلة وغيرها يمكننا التعرض لتحليلها في العوامل هي: (عامل إشباع الرغبات) و(الإغراق في السلوك المُعنف)و(الإقناع في نيل المُكتسبات الحسية).
لقد بين علماء النفس الإنساني أمثال موراي وإبراهام ماسلواوغيرهم إن للحاجات النفسية الإنسانية ذا أهمية بالغة في إشباعها لتحقيق عامل الإستقرار وشعور الذات بوجودها. بمعنى إن الأشخاص الذين يحرمون من تلك الحاجات المُلحة سواء أكانت أساسية كالحصول على العيش الرغيد من مأكل وملبس ومسكن والتزاوج المُشبِع. أم كانت الحاجات المُتعلقة بالذات كالشعور بالمكانةِ النفسية من مثل الشعور بوجود الذات إجتماعياً وإحترامِها بل وتقديرها وبيان مكانتها.
ولما إن الشعوب العربية والعراقية على وجه التحديد عاشت ردحاً من الزمن من الشعور بالعوز لتلك الحاجات الأساسية والتي إنعكست على بناء الذات لهم. فكانوا بحق أرضاً خصبة لأي شكلاً من أشكال التلوث العقائدي والإجتماعي أيضاً. حتى أضحتالقيم الأخلاقية والعادات والتقاليد الإجتماعية التي تمسكوابها بصورتها الشكلية والصورية لاغير.فكانوا هؤلاء الأفراد المتحللون عقائدياً وثقافياً يمتثلون بها من جانب ويخترقونها للحاجات المحرومة والملحة عليهم من جانب آخر.
وفي أوضاع سياسية مغرضة ومعينة باتت الخطط العسكرية للقادة المنظمة لتلك العصابات المُتحللة تتكئ على هذا العامل الخطير(العوز النفسي للأفراد). وكي يكون التنظيم فاعلاً كان لابد من إدخالهم إلى مرحلة الإغراق في دماء الأبرياء من خلال مشاركتهم بالقتل والذبح وهتك الحرمات ليكونوا على سمعاً ومرئى من الرأي العام. فأصبحوا بعد ذلك بعد إن كانوا في خيارين العيش السليم والعيش الدموي حتى أصبح اليوم العيش الدموي في هذه الجماعات الخيار الأخير الذي لارجعت فيه. وهذا مانشهده من تقريراتهم حال وقوعهم بأيدي القوات العسكرية والأمنية والتي شاهدها الكثير من الناس.
ولما إن هذا يؤثر بشكل أو بآخر على الطبيعة التي قولبها القادة في تنظيمات عصابات داعش للمُتحللون من جماعاتهم راحوا يشرّعون لهم إشباع تلك الحاجات من أموال وبيع النساء كغنائم حرب ليحققوا لهم الإشباع الحسي بعد إن فشلوا في تشريعاتهم الزائفة من جهاد النكاح. ولم يكتفوا بذلك ولكي يحققوا لسياستهم العدوانية على العراق والبلدان العربية تحقيق مسارهم. راحوا يرسمون لهم ويقنعونهم في إطار غياب التفكير الناقد حول إنتظار حور العين بقتلهم الناس بعد أن فشلوا في ترويج شريعتهم المتعلقة بالغداء والعشاء مع النبي الأكرم محمد (ص) وهو برئ منهم.
ويبقى يسأل سائل إذا كانت تلك الإحتياجات يعاني منها قسماً من العراقيون مثلاً فما الداعي من وجود إشخاص مُتحللون من عصابات داعش من الليبين والسوريين والجزائرين والسعوديين والأوربين وغيرهم. والجواب على ذلك من الرؤيا النفسية ذات التحليل في الحاجات التي بيناها في مقالتنا هذه من إنهم يعانون من العوز النفسي في تحقيق حاجاتهم ومكانتهم بين الآخرين في مجتمعاتهم وقد إتخذواالعامل الديني(الجهاد) ليعيدهم قدر الممكن إلى مستوى من تقدير ذواتهم. وقد بينت العديد من الدراسات النفسية والإجتماعية من إن أكثر حالات الجرائم الإجتماعية والأخلاقية تحصل عند هؤلاء الذين يتمتعون بمستوى عال من الرفاة والإشباع حتى التمرد ولكن لايمكن ظهوره لسواد الناس لما يملكونه من أموال قادرة على إغلاق قضاياهم اللاشرعية.
وتأسيساً على هذا التحليل فحجم قوتهم لايتعدىإشباع تلك الإحتياجات بل وحاجاتهم لرفع تلك الشبهات عن جرائمهم والدليل في ذلك اللثام المقنع الذي يرتديه كل من يتحلل فيهم.وبالتالي فهم أشخاص يخافون الموت بل ويرتعبون منه ولديهم شعوراً مخيف من عالم الآخرة لأنه غامض بالنسبة إليهم . حيث أثبتت الدراسات النفسية إن هنالك نقيض واضح في الصلابة النفسية بين من يبغي الإشباع الحسي ومن الذين يتمسكون بقيم وعقائد تدير سلوكهم.
وقد يسأل سائل آخر إن مانراه في الإعلام من حالات من الإستبسال والتحكم يفوق التصور مما يبدوه من إستعراضاتمتحشدة وحالات قتل مؤلمة وغيرها من التصورات الإعلامية. والجواب على ذلك إن كل تلك الإشاعات التي تريد من إثارة الناس وتخويفهم هي ذاتها التي تدلل عن جبنهم وتردي مستوياتهم العقائدية والإستبسالية. والدليل في ذلك دخول تلك المنشورات المصورة والمقاطع المرعبة تتسم في كونها غامضة وغير مسؤولة لكي تحقق فيها إعادة القوة لأتباعها المُتحللون . وهي تصنف في إطار الإشاعة التي نعرفها في كتابنا (الحرب النفسية في الحرب والمجتمع) على إنها عملية مدروسة لترويج حدث يؤثر في الوجدان الجماهير على شاكلة خبر شفوي أو متلفز مبالغة في التشويه (الخبر المُشاع) جراء تحقيق مستوى عال من إثارة الإنتباه أو إكتساب الديمومة. وهذا الخبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة تم أضافة معلومات كاذبة أو مشوهة أو مُعتمة أو مثيرة بهدف التأثير النفسي في الرأي العام تحقيقاً لأهداف سياسية أو إقتصادية أو عسكرية سواء على نطاق الفئات الصغيرة من المجتمع أو نطاق الدولة الواحدة أو عدد من الدول.