سلسلة علم النفس التربوي
كيف أتحدث مع ولدي المراهق
لغة التفاهم الأولية لتبادل وجهات النظر بين الوالدين وولدهما المراهق
الأخت أم دنيا إنموذجا
حدثتني الأخت أم دنيا بألم وتذمر وهي إحدى طالباتي من الدراسة المسائية في الجامعة حول فشلها المُتكرر مع ولدها الذي أتعب حالها وخذل طموحاتها به.حيث إنَّها باتت لم تسطيع من الوهلة الأولى الحديث معه إلّا وأنفجرت أمامه بالصرخ والوم والتوبيخ وأنفجر هو أيضاً بالصياح والسبّ والخروج من المنزل مُحطماً ما يعترضه من الأشياء. ثم قالت لماذا ولدي ليس كالأولاد ؟.. لماذا لم يكن كغيره من الأولاد؟ فهذا إبن أم محمد وذاك إبن أم علي !. يبدوا إنَّ حظي التعس هو الذي جعلني أنجب هذا الولد المُتمرد عليّ.
وحالما إنتهت الأخت أم دنيا سألتها كم عمر ولدك هذا؟.. فقالت (16 سنة) .. وهل لديه أخوة .. نعم يادكتور بنتين فقط .. سألتها أيضاً ماهو تسلسله من أختيه .. الأول من أختيه يادكتور .. طيب ياأختنا أم دنيا مالذي تتمنيه من ولدك المراهق حتى يكون؟ .. إنهمرت بالبكاء وقالت: على أقل تقدير يسمعُني ويطيعُني ..يحترمُني أنا أمه أنا أخاف عليه كثيراً.. أختنا أم دنيا ماذا برأيك لو إنني أعطيتك سلوكاً تتبعيه معه يجعل ولدك المُراهق بالنتيجة لايتحدث إلّا معك ولايسمع كلاماًإلّا منك فما هو رأيك بذلك.. حين ذاك وجدتها قد حدقة بعينيها نحوي وقالت .. والله..قلت لها إنَّ شاء الله والله.
ولكن أود أن أقول قبل كل شيئ أمراً ينبغي أن تتحمليه مني .. نعم يادكتور قلّ .. إنّ ما يقوم به ولدك المُراهق من سلوكيات عدوانية وحالات من التمرد الأبوي سببه أنتِ .. أنتِ التي جعلتي ولدك يصل بك إلى هذه المرحلة من التذمر حتى إنعكس ذات التذمر لك أيضاً. فقالت أنا .. فقلت لها نعم أنتِ يأختنا أم دنيا. وحالما أخبرتها بالسلوك الأولي الذي ينبغي أنَّ تتبعه مع ولدها المُتمرد أضحت أختنا أم دنيا مُنسرة وطلبتُ منها أنَّ تراجعني حالما تنتهي مِن ماعلمتها به ليكن سلسلة تربوية في إعادة التنشئة السلوكيه لولدها العزيز عليها.
إنَّ ماعلمتهُ لأم دنيا لا أبخل به على قرائنا الكرام .. فقد أخبرت طالبتنا وأختنا أم دنيا إنَّ علينا في الوهلة الأولى التي نرى فيها المُراهق من حالات التذمر والعصبية والتشدد.لابد من أنَّ نسأل أنفسنا كوالدين.لماذا بات ولدي اليوم يتصرف بهذه الطريقة؟ولاينبغي أن نقول فقط إنَّأصدقاء السوء هم الذين جعلوه بهذا الشكل.بل لابد من أن نتعرف عن إحتياجاته النفسية ودوافعه الغريزية التي جعلت منه شخصاًآخر مع الأم أو الأب أو الأخوان أيضاً. وبالتالي فليس من الصحيح نفسياً أن نحاسب ولدنا المُراهق ما لم أنَّ نتعرف عن ذلك الخزين الثائر الذي يحتاج إلى إشباعه بطريقة لايكترث فيه للضوابط الإجتماعية أو تلك التي يعمد إلى إخفائها عن الآخرين من الناس.
ومن هذا إستوجب علينا أن نبحث عن الخطوة الأولى التي نتحدث إليه بها. فهل تعتقدون إننا نرسل إليه ونطالبه بما يشعر ويحتاج؟! أم نوجه له الأسئلة عن إحتياجاته ؟! أم نجعل الظروف البيئية العصيبة هي التي تعلمه الحياة جيداً؟!أم نعمد إلى نصحه وتوجيهه أو توبيخ سلوكياته غير الحسنة ؟! أم ماذا ؟
في الحقيقة لاهذا ولاذاك .. إنما الصحيح نفسياً إننا نترك المُراهق لوهلة من الوقت لنشعره بهويته التي يعتقدها أو التي يرغب أن تكون فيه ثم نبقى نقتنص الفرصة المُناسبة لتحقيق اللقاء الأولي الناجح معه وإنَّ تلك الفرصة قادمة لامحالة. حيث إنَّ المراهق سيكون مُحتاجا لنا لكونه يستشعر الإنتماء الأسري بعدما يستشعر الأمن النفسي منها كما كان طفلاً يوماً ما فإنَه يرجع إلينا حالما يجوع أو يبرد أو يريد أن يشتري الحلوى من دكان أبو طارق مثلاً.
وفي ذلك نستطيع القول إنَّ بوادر اللقاء الأولي قد تحققت وعلينا إنجاحه ليعود إلينا ولدنا المُراهق مراراً وتكراراً لا أنَّيستعمل الصياح والسب والخروج من المنزل مكسراً ما يعترضه من الأشياء كما فعل ولد أختنا أم دنيا.
إذن تحقق اللقاء الأولي .. ولربما يسأل العديد من والدي المُراهق ماذا أفعل؟ هل أحدثه ؟ هل أطلب منه مايريد حتى أحققه بدلاً من أقرانه ؟ ماذا أفعل ؟الجواب على ذلك فحالما يريد المُراهق التعبير عن إحتياجاته فإننا لابد من إستعمال لغة معه إسمها (لغة الصمت والإصغاء) فقد بين خبراء علم النفس الإرشادي إنَّ هذه اللغة ينبغي أنَّ تتخللها مهارة يستعملها الوالدين حالما يصغون لولدهم المراهق وتتمثل في التركيز الصامت على مشاعر صاحب المُشكلة (المرهق هنا) في كل ما يبديه من تعبيرات لاشعورية تتمثل في حركات وإنفعالات وإيماءات تعبر عن البعد النفسي للإحتياج على أنَّ يرافقه إبتسامة خفيفه يستشعرها المُراهق ويترجمها إنَّها تعني الوصول إلى أحاسيسه بكل ثقة وإحترام له.
وحتى تكتمل تلك المهارة لابد من العديد من الفنيات والتي هي (الإحترام)كأنَّ يبدي أحد الوالدين المحاورله إحتراماً غير مشروط وأنَّ لايكون ذلك الإحترام في قالب محدد أو لمجال مُعين أو بسبب المشكلة التي إجتمعا من أجلها وأنَّ يبديا (التعاطف مع إحتياجاته) من خلال إدراكهم لما يشعره المراهق كأن يعيشوا إحتياجاته ومتطلباته التي سببت له المشكلة و(الأصالة) كأنَّيتحدث الوالدين بشكل تلقائي غير مُتصنع وأنَّ يستشعره المراهق نفسه ذلك وأخيراً(التحديد) بأنَّ لايتحدث كل منهما في عموميات المُشكلة وأنَّ يتناولا المُشكلة بعينها وأنَّ لايخرجا عن ذلك الإطارإطلاقاً.
إنَّ تلك الفنيات العلاجية التي يبديها الوالدين للمراهق في الوهلة الأولى من اللقاء تعني الكثير لمُستقبل العلاقة الأسرية بينهما.وإنَّها بسيطة وقد مارسها قسماً من الوالدين لخبرتهما الإجتماعية عن غير قصد ولكنَّ مايفشلها كونهم لم يتعرفوا عن أبعادها النفسية بعد أو إنَّ لم يلتزموا بها.
وحالما إكتمل المُراهق من حديثه عن مشكلاته وإحتياجاته يأتي بذلك دور الوالدين في الحديث معه ولكنَّ لايكون بعنوان التوجيه والإرشاد والتخويف والترغيب وهو أمر شائع اليوم في الكثير من عوائلنا العراقية.بل يبديان(عكس مشاعر المراهق التي تحدث بها معهم)بأنَّيعيد الوالدين التعبيرات النفسية والأفكار التي أبداها المراهق بكلمات خاصة وهادئة ليتم إطلاعه على إنفعالاتهُ وسلوكياتهُ التي ظهرت عليه حالما تحدث مع والديه من غير أنَّ يشعر.وقد بين خبراء علم النفس إنَّ هذه لفنية تعد محاولة لإفهام المراهق إنَّ الوالدين قد فهما طبيعة مُشكلته جيداً التي يعاني منها.وبالتالي يعمدان بعد ذلك إلى (التلخيصالمُشكله وإحتياجاتها)بعبارات مُحددة وواضحة يفهمها جيداً عن تلك الأسباب وراء عدم قدرته عن التعبير عنها في السابق. وبعد ذلك يتجه الوالدين إلى (التحليل) من خلال الوقوف على المُسببات الحقيقية وراء المشكلة ومنه يمكننا أنَّ نقول إنَّ الوالدين قد دخلا عمقاً في مشاعر المراهق للتو.وفي حال عدم تقبله للتحليل ننصح حين ذاك بإستعمال الصمت للعودة مرة أخرى من جديد للفنيات التي تم ذكرها بالتسلسل ولمرة واحدة فقط. وحالما ينجح التحليل مع ولدهما المراهق ننصح حين ذلك بإستعمال (التاكيد)من خلال توكيد قدرات وإمكانيات التي يملكها المراهق والتي يستطيع إستغلالها من أجل تحجيم مُشكلته التي يعاني منها.وتتم من خلال عمليتين أكد عليها أهل البيت عليهم السلام من قبل في التعامل وهي(التشجيع) إستحسان جهود المراهق نحو التغيير أو تعديل السلوك و(الحث) دفع المراهق على المُضي قدماً نحو تحقيق السلوك الجيد البديل.
والآن هل كانت أم دنيا تتعامل مع ولدها بالطريقة النفسية التي بينها؟ الجواب في ذلك يعود لإخوتنا القراء في ذلك.
الأستاذ الدكتور
حيدر اليعقوبي
أستاذ علم النفس التربوي