مدينة كربلاء النشأة والتخطيط

      أ.د. انتصار لطيف حسن السبتي

وهي من مدن العراق المقدسة ، فيها مشهد إلامام الحسين بن عليD ، فكان العامل الديني السبب في نشأتها ، وهي تقع في غربي نهر الفرات وجنوب غربي بغداد ، وكانت قرية قديمة يرجع تاريخها الى العهد البابلي القديم ، وسكانها كانوا يعّولون على الزراعة لخصوبة تربتها وغزارة مياها ، وذكرها الطبري ( ت310هجرية ) في كتابه تاريخ الطبري عند تحرير العراق في حوادث سنة 12هجرية ، بقوله : ” وخرج خالد بن الوليد في عمل عياض بن غنم لأغاثته ، فسلك الفلوجة حتى نزل بكربلاء وعلى مسلحتها عاصم بن عمرو …  وأقام خالد على كربلاء أياماً”  .

أما ياقوت الحموي ( ت626هجرية) جاء في كتابه معجم البلدان  عن كربلاء قوله : ” …أنه لما توجه سعد بن أبي وقاص إلى المدائن ، وخاض بجنده  نهر دجلة حتى عبروا وهرب يزدجرد  إلى أصطخر ، فأخذ خالد بن عرفطة مع جيشه فدخل كربلاء وحررها ثم قسمها ، وأتخذها مقراً لجيشه ، فكربلاء تم تحريرها سنة 12هجرية ، ولكن سكانها ارتدوا على الإسلام بعد ذهاب خالد بن الوليد لتحرير الشام ، وفي سنة 14هجرية  تم أعادتها الى الإسلام مرة أخرى .

وعن أسم الأرض التي أستشهد فيها الإمام الحسين D ، قال ياقوت الحموي

” أن الإمام الحسين D لما أنتهى إلى هذه الأرض ، قال لبعض أصحابه : ما تسمَّى  هذه القرية وأشار إلى العقر فقال له : اسمها العقر ، فقال الإمام الحسين  D : نعوذ بالله من العقر ، ثم قال : فما أسم هذه الأرض التي نحن فيها  ، قالوا كربلاء فقال أرض كرب وبلاء …”

ومنذ استشهاد الإمام الحسين D في سنة 61هجرية ذاع صيت مدينة كربلاء واصبح محط أقبال الناس وتجارة نظراً لأهمية موقعها الديني والجغرافي ، ولكن الناس لم يتمكنوا من إقامة العمران فيها خوفاً من بطش بني أمية .

ولكن كربلاء تطورت في العصر العباسي وأخذ الناس فيها بالرغم من معارضة الرشيد ت 193هجرية وكذلك المتوكل ت247هجرية ، الذي أمر في سنة 247هجرية بهدم ضريح الإمام الحسين  D وهدم الدور الأخرى ، كما أمر  بزراعة الموضع المقدس ببذره  وسقيه  لضياع مكان قبره الشريف ، ومنع الناس من زيارته ، وبعد المتوكل أخذ العلويون والناس يتوافدون إلى كربلاء ويعمرونها ، وكان أول علوي سكنها هو تاج الدين إبراهيم المجاب حفيد الإمام موسى بن جعفر D ، في حدود سنة 247هجرية ، فتأخذت الدور وأقامت الأسواق حوله .

وفي القرن الرابع الهجري كانت كربلاء مدينة  عامرة بالسكان ، وقد أزداد عمرانها فيما بعد ، وقد ذكر المستوفي القزويني ( ت750هجرية ) أن مساحتها بلغت 2400متر مربع .

وقد وصفها أبن بطوطة ( ت779هجرية ) في رحلته مدينة كربلاء ، بأن فيها محلتين هما محلة آل زحيق وتشغل الجانب الشمالي الشرقي من الحضرة  الحسينية ، وتسمى الان بمحلة باب السلالمة وباب الطاق والمخيم ، ومحلة آل فائز وتشغل دورها الجانب الشرقي والجنوبي من الحضرة العباسية وتسمى اليوم بمحلة باب بغداد وباب الخان ، وتتخللها المسالك والدروب وتنتشر فيها المساجد والمدارس والأسواق ، أما الجانب الغربي من الضرحين فكان رحبة واسعة تحدها من جهة الغرب البساتين والحقول .