علي مراد العبادي
مركز الدراسات الاستراتيجية/قسم إدارة الأزمات
تموز/يوليو 2016
من جملة مكاسب تحرير مدينة الفلوجة مؤخراً أنها فسحت المجال وأعطت الفرصة للقوات العراقية للانطلاق نحو بقية المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، إذ إنها رفعت من الروح المعنوية لدى القوات العراقية ومن يساندها وبرهنت على أن تنظيم “داعش” لا يصمد كثيراً في حرب المدن على الرغم من امتلاكه قوة مخصصة لحرب المدن أو ما يطلق عليها بـ “حرب العصابات”، وهي من أصعب الحروب ولا سيما عندما تتواجه قوات نظامية عسكرية مع تلك المجاميع. ورغم كل تلك الأساليب، إلا أن زخم المعارك استمر وتم تحرير وتطهير مدينة الفلوجة بعد شهر من انطلاق تلك المعارك. وتجدر الإشارة هنا إلى التطور الحاصل في جاهزية وأداء القوات المسلحة ومن يساندها، وأكبر دليل على ذلك إدامة زخم المعركة وبث الروح المعنوية واستمرار ديمومة التقدم واستغلال انهيار صفوف التنظيم وبالتالي الاندفاع للإمام، وهذا ما حصل فعلاً بعدما أعْلن عن تحرير الفلوجة مباشرةً وأعقبها إعلان القوات بدء عملية تحرير الشرقاط، وهي آخر معاقل التنظيم في محافظة صلاح الدين وتعد البوابة الرئيسية لمدينة الموصل من الجهة الجنوبية، لذلك بدأت تتصاعد وتيرة العملية تزداد بسرعة نحو مركز الشرقاط وحُرّرت خلال العملية عشرات القرى المحيطة بمركز القضاء وأهمها “قرى الحاج علي”، وبهذا أحكمت الطوق على مركز المدينة. وأيضاً من ضمن السياقات الجديدة والخطط الصحيحة هي البدء بالعمليات والتقدم ومن ثم الإعلان عنها، وهذا الأمر كان من أكثر ما يُعاب على الخطط العسكرية، إذ كانت سمة العمليات السابقة تأخذ جدلاً واسعاً وتصريحات من مختلف الجهات الأمنية وإفشاء للمعلومات العسكرية قبل بدئها، مما يعطي الفرصة للعدو بالاستعداد للمواجهة وتفخيخ الطرق ونشر القناصة وإقامة خطوط الصد ونصب الكمائن للقوات المتقدمة، وجميعها تعرقل من التقدم، كما وإنها تعطي مزيداً من الضحايا في صفوف القوات المتقدمة. أما ما حصل مؤخراً من سرية شبه تامة حول سير العمليات، فقد أثر إيجاباً عليها. ولعل إعلان السيد العبادي عن تبديل الخطط العسكرية ومحاسبة من أفشى الخطط ربما يعد من خطط الحرب وإيهام العدو، ولا سيما أن التنظيم يمتلك قاعدة معلومات ولا يخفى أن بعضاً من المسؤولين أو القادة العسكريين أو القوات المحلية المشاركة تنقل بعضاً من تلك الأخبار للتنظيم سواء بصورة مباشرة أم بصورة غير مباشرة، ولذلك الإعلان عن تكتيك جديد بحد ذاته بوادر نصر جديدة.
ومن أبرز ما تم تحريره خلال الأيام السابقة قاعدة القيارة الاستراتيجية. ففي الوقت الذي كانت فيه الأنظار مسلطة على عمليات تحرير مركز قضاء الشرقاط، لكن وبطريقة ذكية من جهاز مكافحة الإرهاب وفرق من الجيش العراقي قاموا بشق عمق الصحراء قرابة الـ 100 كم ليباغتوا العدو بدخول قاعدة القيارة، وهذا ما يفسر عدم مواجهة التنظيم أو تمسكه كثيراً بالقاعدة على الرغم من أهميتها، وهنا يكمن عنصر المفاجأة
أما أهمية تلك القاعدة، فتكمن بالآتي:
أولاً: تبعد القاعدة قرابة الـ 60 كم عن مركز مدينة الموصل، وهذا يوفر قاعدة انطلاق قريبة حال الشروع بعملية إعادة المدينة. ثانياً: تبلغ مساحة القاعدة قرابة الـ 20 كم، وهذا شيء جيد في السياقات العسكرية، إذ تمكن القوات من التحشيد والتهيؤ وتوفير المستلزمات. ثالثاً: تضم مدارج كبيرة لهبوط الطائرات، وبذلك يمكن أن تكون المقر الرئيس لانطلاق الطائرات سواء العراقية أم طائرات التحالف الدولي، ولكن بعد إجراء شيء من الصيانة وتوسيع بعض مدارج الهبوط. رابعاً: تعد قريبة نوعاً ما عن محور عمليات مخمور والذي يشهد عمليات للجيش منذ أشهر، وهذا المحور تتواجد فيه قيادة عمليات تحرير نينوى، وبهذا تتوفر إمكانية فتح جبهتين بنفس الوقت. خامساً: تضم ناحية القيارة مجموعة من آبار النفط فضلاً عن منشآت تكرير، والتي كانت توفر للتنظيم واردات مالية كبيرة، وفي حال سيطرة القوات على تلك الآبار أو مركز ناحية القيادة فإنها تكون قد قطعت موردا مهما من موارد التنظيم. سادساً: مباغتة التنظيم بعد أن كان يتوقع أن العمليات ستكون من الشمال، عن طريقة إقليم كردستان. سابعاً: السيطرة على طريق الموصل – بغداد. ثامناً: تعد أول موطأ مهم سيطرت عليه القوات العراقية داخل الحدود الإدارية لمحافظة نينوى من جهة الجنوب. تاسعاً: إعادة الثقة بقوات الجيش العراقي بعد الانكسار الكبير في عام 2014، وإعادة الاعتماد عليها، وهذا يظهر جلياً بإعلان رئيس الوزراء عن تحرير القاعدة ويقف إلى جانبه كبار الضباط في الجيش فضلاً عن الجنود.
جميعها مكاسب، لا بد من استثمارها في معركة تحرير الموصل على الرغم من لجوء التنظيم إلى حرق آبار النفط لإعاقة التقدم وحجب رؤية الطائرات، وهذه سياسية غالباً ما يلجأ إليها التنظيم، وهي بمثابة الورقة الأخيرة، كما وتمثل خسارة اقتصادية كبيرة. أيضاً ربما يلجأ التنظيم إلى حرق حقول الكبريت، وهذه الخطوة تمثل خطورة صحية وبيئية ومعرقلة للتقدم، لذلك لا بد للقوات أن تفكر مسبقاً بوضع حلول لهكذا خطوه. وكذلك تبرز الحاجة إلى توفير الدعم السياسي وتوحيد الكلمة. كما وتعد معركة الموصل أهم وآخر المعارك لطرد التنظيم؛ لذلك لا بد من إشراك قوات محلية تكون محل ثقة لدى القوات المحررة فضلاً عن الاعتماد الأكبر على الجيش العراقي في العملية؛ لما يتمتع به من قبول في الوقت الحاضر، مما يؤدي إلى قطع الطريق أمام المتربصين، ولا بأس من إشراك قوات من الحشدين الشعبي والعشائري على أن تكون مهمتهم التطويق وليس الاقتحام.
لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :